الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
الفتن
الاثنين 27 رجب 1435 هـ الموافق 26 مايو 2014 م
عدد الزيارات : 3107

قال تعالى: (الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) سورة النور الآية 33 ، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة الأنفال  الآية 25 .

 

عباد الله ، إن من خصائص رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ما من خير إلا ودلَّ الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه، وقد كان مما حذر الأمة منه : الفتن التي تكون في آخر الزمان ، والتي تحيط بالأمة من كل جانب، فتموج بهم كموج البحر، حتى إنها لتدع الحليمَ حيرانا. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه) 1.

أيها الإخوة ، إن سنّة الله قاضيةٌ أنَّ كلَّ أمّة تستبدل الهدى بالضلالَ، وتتقاعَس عن العمل المثمِر النافع لا تزال في تقهقُر وانحطاطٍ، وتلاشٍ واضمحلال في فكرها وقوّتها وسلوكها حتى تعود إلى ربها. ما أحوجنا اليوم في زمنٍ عظمت فيه المصيبة، و حلَّت به الرزايا العصيبة ، وتخطَّفت عالَم الإسلام أيدي حاسديه ، و نهشته أيدي أعاديه، فالكرامة مسلوبة، و الحقوق منهوبة ، والأراضي مغصوبة ، ما أحوجنا في زمن الحوادث و الكوارث إلى أن نراجع ديننا ، وننظر في مواقع الخلل ، ومواطن الزلل ، لنغسل عنا أوزار الذل والهوان ، ونزيل غُصص القهر والخذلان، ونتخلّص من تبعية الغرب المقيتة ، والعبودية المميتة .

في سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ).

تعصف الفتن بنا ، ولو لم يكن إلا عصفها لكفى ، فينبغي علينا أن نحذر ممن يحاول أن يندس بين الصفوف ليحول جهادنا ضد طاغية الشام إلى سراب ، و لم لا يكون ذلك و في الأمة منافقون و مخذلون ، و من يحبّون أن تشيع الفاحشة و الفرقة و الضلالة في الذين آمنوا ؟! يظهرون أيام الفتن ، ينفثون سمومهم ، ويصطادون في الماء العكر، يتصدرون الناس إذا غاب أهل الصدارة ، فيَضلّون ويُضلون.

 

في مسند الإمام أحمد عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

(إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ). وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا).

والله لكأنا نرى ذلك رأي العين ، ونرى من اسمه اسم المسلمين ، وسِمَتُه سِمَتُهُم، ثم نرى حاله ومقاله وفعله لا يختلف عن فعل الكافرين ، بل ربما كان أشد .

ولأجل أي شيء يفعل ذلك ؟ لا ترى سببًا ، ولا تستطيع أن تبحث عن علّة، إلا أمرًا يتعلّق بدنياه، رعايةً لمصالحه، أو حفظًا لمطامعه، أو خوفًا على شيء من عرض هذه الدنيا . إننا اليوم لنرى -وما أكثر ما نرى- ما حدَّث به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، من هوًى متبع وشحٍّ مطاع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه. ففي المسند عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمام الدجال سنين خداعة، يُكذب فيها الصادق، ويُصدق الكاذب، ويُخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة)، قيل: وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه) وفي رواية: (السفيه يتكلم في أمر العامة).

ولعلنا نصف واقعنا المعاصر وحالتنا الراهنة ، التي يتكالب فيها الأعداء ، و تفترق فيها الآراء ، ليس بوصفٍ من عندنا، و ليس بقولٍ من زماننا ، و إنما بما ذكره المصطفى صلى الله عليه و سلم فيما صح عند الشيخين، من حديث أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما وصف به أواخر الزمان ، فقال: (يتقارب الزمان ، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج) قالوا: وما الهرج؟ قال: (القتل القتل).

و هل ترون صورة أوضح وأدق في وصف أحوالنا اليوم ، في تقارب هذا الزمان واختصاره، كما يطلقون عليه اليوم : قرية صغيرة، وقَبْضِ العلم بموت العلماء ، وذهاب المخلصين الصادقين منهم إلا من رحم الله . وظهور الفتن أي : كثرتها واشتهارها ، كلما ظهرت فتنة عظيمة ترقق التي قبلها ، فتنة في الشرق ، تنسي فتنة الغرب ، وكم نرى الهرج والقتل ظاهرا ، وما أدراك ما هو ؟ وكم أعداده ؟ وما هي أسلحته ؟ و ما هي الجرائم والقوى العظمى التي تتولى كبره ، و تحمل عاقبته وإثمه؟ فهؤلاء النصيرية و من شايعهم من حزب الشيطان ، و جند إيران فئة خوَّانة، ليس لها عهد و لا أمانة، تمارس في بلاد الشام أبشعَ صور الظلم و القهر و التخويف والإرهاب ، تفرض ألوان الحصار ، و تقتل الرجال و النساء و الصغار، و تهدف إلى إبادة المسلمين ، و تصفيتهم جسدياً ، و إرعابهم نفسياً ، بمذابح واغتيالات جماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً . فأين من يوقف وحشية هذا الإرهاب و بشاعته، و يطارد رجاله وقادته ، و يستأصل شأفتهم ، و يقتلع شوكتهم؟! أين ميزان العدل و الإنصاف يا من تدعونه ؟! أين شعارات التقدم والتحرر والحضارة والسلام ، التي لا نراها إلا حين تصبّ في مصلحة اليهود و مَنْ وراءَ اليهود ؟

و الفتنة الكبرى أن يستغيث المسلمون بمن يقف وراء اليهود وقد صدق القائل : المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار . حقٌّ على الأمَّة كلها أن ينظُروا بجدٍّ وإِخلاص ، وأن يتبصّروا بصدقٍ في أسباب ما حلّ بهم و في عوامل ما أصابَهم من خزيٍ وعار ، (إِنَّ الَذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) .

ألم تفشُ في الأمة الأحقادُ والضغائن والتفرّق والتشتُّت ، و التخوين وسوء الظن، فكان نذيرَ هلاكها وسبيل فنائها و السلاحَ البتّار الذي ضرَب به الأعداء الأمّة لتحرِق حاضرها ومستقبلها؟!

أليست الأمّة قد فرّطت في ما أمرَها به ربُّها جلّ وعلا حينما قال: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ)؟

أليست الأمة قد تناست ما ألزمها به خالقها حينما قال: (وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ)؟!

ألم تقعِ الأمّة في خلطٍ الموازين وترتيبِ الأولويّات، فأصبحت وقد قدمت المهمّ على الأهمّ، واهتمّت بالقشور واشتغلت بتوافِه الأمور .

فالواجب على أهل بلدنا كلما اشتدت بهم البلايا والرزايا أن يقوى تضافرهم، ويشتدَّ تناصرهم، لنصرة دينهم وإصلاح بلدهم، و أن يكونوا صفاً واحداً متعاضدين متساعدين متساندين ، متعاونين على البر و التقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، نابذين العداء و البغضاء ، قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) . فلا بدَّ من عودةٍ صادقة واستعادة لمواقع الصّدارة ومِقوَد القيادة. و إلّا لمصلحةِ مَن تُتاح الفرصةُ للأصابع الخفيّة من بني جلدتِنا لكي تعبثَ في بلدنا ومقدّراته وتشعلَ الفتنةَ والفسادَ في ديارنا؟!

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، واجعل لنا من كل هم فرجا ، وكل غم مخرجا، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وحشرني وإياكم مع خلص عباده الصالحين، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية :

إذا نزلت بالأمة الفتن التي تموج كموج البحر الهادر، وتطيف بالقلوب كالنار التي تسري في الهشيم. فما العاصم؟! وأين المخرج؟! وللمستفهِم أن يقول : ما النجاة في خضم هذه الأحداث ، و ما موقف المؤمن من متغيرات زمانه، وفجاءة النقمة فيه؟

فالجواب على هذا بيِّن بحمد الله، فإن لكل داء دواءً، علمه من علمه وجهله من جهله، والدواء في مثل هذا كثير التنوع، فمن ذلك:

  الإيمان بالقضاء و القدر و الإيمان بأن ما يريده الله كائن لا محالة، و أن ما أصاب الناس لم يكن ليخطئهم، و ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فما شاء الله كان، و ما لم يشأ لم يكن، (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .

 

ثم اعلموا أنه ينبغي للمسلم في خضم الأحداث الرهيبة والمتغيرات المتنوعة ألا ينساق وراء مشاعر القنوط و اليأس، وألا يحبس أنفاسه مع الجانب المظلم فيما حصل متغافلا عن جوانب الخير الأخرى، فإنه قد يكون مع المحنة منحة، ومع الكرب فرج، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ولن يغلب عسر يسرين، و(إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).

فكم من مِحنة مرّت بها أمّةُ محمّد صلى الله عليه وسلم حملت فتوحاتٍ و إصلاحات ، و كم من مصائبَ نزلت بالأمّة كانت بها الاستفاقةُ من الغَفَلات. مِحنٌ أظهر الله بها المسلم من المنافقَ ، و المؤمنَ من الكافر ، والصادقَ من الكاذب ، والمجاهدَ في سبيل الله من المجاهدِ في سبيل الشيطان . محنٌ ظهر بها الولاءُ لله ، ومدى المحبّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

كم مرَّ بالمسلمين من أحداث، لكنّ المسلمين ولله الحمد لا يزال دينُهم باقياً منصوراً بنصرة الله له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله) وفي رواية: (وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوهُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ) فدينُنا منصورٌ ولله الحمد إن نحن قمنا به خير قيام، قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ). و اعلموا أن الله صلى على نبيه...

 

----------------------------------
 

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142