الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
أدبُ الخلافِ
الخميس 19 صفر 1436 هـ الموافق 11 ديسمبر 2014 م
عدد الزيارات : 6931

أدبُ الخلافِ


عناصر الخطبة :
1- الاختلاف مقتضى طبيعة البشر.
2- خلافٌ يشمل كل جوانب الحياة.
3- تجاوز أدب الخلاف مقدمة للبغي.
4- أسباب الخلاف.
5- هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين.
6- قواعد في التعامل مع المخالف.
7- أثر الخلاف على الأمة.

.......................................................................................
1- الاختلاف مقتضى طبيعة البشر.
قال تعالى : ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالِمين ) (الروم : 22)
وقال سبحانه :  ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولايزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ،ولذلك خلقهم ) (هود : 118-119)
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ولا بد أن يختلفوا، فإن هذا من لوازم الطبع البشري لا يمكن أن يكون بنو آدم إلا كذلك ).
قال ابن القيم رحمه الله: ( ووقوعُ الاختلاف بين الناس أمرٌ ضروريٌّ لا بد منه لتفاوتِ إرادتِهم وأفهامِهم وقوى إدراكِهم ولكنّ المذمومَ بغيُ بعضِهم على بعض وعدوانُه، وإلا فإذا كان الاختلافُ على وجهٍ لا يؤدي إلى التباين والتحزُّب، وكلٌّ من المختلفين قصدُه طاعةُ اللهِ ورسولِهِ لم يضرَّ ذلك الاختلافُ، فإنه أمرٌ لا بد منه في النشأة الإنسانيةِ ولكنْ إذا كان الأصلُ واحداً والغايةُ المطلوبةُ واحدةً، والطريقُ المسلوكةُ واحدةً، لم يكدْ يقع اختلافٌ، وإن وقع كان اختلافاً لا يضرُّ، كما تقدم من اختلافِ الصحابةِ، فإنَّ الأصلَ الذي بنوا عليه واحدٌ، وهو كتابُ الله وسنة رسولِه، والقصدُ واحدٌ، وهو طاعةُ اللهِ ورسوله، والطريقُ واحدٌ، وهو النظرُ في أدلة القرآن والسنة وتقديمُها على كلِّ قولٍ ورأيٍ وقياسٍ وذوقٍ وسياسة).
فالخلاف طبيعةٌ بشريةٌ،وهو واقعٌ بين البشر لا محالة، ولا يعني هذا الاختلاف في أصل الخلقة والتكوين وقوعَ التصادم والتخاصم والتفرق والتشرذم، بل إنّ هذا هو الذي حرّمه الإسلام ونبذه، ولخطورة آثار هذا الاختلاف جعل الله له مرجعاً وضابطاً يضبطه، حتى لا يتمادى الناس فيه بظنونهم وأهوائهم،فجعل الحكمَ فيه كله لله، قال سبحانه : ( وما اختلفتم في من شيء فحكمه إلى الله) (الشورى : 10)
وقال أيضاً : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم،فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) (النساء : 59)
وكم يتعب في حياته من ينتظر أن يجد له نظيراً يصاحبه بحيث يطابقه في كل الميول والطباع والأفكار؛ لأن الله عز وجل جعل من البشر صفحات متنوعة تتفق في أشياء وتختلف في غيرها، وجعل هذا التنوع صورة من صور قدرته عز وجل، وإنما يتقارب الناسُ ويتجاذبون بسبب تعدُّد صور التماثل فيما بينهم وليس بسبب التطابق، فكلُّ مخلوقٍ كيانٌ قائمٌ بذاته، أثّر فيه عواملُ كثيرةٌ من الوراثة والمجتمع والتجربة لم يتعرض لها الآخر.
وكم يكون مغالياً ذاك الذي يسعى ليلوي الأعناق، ويغسل الأدمغة، ويؤوّل الأمور ليكون هو الوحيد على الحق الذي لا يتعدد! وليكون جميعُ الناس مستعدين للانسجام مع طباعه والاقتناع بطريقة تفكيره، والاهتمام بمثل ميوله.

2- الخلاف يشمل كل جوانب الحياة :
بحُكمِ طبيعةِ البشرِ واختلافِ طباعِهم وميولهم وفهومهم، وتفاوتِ علومِهم فإنّ الخلافَ لا يكاد يسلم منه جانبٌ من جوانب الحياة، فترى الخلاف في الأسرة، بين الزوجة وزوجها، وبين الولد ووالده، وفي الحي والمجتمع الصغير، بين الأقران والأصدقاء، ثم تراه بين المعلم وتلميذه، وبين القائد وجنوده، في سلسلة لا تنتهي؛ فلا بد عندئذٍ من وقفة مع هدي الشريعة حتى لايبغي أحدٌ على أحد.

3- تجاوز أدب الخلاف مقدمة للبغي:
تنعكس آثارُ تجاوزِ الهدي في التعامل مع المخالفين إلى إيغار الصدور وزرع الخصومات، وتمزيقِ الكلمةِ، ولربما وصلت حدَّ الاقتتالِ وسفكِ الدماء؛ وقد يئس الشيطان أن يرجع الناس إلى عبادة الأوثان، لكنه وجد فسحةً في التحريش بينهم، كما حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إنّ الشيطان قد أيس أن  يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم .) ( رواه مسلم )

4- أسباب الخلاف :
أ‌-    الكبر : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكبر بطر الحق وغمط الناس )(رواه مسلم)
بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وغمط الناس: أي استحقارهم وتعييبهم ( قاله النووي رحمه الله  في شرح صحيح مسلم) .
فالمتكبر يردُّ الحقَّ ويخالفك؛ لأنه يرى أنه ليس بإمكانه أن يتنازل لك ويسمع منك .
ب‌-    سوء الطبع : فبعضُ الناس لسوء طبعه، تجده عنيداً فظاً غليظاً مجادلاً، كأنه مهووس بخلاف الناس،لا لشيئ إلا لأنه يحب المعارضة والمخالفة .
ورحم الله ابن المبارك حيث أنشد :
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً     ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا      وإذا قلت نعم قال نعم

ث‌-    الحسد: قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ( حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ ) (البقرة:109)
الحسد هو الذي يحمل بعض الناس على أن يخالف بغير حق، وهذا مذهب بني إسرائيل -والعياذ بالله- ذكر الله تعالى ذلك عنهم : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً )( النساء:54)
قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن !؟ قال: ويلك أنسيتَ قصةَ أبناءِ يعقوبَ لما حسدوا يوسف عليه السلام، قال: إذا حسدتَ فلا تبغِ، إذا حسدتَ أحداً فأخْفِهِ.
ج‌-    عدم التثبت من الأقوال والأفعال: قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات:6)
كثيرٌ من الناس يبني أحكامَه على غيرِ معرفة الرأي الآخر، يسمع أحداً قال كذا وكذا فقام على المنبر بخطبة يرد عليه، أو نشر بياناً يفضحه ويتتبع عورته ! سمع إشاعةً مغرضة فجمع جنوده وحمل سلاحه !
ثم يتبين له أن ذاك كله لم يكن وما وقع !
وبعضهم يسمع طرف الخبر، ويقوم يبني عليه ويرد ويكتب ويجمع ويحشّد .. وليس تلك طريقةُ  أهلِ السنة، فإنهم  إذا بلغهم الخبر تثبتوا من صاحبه تمثُّلاً للقاعدة القرآنية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات:6).
ح‌-    الاختلاف في الفهم : كما حصل مع الصحابة رضي الله عنهم في حادثة بني قريضة، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم  لنا لما رجع من الأحزاب: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذُكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحداً منهم. ( رواه البخاري ومسلم )

5- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين :
أ‌-    كان النبي  صلى الله عليه وسلم  حَسَنَ المعاملة مع الخصوم، فيدفع بالتي هي أحسن، ويعفو عن الإساءة؛ فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمار على قطيفة فَدَكِيَّةٍ، وأردف أسامةَ بنَ زيد وراءه، يَعُود سعدَ بن عبادة - رضي الله عنه - في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، قال: حتى مرَّ بمجلسٍ فيه عبدالله بن أُبيِّ بن سلول، وذلك قبل أن يُسلم عبدالله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبدالله بن رواحة، فلما غشيتِ المجلسَ عَجَاجَةُ الدابة خَمَّر عبدالله بنُ أُبيٍّ أنفَه بردائه، ثم قال: لا تُغبِّروا علينا، فسلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبدالله بن أبي بن سلول: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا، فلا تؤذِنَا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك، فمَن جاءك فاقصص عليه، فقال عبدالله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغْشَنا به في مجالسنا، فإنَّا نحبُّ ذلك، فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود، حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حتى سكنوا، ثم ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - دابتَه، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا سعدُ، ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبدَالله بنَ أبي - قال كذا وكذا))، قال سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: يا رسول الله، اعْفُ عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتابَ، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرَةِ على أن يتوِّجوه فَيُعَصِّبُوهُ بالعصابة، فلما أبى اللهُ ذلك بالحق الذي أعطاك الله، شَرِقَ بذلك، فذلك فَعَل به ما رأيت، فعفا عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم . (رواه البخاري ومسلم )
فكان يُعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ أعداء الإسلام باللِّين، ويكنيه بأحبِّ الكُنَى إليه، بأبي الحباب؛ مداراةًَ له، واستمالةً لقلبه، ويعفو عنه ويصفح.
 أين نحن من هذا الخُلق النبوي في تعاملنا مع إخواننا وأحبابنا، حينما نختلف في أمر من الأمور الدينية، من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، من الأمور الاجتهادية، أو الأمور الدنيوية البحتة، المبنية على النظر المحض، أو التجارِب الشخصية!؟.
ب‌-    كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حليمًا مع خصومه، مع يقظته لما يحيكونه ضده، مما لا يرضي من القول والعمل؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان اليهود يسلِّمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: السام عليك، ففطنت عائشة - رضي الله عنها - إلى قولهم، فقالت: "عليكم السام واللعنة"، فقال النبي  صلى الله عليه وسلم : ( مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) فقالت: "يا نبي الله، أولم تسمع ما يقولون؟!"، قال: ( أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم، فأقول: وعليكم؟!) (رواه البخاري ومسلم:)
 ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم  إساءتَهم، ودعا عليهم بالموت، من باب رد الاعتداء بالمثل، من غيرِ خروجٍ عن حدِّ الاعتدال، فملك نفسَه، وصان لسانَه عن السبِّ والشتمِ لهؤلاء المعتدين.
ت‌-    عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قاتَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  مُحَارِبَ خَصَفَةَ (أي غزوة ذَاتِ الرِّقَاعِ) بنخل، فرأَوْا من المسلمين غِرَّةً، فجاء رجل منهم يقال له: غَوْرَث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالسيف، فقال: مَن يمنعك مني؟ قال: ((الله))، قال: فسقط السيف مِن يده، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((مَن يمنعك؟))، قال: كن خيرَ آخذٍ، قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟))، قال: أعاهدك على ألاَّ أقاتلَك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبيلَه، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس) (رواه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين)
فمَلَك النبي  صلى الله عليه وسلم  بذلك شغافَ قلوب أعدائه؛ بحُسن خلقه، ولطيف معاملته، حتى دعاهم هذا الخُلقُ العظيم إلى قبولِ الحقِّ، والدخولِ في الإسلام، أو كفِّ الشرِّ عن المسلمين في كثيرٍ من الأحيان؛ وهذه مقاصدُ عظيمةٌ للشارع.
لم يكن يثأر لنفسه أو يغضب لها؛ بل كان يعفو ويصفح في حقوقه، أما في حقوق الخالق، فكان يغضب ويثأر إذا انتُهكت محارم الله، فعفوه وغضبه - صلى الله عليه وسلم - لله، فهذا أعلى مراتب الكمال في العبودية.
لقد كان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الناس، المداراةُ لا المداهنة، فالمداراةُ صفةُ مدحٍ، والمداهنةُ صفةُ ذمٍّ؛ فالمداري يتلطَّف بالشخص، حتى يستخرج منه الحقَّ، أو يردَّه عن الباطل، والمداهنُ يتلطَّف بالشخص ولا يريد أن يكدِّره، حتى لو أدى ذلك إلى إقراره على باطله، وتركِهِ على هواه.

6- آداب التعامل مع المخالف :
أ-    التثبُّتُ من قول المخالف: قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات:6)
فالتأكد من صحةِ نسبةِ هذه الفكرةِ أو تلك المقولةِ إلى من خالفك بالرأي، وإلا فقد تنشأ مشكلاتٌ وتقومُ خصوماتٌ؛ والمخالفُ لك بريء من هذا الذي نُقل إليك
ب-    إحسانُ الظنِّ وعدمُ اتهامِ النيات : لا تتهم النيّات، مهما كان مخالفك مخالفاً للحق في نظرك، فإياك أن تتهم نيته، فإنك إذا افترضت فيه سوء النية وقبح المقصد، فإن نقاشك معه سيأخذ منحى آخر وهو إرادةُ كشفِه وإحراجِه، وإخراجِ ما تظنُّه أنه خبيئةٌ عنده، وقد يبادلك مثل هذا الشعور فينقلبُ النقاشُ عداوةً، والرغبةُ في الوصول إلى الحق رغبةً في تحطيمِ المخالفِ وبيانِ ضلالِه وانحرافِه.
جـ-    إخلاصُ النيّةِ لله: اجعل نيتك في محاورة مخالفك الوصولَ إلى الحق وإرضاءَ الله سبحانه وتعالى ، وكشفَ الغموضِ عن مسألةٍ يختلفُ فيها المسلمون، ورأبَ الصدْعِ بينهم وجمعَ الكلمةِ وإصلاحَ ذاتِ البينِ. فإذا كانت هذه نيتك فإنك تثاب على ما تبذله من جهد في هذا الصدد، قال الله تعالى: ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ )(الزمر : 2)  وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (رواه البخاري )
د-    تركُ بعضِ المستحبات المختلف فيها تأليفاً للقلوب: معلومٌ أنَّ ائتلافَ قلوبِ الأمة أعظمُ في الدين من بعض المستحبات، فلو تركَها المرءُ لائتلاف القلوب كان ذلك حسناً، وذلك أفضل إذا كانت مصلحةُ ائتلافِ القلوب دون مصلحةِ ذلك المستحب،  ففي الصحيحين: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال لها: ( لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض، ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه) (رواه البخاري و مسلم )
وقد احتج بهذا الحديث البخاريُّ وغيرُه على أنَّ الإمام قد يترك بعضَ الأمور المختارة لأجل تأليفِ القلوبِ ودفعاً لنفرتها، ولهذا نصَّ الإمامُ أحمد على أنه يُجهر بالبسملة عند المعارض الراجح، فقال: يَجهر بها إذا كان بالمدينة، قال القاضي: لأنّ أهلَها إذ ذاك كانوا يجهرون فيَجهر بها للتأليف وليعلِّمهم أنه يقرأ بها، وأنّ قراءتها سنة، كما جهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته.
هـ-    الاستعداد لاتباع الحق ولو كان مع خصمك : ادخل إلى محاورة مخالفك  وفي نيتك أن تتبع الحق إن كان مع خصمك ومناظرك، وهذا دليل التجرد والإخلاص

7- أثر الخلاف على الأمة :
أولاً: الضعف والعجز.
والنتيجة الطبيعية لذلك تخلُّف النصرِ وفشلُ الأمةِ وعجزُها، قال الله تعالى:( يَٰٓأَيُّهَ ا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ،وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُوا۟ فَتَفْشَلُوا۟ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) (الأنفال :45- 46)
قال ابن سعدي: "(وَلَا تَنَازَعُوا) تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، (فَتَفْشَلُوا ) أي: تجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله"
وفي الآية السابقة "عوامل النصر الحقيقية: الثبات عند لقاء العدو. والاتصال بالله بالذكر. والطاعة لله والرسول. وتجنب النزاع والشقاق. والصبر على تكاليف المعركة. والحذر من البطر والرئاء والبغي.."
وقد علم العقلاء بأنَّ الاجتماعَ سببُ قوةٍ ومنعةٍ..
كونوا جميعاً يا بني  إذا  اعترى     خطبٌ  و لا تتفرقوا   أفرادا
تأبى الرماحُ إذا اجتمعْنَ تكسُّراً     و إذا افترقْنَ تكسَّرَتْ آحادا
ثانياً: هلاك الأمة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) ( رواه مسلم )
قال في تحفة الأحوذي: "واختلافهم عطف على الكثرة لا على السؤال لأن نفس الاختلاف موجب للهلاك بغير الكثرة"
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ هلاكَ الأمم مِن قبلنا إنما كان باختلافهم على أنبيائهم،وقال أبو الدرداء وأنس وواثلة بن الأسقع : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في شيء من الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله قال ثم انتهرنا قال يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم وهج النار ثم قال أبهذا أمرتم أو ليس عن هذا نهيتم إنما هلك من كان قبلكم بهذا).
وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابني العاص أنهما قالا: ( جلسنا مجلسا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه أشد اغتباطا فإذا رجال عند حجرة عائشة يتراجعون في القدر فلما رأيناهم اعتزلناهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الحجرة يسمع كلامهم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يعرف في وجهه الغضب حتى وقف عليهم وقال يا قوم بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتاب بعضه ببعض وإن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض ولكن نزل القرآن يصدق بعضه بعضا ما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به ثم التفت فرآني أنا وأخي جالسين فغبطنا أنفسنا أن لا يكون رآنا معهم ) .
قال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل وعلي ابن عبد الله والحميدي وإسحاق بن إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال أحمد بن صالح أجمع آل عبد الله على أنها صحيفة عبد الله" ( إعلام الموقعين )
ثالثاً: العقوبات المعنوية.
روى البخاري وغيره عن عبادة بن الصامت: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرُفعت)
قال النووي: "وفيه أن المخاصمة والمنازعة مذمومة وأنها سبب للعقوبة المعنوية"، وقال ابن حجر: "قوله (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة مشتق من التلاحي بكسرها وهو التنازع والمخاصمة... قال القاضي عياض: فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة، وأنها سبب في العقوبة المعنوية أي الحرمان".
رابعاً: الجهل بالحق والبعد عنه.
فإذا رأى طالب الحق أن أهله مختلفين فيه على أقوال عدداً، وكل طرف منهم شط فيما اختار، التبس الأمر عليه وربما نفر من الحق وأهله جراء اختلافهم.
ونتيجة هذا أن يعيش أهل الحق غربة بين الناس:
وأي اغتراب فوق غربتنا التي     لها أضحت الأعداء فينا تَحَكَّمُ
خامساً: براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المفترقين:
قال الله عزوجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) الأنعام : 159، يقول القرطبي رحمه الله: "(إنّ الذين فرقوا دينهم)  هم أهل البدع والشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة،(شيعاً) فرقاً وأحزابا، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض؛ فهم شيع، (لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) فأوجب براءته منهم" ( تفسير القرطبي )
سادساً: اسوداد وجوه طوائف من المفترقين يوم القيامة:
كما قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ ُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(آل عمران:106)


مراجع للاستزادة (اضغط على النص ):
-    الاختلاف في العمل الإسلامي: د. ناصر العمر
-    فقه الائتلاف : د. محمود الخزندار
-    محاضرة : الشباب وأدب الاختلاف: د. عائض القرني
-    أدب الخلاف: ناصر الأحمد

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142