السبت 11 شوّال 1445 هـ الموافق 20 أبريل 2024 م
فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا
الأربعاء 29 ربيع الآخر 1436 هـ الموافق 18 فبراير 2015 م
عدد الزيارات : 9616
فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا
 


بسم الله الرحمن الرحيم ..

 

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

إلى الذين مسهم الضر في أنفسهم وأهليهم وأموالهم .

إلى الذين فقدوا عزيزاً كانوا يأنسون به .

إلى الذين فقدوا معيلاً كانوا يركنون إليه .

إلى الذين أخرجوا من ديارهم وأراضيهم وتجرعوا مرارة الغربة .

إلى الذين ذاقوا شدة الجوع وألم الخوف .

إن المصاب جلل .. .. وإن الأمر عظيم .

ولكنه ليس بدعاً من الأمر .

ما نحن فيه ليس بدعاً من الأمر .. إن الله خلق الناس ليبتليهم .

قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) سورة البقرة- الآية155  

وقال أيضاً (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)سورة محمد - الآية 31

هذه إرادة الله .. هذه حكمته .

خلق الناس ليبتليهم ولم يسلم من هذا الابتلاء أحب الناس الى الله عز وجل بل كان أحب الناس إلى الله عز وجل أشد الناس بلاءً الأنبياء .

فالسؤال هنا : لماذا يبتلي الله الناس ؟!وماذا يريد الله من الناس حين يبتليهم؟!

اسمع أخي الحبيب قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)سورة الأعراف - الآية 94

(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)سورة المؤمنون - الآية 76

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ*فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ) سورة الأنعام - الآية 42/43

أرأيت أخي الغالي حكمة وعلةً أوضح من هذا ؟!

يريد الله من الناس حين يبتليهم أن يتضرعوا إليه .

فهل تضرعنا إلى الله وكم تضرعنا إليه ؟!

الأنبياء  قدوتنا حين ابتلوا سارعوا إلى التضرع لله عز وجل فكشف الله ما بهم من هم ..

(وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) سورة الأنبياء - الآية 76

(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)  سورة الأنبياء – الآية 83

فحين نتضرع إلى الله يستجيب رب العزة لنا أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء !

فهل يكشف الله الضر إذا تضرع الناس إليه ؟ نعم .

ومَن غيره ربي يكشف السوء .

اعلم حبيبي أن السوء والضر الألم فيه هو ألم قلبي فليست الظروف هي الآلام .. لذلك قد يعيش الإنسان منعماً في الظروف لكنه منغصاً في قلبه يشعر بالألم .

وقد يكون الإنسان في قلب النار ويشعر بالسكينة .

فكشف الضر ليس بالضرورة كشف أسبابه وظروفه .

النبي عليه الصلاة والسلام حين تضرع لله في الكهف هو وصاحبه كشف الله عنه الضر بأن أنزل السكينة عليه .

وذا النون وهو في بطن الحوت قبل أن يفرج الله عنه .. كشف عنه الهم والغم .. قبل أن ينجيه من بطن الحوت .

كشف الضر هو أن ينزل الله الصبر والسكينة على صاحب الهم .. وليس بالضرورة بكشف ظروفه .

وكم رأينا أناساً بظروف قاسية فقدوا أبناءهم وبيوتهم ولكن الله أنزل عليهم الرضا والسكينة سبحانه .

نحتاج أن نلجأ لله ... وأن يكون في قلوبنا أمر مهم جداً هو أن نحسن الظن به سبحانه وأن نكون موقنين بالإجابة .. لا ندعو الله على سبيل التجربة .. بل نقطع حسن ظن بالله أن الله مجيب دعواتنا  .

لابد أن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة .. فمن أين يأتي اليقين بالإجابة ؟

فهو يأتي من معرفتنا بالله وإيماننا به .

فحين يقول الله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)سورة البقرة - الآية 186

من هنا يأتي اليقين بالإجابة من مدى إيماننا بوعد الله وصدق وعده ..

يأتينا اليقين حين نراجع إيماننا بأسماء الله وصفاته ..

أليس الله سميعاً؟! نعم

يعني أن دعاءك قد سُمع ..

تقول عائشة رضي الله عنها : سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ..جاءت خولة بنت ثعلبة الى رسول الله تشتكي زوجها وأنا في الحجرة القريبة لا أسمع ما تقول !! فأنزل الله :( لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله)تفسير ابن كثير

فنحن ندعو رباً سميعاً ولا شك عندنا في هذا .. ثم ندعو رباً قديراً لا يعجزه شيء .

ألا نؤمن بأن الله قادر على كل شيء ؟!

بلى وربي .

فما نسأله سبحانه هو قادر عليه .

فلنستحضر إيماننا بقدرة الله عز وجل .

نحن ندعو رباً غنياً خزائنه مليئة لا ينقصها كثرة العطاء ..(يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) صحيح مسلم

نحن ندعو رباً كريماً يحب العطاء ..

ثم نحن ندعو رباً حيياً ..

يقول رسول الله (إن ربكم حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين) سنن ابن ماجه 

علمتم أحبتي إلى من ندعو ونتضرع .. إلى جبار السموات والأرض إلى رب سميع كريم غني .. فكيف لا يجيب ؟!

بل إنه سبحانه جعل من أسمائه المجيب ..

ألا يورث هذا يقيناً بالإجابة ؟! بلى

فإذا ضعف يقيننا فهو بضعف معرفتنا بالله عز وجل سبحانه ..

وهناك أمر آخر وهو يعين على اليقين .

من رحمة الله بنا وإرادته الخير لنا أن نوّع لهم صور الإجابة ..

يقول عليه الصلاة والسلام ( ما من مسلم يدعو دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث إما أن يعجل له مسألته أو يدخرها له في الآخرة أو يصرف عنه من السوء مثلها) رواه الإمام أحمد

فالدعاء والتضرع بحد ذاته عبادة وأجر، فالله قد يختار لك من صور الإجابة أنه قبل دعاءك أن يدخره لك أجراً يوم القيامة وهذا الصبر على المصيبة خير وأفضل من كشفها ..

(جاء أعمى إلى رسول الله فقال يا رسول الله ادعو الله لي أن يرد عليّ بصري فقال عليه الصلاة والسلام إن شئت دعوت وإن شئت صبرت ولك الجنة ولكن هذا الرجل قال له بل ادع الله لي أن يرد علي بصري فدعا له الله فرد عليه بصره) رواه الحاكم في المستدرك

(وجاءت امرأة تصرع الى رسول الله فقالت يا رسول الله أنا امرأة أصرع فادعُ الله لي، فقال لها رسول الله : إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة فقالت يا رسول الله : اذن أصبر ولكني أتكشف فادعُ الله لي أن لا أتكشف فدعا لها) رواه البخاري

فدعاؤنا لم يذهب سدى فقد يكون الله خبأه لنا أجراً في الأخرة وهو أنفع وأعظم لنا ..أليس الله أعلم بعباده وأرحم بهم من أنفسهم ..

وقد يرد عنك مصيبة أكبر من هذه؛ فالدعاء يرد القضاء ..

فالله يحبنا ووضع لنا أكثر من صورة للإجابة ..

وهو أرحم بنا من أنفسنا ... فهل يبقى بعد ذلك شك في الإجابة وهل يصح قول الإنسان دعوت دعوت ولم يستجب لي الله ..

أليس هذا سوء ظن بالله ؟!

ثم الله عز وجل قد يعطينا مسألتنا ولكنه يؤخرها لحين .. يؤخرها لحكمة .  يؤخرها لأنه يحب أن يسمع صوتنا في الدعاء والتضرع إليه أكثر وأكثر .. فانتظار الفرج والإجابة فيه أجر وهو عبادة ..

فالله أخّر الإجابة لأنه يريد بنا الخير .. لندع الأمر لله ولنعمل ما علينا ولا نقلق فما عند الله خير وأبقى ..

قال عمر ( إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه لأن هذا وعد الله )

فهذا من مقتضى رحمة الله بعباده ..

فيا أهل البلاء قد أراد الله بكم خيراً .. إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم .. و يا أهل العافية والسعة لا تظنوا أن هذا بالضرورة من علامات محبة الله لكم فأنتم أيضاً في بلاء واختبار من الله ..

فالدنيا ليست دار جزاء .. وإنما هي دار ابتلاء وهي الممر وليست المستقر ..فنحن في ابتلاء على أي حال ..

صاحب الشدة والبأساء والضراء في ابتلاء وصاحب العافية في ابتلاء أيضاً .. وربما صاحب العافية أصعب لأن طبيعة الشدة تقرب الناس إلى الله، وطبيعة السعة والعافية تجعل الناس في غفلة عن شكر الله ..

يوم القيامة يقول الله عز وجل ( يا عبدي استطعمتك فلم تطعمني فقال  كيف أطعمك وأنت رب العالمين فقال استطعمك فلان فلم تطعمه أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي . استسقيتك فلم تسقني فقال يا ربي كيف أسقيك وأنت رب العالمين، فقال استسقاك فلان ولم تسقه أما علمت لو أنك سقيته لوجدت ذلك عندي)صحيح مسلم

(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة)الأنبياء الآية35

وأما الذين ابتلوا بالشدة لو صبروا على ما هم فيه فإن أجرهم لا يعدله شيء..

يقول عليه الصلاة والسلام

(إن أهل العافية يودون يوم القيامة لو قرضت جلودهم بالمقاريض مما يرون من أجر أهل البلاء في الدنيا) معجم الطبراني

فالذي يبتلى ويصبر فأجره عظيم جدااااا

لا يعادله شيء
 


فالابتلاء حكمة وهذا أمره وإرادته فأروا الله منكم خيراً وليرى الله منا تضرعاً، وإنما النصر صبر ساعة؛ والدنيا لا تساوي عند الله شيئاً والموعد الجنة ..
رابط فيديو الخطبة على اليوتيوب
http://youtu.be/jw-G1mNwaJ4

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143