الجمعة 10 شوّال 1445 هـ الموافق 19 أبريل 2024 م
أهمية العلم والعلماء ودورهم في تصحيح المفاهيم
الخميس 19 ذو القعدة 1436 هـ الموافق 3 سبتمبر 2015 م
عدد الزيارات : 8076
أهمية العلم والعلماء ودورهم في تصحيح المفاهيم
عناصر المادة
1-عظيم شرف العلم
2-أمة إقرأ لا تقرأ
3- بالفصل بين الأمة وعلمائها يظهر الغلو
4-خطر فقد العلماء
5- احترام العلماء وخطورة انتقاصهم
6- التأدب مع العلماء
7- وصية ابن رجب الحنبلي لطلاب العلم
أهمية العلم والعلماء ودورهم في تصحيح المفاهيم
 مقدمة:
الاسلام دين النجاة و سر الفلاح . الاسلام لا يكون ولا يقوم إلا بالعلم ولا طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم.فمن سلك طريق العلم بلغ الغاية المنشودة، 
وإن جهاداً لا ينير طريقه العلم وينتقص فيه من العلماء ليس بجهاد تمكين؛ ولهذا كانت فاتحة الوحي وأول كلمة نزلت من الذكر الحكيم، ( إقرأ ) تنبيهاً إلى نعمة وشرف وأهمية العلم في التعرف على عظمة الخالق وإدراك أسرار الخلق.
 
عناصر الخطبة:
1- عظيم شرف العلم.
    - حسنات لاتقف .
    - العاصم زمن الفتن – بعد الله -
2- أمة إقرأ لا تقرأ .
3- بالفصل بين الأمة وعلمائها يظهر الغلو.
4- خطر فقد العلماء.
5- احترام العلماء وخطورة انتقاصهم.
    - إياك أن تحمل التبعة مرتين
6- التأدب مع العلماء.
    - خطأ العالم في بعض المسائل لاينبغي معه القطع بتضليله.
    - يا شباب الأمة.
    - الإساءة إلى العلماء ترفع قدرهم وتحط من قدر طاعنيهم.
    - عمر يضرب رجلاً لاستطالته على عالم.
7- وصية ابن رجب الحنبلي لطلاب العلم.
 
 
1-عظيم شرف العلم
- إن شرف العلم لا يخفى على عاقل, فبالعلم أُكرم الإنسان وبالعلم صار الخليفة , وبالعلم ظهر فضله على الملائكة , فأمروا بالسجود له  سجودتحية وتكريم لا سجود عبادة وتعظيم ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ) (البقرة: 31)
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (البقرة: 34)
-  بالعلم يرتفع شأن العبد في الدنيا والآخرة، ويزداد من الله قرباً ( يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )(المجادلة: 28)
- بالعلم سارت أمم لم يكن لها قيمة إلى قمة المجد فصارت لها اليد الطولى في الأرض, فأمة الاسلام بالإيمان والعلم صارت سيدةً للإنسانية والحضارة الخالدة.
- والعلماء ورثة الأنبياء , وأيّ شرف وقدر وفضل هذا؟!.
- وأعْظِمْ بمنزلة العلماء منزلة هي أشد المنازل خشية لله، ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) (فاطر: 28).
- فالعلم طريق سهلٌ ميسرٌ إلى جنة عرضها السموات والأرض،( من سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ...) (رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني/6297).
- لهذا كله ما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم  بالإستزادة من شيء إلا من العلم  ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) (طه:  114).
- ومن شرف العلم أنه تعالى سمّى نفسه ( العليم ).
فضل العالم على العابد :
 قال صلى الله عليه وسلم ( فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ) (صححه الألباني: 4212)
وفي رواية أخرى (  فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ) (صححه الألباني في صحيح الجامع: 4213)
 
 روي عن ابن عباس ، أنه قال : ( إِإن الشياطين قالوا لإبليس : يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالم ، ما لا تفرح بموت العابد ، والعالم لا تصيب منه ، والعابد تصيب منه ؟ قال : انطلقوا ، فانطلقوا إلى عابد فأتوه في عبادته ، فقالوا : إنا نريد أن نسألك فانصرف ، فقال له إبليس : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ، فقال : لا أدري ، فقال : أترونه كفر في ساعة ، ثم جاءوا إلى عالم في حلقته يضاحك أصحابه ويحدثهم ، فقال : إنا نريد أن نسألك ، فقال : سل ، فقال : هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة ؟ قال : نعم ، قال : وكيف ؟ قال : يقول : كن فيكون ، فقال : أترون ذلك لا يعدو نفسه ، وهذا يفسد علي عالما كثيرا ).
 - من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم.
يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه :( تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد ). 
حسنات لاتقف:
- وكل الكائنات والمخلوقات من إنس وجنّ وحيوان ونبات تستغفر لمعلم الناس الخير ( وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) (رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني:6297).
- وبعد الرحيل عن الدنيا يبقى العلم خير ما يتركه الإنسان  فينمو الأجر ويزداد الثواب عند الله ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ) (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ: 1631)
- بالعلم يتكون الإنسان الصالح الموصول بخالقه  القادر على القيام بواجبات الخلافة في الأرض وإعمارها . فالعلم بعد الإيمان ميزان ازدهار الأمم أو انحطاطها على مرّ العصور . 
والأمة التي تعطّل طلب العلم وترضى بالجهل والأميّة تلقي بنفسها إلى التهلكة والضعف والذّل،
والأمة الأميّة التي كانت تعيّر من اليهود والنصاري بأمّيتها وسميت ( بالأميين ) لأنه لم ينزل عليهم كتاب وكان أكثرهم لا يعرف القراءة والكتابة ، بنزول القرآن صارت أول الأمم وقبلة العالم بعد أن كانت لا قيمة لها ولا شأن .
- العاصم زمن الفتن – بعد الله -
- في هذه الأيام فُتحت أبواب الشهوات أمام المسلمين، وشُرّعت أبواب الشبهات والفتن، فماذا يتلقى المسلمون من العلم في مواجهتها ؟ ماذا يتلقى أبناؤنا في مدارسهم من العلم ؟ 
هل يتلقون ويتعلمون ما يربي الإيمان في النفوس وما يقوي الصلة بالله تعالى؟
 فإذا كانت الأمة جادّة في الإصلاح وإذا كان الدين والعقيدة قضية تعني الأمة فعلا  فيجب توجيه التربية والتعليم في الأمة إلى غرس الإيمان والعقيدة في النفوس . 
 فأي شيء يمكن أن يقدمه متعلم مثقف وقلبه فارغ من الإيمان وخاوٍ من التقوى ؟!
 
2-أمة إقرأ لا تقرأ
ومما يعجب له الإنسان ويذهل فيه الذهن - مع كل ما سبق – حال أمتنا مع العلم , وإليكم هذا الأرقام التي تتحدث عن مفتاح العلوم – القراءة- بيّنت دراسة حديثة أن الإنسان الانكليزي يقرأ في السنة ( 17 ) كتاب، والأمريكي ( 12 )، والعربي ( نصف صفحة وسطياً ).
الدليل : كم كتابا تشتري في السنة ؟
 وهل في بيتك كتاب في التفسير – فقه – سيرة – عقيدة ..؟
لماذا لا نقرأ ونحن أمة إقرأ؟
لماذا نسمع ونشاهد أكثر مما نقرأ ؟
 لماذا نشتري  ما لا يفيد ونعرض عما ينفعنا في دنيانا وأخرتنا ؟
إذا أردنا لأمتنا النهوض لا بد من سلوك طريق العلم , تنهض أمتنا عندما تتخذ من كتاب الله وسنة رسوله دستورها ودليلها، وما تخلفنا  اليوم عن ركب الحضارة إلا لأننا ضيعنا أمانة العلم,  وستظل الأمة تعيش على هامش الحياة ما لم تأخذ بالإيمان والعلم معاً ومن دعائه  صلى الله عليه وسلم خلف كل صلاة  ( اللهم إني أسألك علما نافعا ) فديننا دين العلم والعمل  ودين العقل والتفكير والنظر . 
 
3- بالفصل بين الأمة وعلمائها يظهر الغلو
لبيان فضل الرجوع للعلماء وأثره في الوقاية من الفتن ، وخطر الزهد والوقيعة فيهم نذكر ما حصل للخوارج الذين خرجوا على عليٍّ وقاتلوه، فإنَّهم فهموا النصوصَ الشرعية فهماً خاطئاً مخالفاً لفهم الصحابة ، ولهذا لَمَّا ناظرهم ابن عباس وبيَّن لهم الفهمَ الصحيح للنصوص ، فرجع مَن رجع منهم، وبقي من لم يرجع على ضلاله .وكان مما قال ابن عباس لهم:
 أتيتُكم من عند صحابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، لأبلِّغكم ما يقولون ، فعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بالوحي منكم، وفيهم أنزل، وليس فيكم منهم أحد .
 فكان ردّهم أن قال بعضُهم : لا تخاصموا قريشاً، فإنَّ الله يقول:( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) (رواه الحاكم/2656 ، والبيهقي/16740)
قال ابن عباس: فرجع من القوم ألفان وقُتل سائرُهم على ضلالة . 
ففي هذه القصة أنَّ ألفين من الخوارج رجعوا عن باطلهم؛ للإيضاح والبيان الذي حصل من ابن عباس رضي الله عنه ، وفي ذلك دليلٌ على أنَّ الرجوعَ إلى أهل العلم فيه السلامة من الشرور والفتن، وقد قال الله عزَّ وجلَّ:( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ).
 
 ومِمَّا يدلُّ على أنَّ الرجوع إلى أهل العلم خيرٌ للمسلمين في أمور دينهم ودنياهم ما رواه مسلم في صحيحه عن يزيد الفقير قَالَ : ( كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج ، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج ، ثم نخرج على الناس ، قال: فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم -جالس إلى سارية- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين ، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ، ما هذا الذي تحدثون؟ والله يقول: ( إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ) و ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) ، فما هذا الذي تقولون؟ قال: فقال:أتقرأ القرآن ؟ قلت: نعم ، قال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم؟ (يعني الذي يبعثه الله فيه) قلت: نعم ، قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج ، قال: ثم نعت وضع الصراط وَمَرَّ الناس عليه ، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك ، قال: غير أنه قد زعم أن قومًا يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها ، قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم  قال: فيدخلون نهرًا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس  فرجعنا ، قلنا: ويحكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرجعنا ، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد ) (مسلم:191) . 
فهذا الحديث يدلُّ على أنَّ هذه العصابةَ ابتُليت بالإعجاب برأي الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار، وأنَّهم بلقائهم جابراً وبيانه لهم صاروا إلى ما أرشدهم إليه، وتركوا الباطلَ الذي فهموه، وأنَّهم عدلوا عن الخروج الذي همُّوا به بعد الحجِّ . وهذا مما يبين أعظم البيان الأثر العظيم في أهمية الرجوع للعلماء وأثره في الوقاية من الفتن والغلو والرجوع إلى الحق.
 
إن اللهُ جعل العلماءَ  مرجعَ الأمةِ في السؤالِ وعند وقوع الفتن والمحن ، فقال تعالى: ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ). قال الحسن: الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل (خ تاريخ 4/322). 
وإنما أمر الله تعالى بالرجوع لأهل العلم والفقه أيام الفتن والمحن لأن من أعظمِ مكائد الشيطان لأهل الهوى والغاليين والخوارج أنَّه يُزيِّن لهم اتِّباعَ الهوى وركوبَ رؤوسِهم وسوءَ الفهم في الدِّين، ويُزهِّدهم في الرجوع إلى أهل العلم؛ لئلاَّ يُبصِّروهم ويُرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيِّهم وضلالهم، والله تعالى يقول ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )(ص: 26 )
وقال:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ) (القصص: 50)
 وقال ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ) (فاطر: 8)
 وقال:( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ) (آل عمران: 7)
 وعند مسلم من حديث عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقال: ( إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ) (مسلم: 2665).
 
4-خطر فقد العلماء
لاحظنا في الفترة الأخيرة من هذه الأيام موت كثير من علماء الأمة، فما أن نمسح دموعنا من الحزن على فقد عالم إلا ونسمع خبراً جديداً بفقد آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن موت العالم ثُلْمَةٌ خطيرة في بناء الأمة الإسلامية، ولابد أن تبذل الجهود وتتضافر الهمم على محاولة تعويض بعض ما سُلب من العلم بموت العالم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) (متفق عليه)
وقال الله: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) (الرعد: 41)،
 قال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها و أهل الخير منها.
وكذا قال مجاهد: هو موت العلماء.
 
الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها                    متى يمت علم فيها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما الغيث حل بها                  وإن أبى عاد في أكنافها التلف
 
إن موت العلماء يفتح أبواب الخطر، ويضاعف المسئولية على الأمة في مجموعها، وعلى علمائها وطلاب العلم والدعاة على وجه الخصوص، في التمسكِ بما كان عليه سلفهم من العلماء، والتزود من العلم والتخصص فيه وتعليمه والدعوة إليه.
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم                   على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه                 والجــاهــلون لأهل العلم أعداء
ففــز بعلــم تعــش حياً به أبداً                  الناس موتى وأهل العلم أحيـاء
 
5- احترام العلماء وخطورة انتقاصهم
إذا زهدت الأمة بعلمائها وأهدرتهم للزلات؛ تهاونت بهم العامة، وتضيق بذلك صدور العلماء عن التفاعل مع قضايا الناس واهتماماتهم؛ لذلك كان يوصي الشيخ طاهر الجزائري قبل وفاته : ( عدُّوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم ) استشهد بها الشيخ بكر أبو زيد في رسالته: تصنيف الناس ص 191.
والعالم مهما بلغ من العلم والاتباع لا يخلو من زلة أو هفوة، وينبغي على المنصفين أن يتخذوا موقفين تجاه ذلك:
أ- عدم الانتقاص من منزلة صاحب الزلة بسبب زلته، لأن صوابه كثير وغامر، وزلته غير مقصودة.
ب- عدم اتباعه فيما زلَّ فيه مهما حسنت نيته، وعدم هدر مكانته، ويبين ابن القيم هذا الأصل العظيم -الذي طالما غفل عنه الناس اليوم لا سيما طلاب العلم منهم -  بعد ذكره أن العالم قد يقع منع هفوة أو زلة، قال رحمه الله: ( قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، قلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهدَر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين) (إعلام الموقعين:3/359).
 
ويؤكد هذا المعنى قول ابن تيمية رحمه الله: (ومن جعل كلَّ مجتهد في طاعة، أخطأ في بعض الأمور، مذموماً معيباً ممقوتاً، فهو مخطئٌ ضالٌ مبتدعٌ )الفتاوى 11/15
 
واعلموا عباد الله
أن من منهج أهل الحقِّ إغفال الهفوات لمن غلب خيره، ففي حديث بروك راحلة النبي وهو في طريقه إلى الحديبية، قال الناس: خلأت القصواء، فقال النبي: ( ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) (البخاري: 2731)
 رأى ابن حجر في هذا الحديث معنىً تربوياً فقال: ( جواز الحكم على الشيء بما عُرِفَ من عادته وإن جاز أن يطرأ عليه غيره، فإذا وقع من شخص هفوة لايُعهد منه مثلها، لا يُنسب لها ويردعلى من نسبه إليها ) (فتح الباري: 5/420).
إياك أن تحمل التبعة مرتين:
فالعالم الذي يخطئ يُنبه على خطإه ولا يجرَّمُ به،
يقول الشيخ بكر أبو زيد بعد ذكره لعدم جواز الأخذ بزلة العالم: (  نعم: يُنبه على خطئه ولا يجرَّمُ به، فيُحرَمُ الناس من علمه ودعوته وما يحصل على يديه من الخير،
ومن جرَّم المخطئ في خطئه الصادر عن اجتهاد له فيه مسرحٌ شرعاً، فهو صاحب هوىً يحمل التبعة مرتين: تبعة التحريم، وتبعة حرمان الناس من علمه، بل عليه عدة تباعات معلومة لمن تأملها ) تصنيف الناس بين الظن واليقين ص29/93.
 
6- التأدب مع العلماء
التأدب مع كل أحد فضيلة، ومع العلماء آكد، وحفظ اللسان عن كل مسلم واجب، وعن الأئمة أوجب، فمن بسط لسانه عليهم بالسوء وسلقهم بلسان حديد واستطال عليهم وشنَّع ربما عوقب في العاجل قبل الآجل بأن لا يُكتَب له القبول، وأن يسلط الله عليه من يُقابله بمثل فعله.
في ترجمة الذهبي لابن حزم يتضح هذا المعنى الذي قال فيه: ( وبسط لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة وسبَّ وجدَّع، فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث أنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها ونفروا منها، وأحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء وفتشوها انتقاداً واستفادةً، وأخذاً ومؤاخذةً، ورأوا فيها الدرَّ الثمين ممزوجاً في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون ومرة يعجبون ومن تفرده يهزؤون، وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) (نزهة الفضلاء :1274)
ولله درُّ الذهبي ما أنصفه!
فهو على حبه لابن حزم وإعجابه الكبير به، حزن أن فاته القبول لدى الناس بسبب عباراته الفجة مع الأئمة، ولم يسره أن يهجره الناس ولا أن يبالغوا في سلوك منهجه، فقال: ( فلا نغلوا فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار ..) (نزهة الفضلاء: 1275).
 
خطأ العالم في بعض المسائل لاينبغي معه القطع بتضليله:
يبين الذهبي أسرار محبته لابن حزم الأندلسي رغم بعض أخطاء ابن حزم، فيقول: ( ولي أنا ميلٌ إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير من مما يقول في الرجال والعلل، والمسائل البشعة في الأصول والفروع، وأقطعُ بخطأه في غير ما مسألة، ولكن لا أكفره، ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه ) نزهة الفضلاء/1280
فالذهبي لم يُعرِض عن العالم الجهبذ ابن حزم رغم بعض أخطائه التي ذكرها، بل على العكس كان يحيه ويجله، ويدعو له بالمغفرة والمسامحة على أخطائه.
ما أحوجنا اليوم إلى هذا المنهج مع علمائنا وأئمتنا، لا أن نشطب العالم من قائمة أهل العلم لمجرد خطإ في رأي اجتهادي، أو انتماء إلى مذهب ما،
 فهذا الشافعي رحمه الله كان يقول بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة، ذكر الشوكاني أن عبد الجبار كلما نظر في مذهب الشافعي ورأى هذا الرأي قال: ( هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه ).
فمعاملة العلماء بالأدب هي الأصل، وهذا يقتضي الستر عليهم، والتماس العذر لهم، وعدم التشنيع بالشاذ من فتاواهم، وعدم الغمط لحسناتهم وفضلهم وعدم التنفير منهم ولا تفريق الناس عنهم.
وجرأة الأقدمين في بيان أخطاء العلماء إنما كانت خدمة للسنة، لا سوء أدب مع العلماء.
والعالم المتقن لفنٍ لا يُعابُ إن قصر في غيره، يقول الذهبي رحمه الله : ( وما زال في كل وقت يكون العالم إماماً في فن، مقصراً في فنون..) نزهة الفضلاء/487
 
يا شباب الأمة:
إياكم أن تكونوا ممن يحسنون الهدم أكثر مما يحسنون البناء، ويحسنون النقد لما يجري ولا يحسنون المبادرة بالقيام بالحلول، ويقدرون أن يتلقطوا مواضع الزلل في خطبة أو موعظة أو مقالة ويغفلون عن جبال من الصواب والحسنات.
إن ظاهرة السلق بألسنة حداد كان يتعرض لها المسلمون على أيدي اليهود والمنافقين وأشباههم، والجديد في هذه الظاهرة اليوم أنها من المسلم على إخوانه وعلمائه!!
لقد حلَّت ( سلقوكم بألسنة حداد ) محل  ( رحماء بينهم ) وانقلبت ( أشداء على الكفار ) إلى ( بأسهم بينهم شديد)
وكثيرا ما تجد سبب ذلك : خلافات مذهبية، او أحقاد شخصية ، او حسداً على نعمة، أ, شهوة النقد.
لعلكم على يقين بأن كيداً خفياً يدبر له بوسائل عديدة لترسيخ الفصام وتوسيع الشقة وزيادة الجدر بين جيلي الشباب والعلماء، بين جيل الحماسة والاندفاع والقوة والإقدام، وبين جيل التجربة والعلم والوجاهة والوقار.
الإساءة إلى العلماء ترفع قدرهم وتحط من قدر طاعنيهم:
هذا ما جرى مع الشافعي رحمه الله حين نالته سهام الطاعنين والمفترين. يقول الذهبي: ( وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجباً لارتفاع شأنه وعلو قدره وتلك سنة الله في عباده، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (الأحزاب: 69-70).
 
- عمر يضرب رجلاً لاستطالته على عالم:
 أورد الذهبي واقعة من عصر الصحابة ولم يعلق عليها:
وهي أن ابن مسعود قد رأى رجلا مسبلاً إزاره، فقال له: ارفع إزارك، فقال الرجل: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك، فتلقى ابن مسعود ردَّه بالحلم وأخذ يبين له عذره، فقال: (إن بساقيَّ حموشة، وأنا أؤم الناس) (نزهة الفضلاء: 84/85).
 فلم يستحسن أن يرى الناس حموشة ساقيه وهو أمامهم - مع أنه كان يعمل ذلك ضمن المباح ما بين الكعبين ومنتصف الساق ولعله أقرب إلى الكعبين – فبلغ عمر رد الرجل على ابن مسعود فضربه مؤدباً له وقائلاً:أترد على ابن مسعود؟! مستعظماً أن يساء الأدب مع من شهد له رسول الله بالخير والعلم.
 
7- وصية ابن رجب الحنبلي لطلاب العلم
يقول رحمه الله: ( فرحم الله من أساء الظن بنفسه علما وعملاً وحالاً، وأحسن الظن بمن سلف، وعرف من نفسه نقصاً ومن السلف كمالاً، ولم يهجم على أئمة الدين...
وإن أنت أبيت النصيحة....
وصار شغلك الرد على أئمة المسلمين، والتفتيش عن عيوب أئمة الدين، فإنك لاتزداد بنفسك إلا عجباً، ولا لطلب العلو في الأرض إلا حباً، وعن الحق إلا بعداً، ومن الباطل إلا قرباً. ) (الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة: 52)
 
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143