الخميس 18 رمضان 1445 هـ الموافق 28 مارس 2024 م
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ...
الأربعاء 8 ربيع الأول 1438 هـ الموافق 7 ديسمبر 2016 م
عدد الزيارات : 2793
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ...
عناصر المادة
1- قطب الرحى
2- سفينة المجتمع التي تحميه من الغرق
3- مراتب اﻷمر بالمعروف و النهي عن المنكر
4- آداب اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر
5- واقعنا واﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر
6- صلاح للفرد والمجتمع
مقدمة:
الحمد لله القائل في كتابه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة :71]، فجعل سبحانه أمرَ المؤمنين لبعضهم البعض بالمعروف ونهيهم عن المنكر الصفة اﻷولى لهم في معرض الثناء عليهم، وقدّمها على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة..
1- قطب الرحى
اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر اﻹسلام ومن أكد رسائل حماية الدين وصيانة حرماته، قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، فأوجب أن تتصدى طائفةٌ من اﻷمة لهذا الشأن وإن كان واجباً على كل فرد بحسبه. 
وكما أنه تعالى بيّن أن أساس الخيرية لهذه اﻷمة اﻷمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر واﻹيمان بالله بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. 
ومما يبرز أهميةَ اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدين قولُه صلى الله عليه وسلم:  (أفضلُ الجهاد كلمةُ حقٍ عند سلطان جائر) أبو داوود والترمذي وابن ماجه.
ومما ينبغي للمسلم أن يعلمه: أنه لا يجوز له السكوت عن المنكر بدعوى أنه ليس هو الذي يفعلها، أو يحتج بقول الله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح معنى هذه اﻵية بقوله: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) أبو داوود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
2- سفينة المجتمع التي تحميه من الغرق
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 164-165].
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: "فالمعنى أن صلحاء القوم كانوا فريقين، فريق منهم أيس من نجاح الموعظة وتحقق حلول الوعيد بالقوم، لتوغلهم في المعاصي، وفريق لم ينقطع رجاؤهم من حصول أثر الموعظة بزيادة التكرار، فأنكر الفريق الأول على الفريق الثاني استمرارهم على كلفة الموعظة، واعتذر الفريق الثاني بقولهم معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فالفريق الأول أخذوا بالطرف الراجح الموجب للظن، والفريق الثاني أخذوا بالطرف المرجوح جمعا بينه وبين الراجح لقصد الاحتياط، ليكون لهم عذرا عند الله إن سألهم: لماذا أقلعتم عن الموعظة ؟ ولما عسى أن يحصل من تقوى الموعوظين بزيادة الموعظة، فاستعمال حرف الرجاء في موقعه؛ لأن الرجاء يقال على جنسه بالتشكيك فمنه قوي ومنه ضعيف" التحرير والتنوير. 183:10
فاﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المهمة التي بعث الله بها النبيين، ولو طُوي بساطُه لاضمحلت الديانة، وظهر الفساد، وخربت البلاد، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمداهن فيها، مثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضُهم أسفلها، وأوعرها، وشرّها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا، فاستقينا منه، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً) رواه البخاري
ففي هذا الحديث أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القيام بهذه الشعيرة العظيمة فيه السلامة من العقوبات الدنيوية، والنجاة من الهلاك العام للقائمين بها، وقد قال سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.
وأخبرنا سبحانه تعالى بأن ترك هذه الفريضة موجبٌ للعن على لسان اﻷنبياء بقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقصير في مسألة اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) الترمذي وصححه اﻷلباني.
ثم إن النِّقم لا تحل بالظالمين وحدهم، وإنما تصيب كل من سكت على صنيعهم، وعلى كل من جاورهم، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} [اﻷنفال: 25].
3- مراتب اﻷمر بالمعروف و النهي عن المنكر
أيها المسلمون: روى اﻹمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف اﻹيمان) رواه مسلم
فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التغيير للمنكر يكون بداية باليد وذلك واجب السلطان مع جميع الرعية، وواجب الوالد مع أولاده، وواجب الفرد مع كل من له سلطان عليه. 
أما التغيير باللسان فهو واجب العلماء، وواجب كل من يستطيع أن يغير المنكر بلسانه شريطة أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا يترتب على محاولة تغيير المنكر باللسان منكر أكبر منه. 
ثم إن حصل العجز عن التغيير باليد واللسان فيكون اﻹنكار قلبيا، وذلك بعدم الرضا عن المنكر ومن ثم عدم التعاون مع أصحابه، بل وعدم مجالستهم أو التعامل معهم قدر المستطاع ماداموا مقيمين على هذا المنكر، ﻷن اللعنات تتنزل على أصحاب المعاصي ويخشى على كل من يجالسهم أن يصيبهم مثل ما أصابهم، ومصداق ذلك ما ورد عند بعض أصحاب السنن بما يخص اﻹنكار القلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عملت الخطيئة في اﻷرض، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، وكان من غاب عنها فرضيها كمن شهدها) أبو داوود وحسنه اﻷلباني.
4- آداب اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر
هذا وإن لهذه الفريضة العظيمة آدابا نذكر منها:
أ‌- اﻹئتمار بما يؤمر به والانتهاء عما ينهى عنه: قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
حيث إنه للالتزام الفعلي بالمعروف والانتهاء الفعلي عن المنكر اﻷثر الكبير الذي يتجاوز أثر الدعوة باللسان، فعلى سبيل المثال: إن الطبيب المدخن لن يكون لنصائحه المتكررة للمرضى المدخنين باﻹقلاع عن التدخين أي أثر ماداموا يرون السجائر في يده.
وقد قال شاعر مخاطباً واعظاً لا ينتهي عما ينهى الناسَ عنه:
وصفتَ التُّقى حتى كأنك ذو تقى       وريحُ الخطايا من ثيابك تسطعُ
ب‌- حسن الخلق: قال بعض السلف: "لايأمر بالمعروف إلا رفيق فيما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، عليم فيما يأمر به، عليم فيما ينهى عنه".
ويؤيد هذا قوله تعالى مخاطباً نبييه موسى وهارون حينما أرسلهما لدعوة فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [طه: 44].
وروي أن أبا الدرداء رضي الله عنه مرّ على رجل قد أصاب ذنباً والناس يسبّونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب (أي في بئر) ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، فقالوا: أفلا تبغضه؟ فقال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
وقد روي أن فتى مرّ يجرُّ ثوبه فهمّ أصحاب -صلة بن أشيم- أن يسبّوه فقال صلة: دعوني أكفكم أمره، ثم قال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قال: أحب أن ترفع إزارك، قال: نعم ونعمى عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا كان أفضل مما أردتم، فإنكم لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم.
5- واقعنا واﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أيها اﻷحبة: لا يخفى على أحد ما تعانيه اﻷمة من أزمات وانتكاسات، والتي كان كثير منها سببه الغفلة عن هذه الفريضة العظيمة، ثم إنه وبعد أن حصل ما حصل من تهجير وتشريد لا يزال التقصير في هذا الأمر العظيم من الدين واضحاً وجلياً، وهو أكثر وضوحاً في قضية إنكار المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، لذلك  فعلينا نحن معشر المسلمين أن نعلم أن الجهاد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان هو من الدين بمرتبة عالية لا تقل عن الجهاد بالسنان، بل إن جهاد الكفار بالسنان إن هو إلا جزء من القيام بفريضة اﻷمر بالمعروف اﻷكبر وهو نشر التوحيد، والنهي عن المنكر اﻷكبر وهو الشرك بالله عز وجل والكفر به، وذلك بعد دعوة الكفار للإسلام ورفضهم له أو لدفع الجزية، كما وعلينا ألا تدفعنا كثرة المنكرات التي نراها في كل مكان إلى التوقف عن اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا يقول العلماء: "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وهذا معناه أنك إن رأيت أخي المسلم من يرتكب عشرة منكرات، فإن استطعت أن تخفصها لتسع فافعل.
6- صلاح للفرد والمجتمع
الأمر بالمعروف أمارة إيمان المسلم ودليل حياة قلبه، لذا جعلها الله من أخص صفات المؤمنين، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71]، وهو صمام أمن الحياة وضمان سعادة الفرد والمجتمع، يثبّت معاني الخير والصّلاح في المجتمع، ويزيل عوامل الشّرّ والفساد ويقضي عليها أولاً فأول حتّى يسلم المجتمع وتسعد، ويهيّأ الجوّ الصّالح الّذي تنمو فيه الآداب والفضائل وتختفي فيه المنكرات والرّذائل ويتربّى في ظلّه الضّمير العفيف والوجدان اليقظ.
ويكوّن الرّأي العامّ المسلم الحرّ الّذي يحرس آداب الأمّة وفضائلها وأخلاقها وحقوقها ويجعل لها شخصيّة وسلطانا هو أقوى من القوّة وأنفذ من القانون، ويبعث الإحساس بمعنى الأخوّة والتّكافل والتّعاون على البرّ والتّقوى واهتمام المسلمين بعضهم ببعض، وهو سبب النّجاة في الدّنيا والآخرة.
 
 
1 - أبو داوود والترمذي وابن ماجه.
2 - أبو داوود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
3 - التحرير والتنوير. 183:10
4 - رواه البخاري
5 - الترمذي وصححه اﻷلباني.
6 - رواه مسلم
7 - أبو داوود وحسنه اﻷلباني.
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 113) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 142