الثقة بالله تعالى
الكاتب : أكرم الحميدي
الأربعاء 19 فبراير 2014 م
عدد الزيارات : 11753

الثقة بالله تعالى  

مقدمة :

لمحة عن الواقع السوري الأليم :

كيف يستطيع إنسان في هذه الأيام أن يتجاوز مذابح القيم في شامنا الحبيب , وهو يرى غدر القريب وخذلان البعيد وخيانة الراعي للرعية ,

مقدرات الشعب ومكتسباته توظف لسحقه وإذلاله , وسلاحُه الذي يدفع به غائلة العدو عاد على أوداج الشعب ذبحاً وتقطيعاً,

تُسحق الأمة لمصلحة أفراد ما بالوا بها يوماً , لقد كُشف المستور , وترنحت الشعارات , وتبين أن العدو الذي وراء الحدودأرحم احياناً من العدو الي داخل الحدود.

نساء وأطفال لم يحملوا حتى الحجر, نثرت صواريخ الغدر حجارة منازلهم, وتشظت تحت الركام أجسادهم ؛ ترى الاذرع مبتورة, والأجسام تحت ركام المنازل مقبورة, في صورٍ تنبئ عن مقدار خواء نفوس مرتكبيها من الإنسانية والمُثل ,وتجرُّد أفعالهم من الشيمة والنبل .

جرت دماء الشاميين جريان دجلة والفرات , على عدو يدعي العروبة وحراسة العرب على وجه لا يحتمل العذر ولا تستره المبررات .

 

عناصر الخطبة :

1-    تعريف الثقة بالله .

2-     لا تكون الثقة بالله إلا بمعرفته , فمن هو الله ؟

3-     لا يحصل شيء في الكون حتى يأذن الله .

4-     نماذج من ثقة الأنبياء , والأولياء , بربهم .

5-     العاقبة للمتقين , والنصر لهذا الدين .

1 – تعريف الثقة :
الثقة هى سويداء قلب التسليم , ونقطة دائرة التفويض , وروح التوكل ولبه, ونسبة الثقة إلى التوكل كنسبة الإحسان إلى الإيمان . فلو افترضنا أن التسليم كالقلب فإن الثقة هى سويداء هذا القلب, وأن التفويض دائرة فإن الثقة هى مركز هذه الدائرة.

                                                (مدارج السالكين 2/149-150) بتصرف .

 

2 - لا تكونالثقة بالله إلا بمعرفته , فمن هو الله ؟

لا يمكن لأحد أن يذوق حلاوة الثقة فى الله إلا إذا تعرف على الله بأسماء جلاله وصفات كماله ؛ فلا يتذوق حلاوة الثقة إلا من عرف الله الملك القوى العزيز الحكيم القدير إلى غير ذلك من أسماء جلاله وصفات كماله.

(فعلم العبد بتفردِّ الرب تعالى بالضرِّ والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً , ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً).

ابن القيم رحمه الله (مفتاح دار السعادة2/510)

(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)59الأنعام

(وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)11فاطر

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ( 26 ال عمران

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }يونس61

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }الإسراء16

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }المائدة40

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }فاطر13

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الروم40

عن أبى موسى الأشعرى tقال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حِجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) رواه مسلم

عن عبد الله بن مسعود tأن حبراً من الأحبار قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد إنّا نجدُ مكتوباً عندنا فى التوراة أن الله تعالى يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والشجر على إصبع وسائرُ الخلق على إصبع ثم يهزهن ويقول أنا الملك ، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً منه لقول الحبر ثم قرأ قول الله تعالى(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) 67  الزمر

                                                                                رواه البخاري ومسلم

3     - لا يحصل شيء في الكون حتى يأذن الله .

·     (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (59) الأنعام

 

·     (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيروَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (18) الإنعام

·      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس كلمات ما أروعها لو أخذناها منهج ثقة في الله ( يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فأسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف) حديث صحيح رواه الترمذي

 

·      و قال "......وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (البقرة 253)

·      و الله عز و جل قد أخبر نبيه صلى الله عليه و سلم بأنه القادر على إمضاء القتال أو وقفه "........كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ........" (المائدة 64)

·      "......فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة 52)

4      نماذج من ثقة الأنبياء , والأولياء , بربهم .

·      يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، إنه الله عز و جل

·      والثقة بالله هى التى ملأت قلب يونس وهو فى ظلمات فوقها ظلمات فوقها ظلمات (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (88) الأنبياء 

·      الثقة هى التى ملأت قلب أم موسى عندما خافت على ابنها من فرعون أن يقتله فأمرها الله أن تلقيه فى اليم (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (7) القصص

·      الثقة هى التى ملأت قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما قال صاحبه فى الغار  لو أحد من الشركين نظر تحت قدميه لرآنا (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40)  التوبة

·      الثقة التي ملات قلب نبي الله نوح وهو يصنع سفينة على الرمال , بعيدة عن البحر , ويستهزئ به قومه , فماذا كانت النتيجة ؟!

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ{38} فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ{39} حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ{40} وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{41} وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ{42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ{43} وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{44}) هود38-44

·      الثقة التي ملات قلب هاجر زوجة ابراهيم عليه السلام عندما وضعهما ابراهيم في واد غير ذي زرع .

·      الثقة التي ملأت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحفر الخندق مع صحابته وقد اشتد الجوع والبرد والخوف عليهم حتى انهم كانوا يخافون ان يخرج أحدهم لقضاء حاجته , ومع ذلك يضرب الحجر ضربة ويقول : الله أكبر فتحت فارس , الله اكبر فتحت الروم ...

 

·      الثقة هى التى ملأت قلوب الصحابة حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )(173) ال عمران 

 

5      العاقبة للمتقين , والنصر لهذا الدين .

      : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر(51)]،

      : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ}[الصافات171-172

-        قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران (139)]،

قال الألوسي -رحمه الله- : \"فلا تهنوا ولا تحزنوا -أيها المؤمنون- فإن الإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله - تعالى -، وعدم المبالاة بأعدائه\"[محاسن التأويل(2/416)

 

-       روى البخارى من حديث عدى بن حاتم قال بينما أنا جالسٌ مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ يشكو إليه الفاقة وجاء إليه أخر يشكوا إليه قطع السبيل ( أى قطع الطريق ) فقال الصادق المصدوق لعدى بن حاتم ( يا عدى هل رأيت الحيرة ) وكانت آنذاك تحت ملك كسرى ، فقال عدى لا ولكنّى أُنبئتُ عنها ، فقال صلى الله عليه وسلم ( لأن طالت بك حياة لترين الظعينة –المرأة التى تركب الهودج على ظهر الجمل- ترتحل من الحيرة إلى الكعبة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله ) فقلتُ فى نفسى وأين دُعّار طئ –أى قُطّاع الطريق فى قبيلة طئ وهى قبيلة عدى بن حاتم وكانت مشهورة بقطع الطريق- وإذ به صلى الله عليه وسلم يقول( ولإن طالت بك حياة لتُفتحن كنوز كسرى ) يقول عدى قلت يا رسول الله كسرى بن هرمز ، قال صلى الله عليه وسلم ( كسرى بن هرمز ) قال ( ولإن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملئ كفه ذهبا لا يجدُ من يقبله منه ) يقول عدى راوى الحديث :فوالله لقد رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف ببيت الله لا تخاف أحدا إلا الله وكُنت فيمن افتتح كنوز كسرى ولإن طالت بكم حياة لترون ما قال لكم أبا القاسم ( يقصد الرجل يملأ كفه ذهباً فلا يجد من يقبله)

 

-       يقول ابن كثير في تاريخه واصفاً حال المسلمين يوم أن نزل بهم التتار :

   قال -رحمه الله:-
 "ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرِّجال والنِّساء والولدان والمشايخ والكهول والشُّبان ودخل كثيرٌ من النَّاس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، ومكثوا كذلك أيامًا لا يظهرون، وكان الجماعة من النَّاس يجتمعون إلى الخانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التَّتار إمَّا بالكسر وإمَّا بالنَّار، فيهرب النَّاس إلى السُّطوح، فيقتلونهم هناك حتَّى جرت الميازيب بالدِّماء في الأزقة!!
وقتل خلال الأربعين يومًا ألف ألف وثمانمائة ألف!! فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون (قد يستغرب عدد القتلى، ولكنِّي راجعت ثمانية مراجع تاريخيَّة، كلُّها ذكرت الرَّقم نفسه: مليون وثمانمائة ألف).. وكان الرَّجل يستدعى فيخرج بأولاده ونسائه فيساقون إلى المقبرة ثمَّ يذبحون ذبح الشِّياه، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه..
ولما انقضت الأربعون خرج التَّتار من بغداد، وبقيت خاوية على عروشها، القتلى في الطُّرقات كالتَّلال، وسقط عليهم المطر فأنتوا، وتغير الهواء، ووقع بسبب ذلك وباء مات بسببه خلق في الشَّام من سريان الهواء الفاسد إليهم!!
أمَّا من كان مختبئًا في المقابر والمطامير، فخرجوا بعد الأربعين يومًا كأنَّهم موتى نشروا من قبورهم.. قد أنكر بعضهم بعضًا.. لا يعرف الوالد ولده.. ولا الأخ أخاه.. فلم يلبثوا أن أصابهم الوباء فتصرعوا، ولحقوا بمن مضى، واجتمعوا تحت الثَّرى، بأمر الَّذي يعلم السِّر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" ا. هـ (ج 215/13 بتصرف).

وبعد هذه المحنة العظيمة، كشف الله -تعالى- الكربة، ورفع البلاء، وراجع المسلمون دينهم، وعاد لهم عزّهم ومجدهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].
ووقوع ذلك البلاء عليهم، بل ووقوع غيره قبله وبعده إلى زماننا هذا، لايعني أنَّ الله -تعالى- يبغض المسلمين، أو يفضل عليهم الكافرين، ولكن {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرَّعد: 11].

أشعار تفيد الخطبة :

يا صاحب الهم إن الهم منفرج      **    أبشر بخير فإن الفارج اللـــــــــــه

وإذا بليت فثق بالله وارض به     **    إن الذي يكشف البلوى هو الله

الله يجعل بعد العسر ميــــسرة      **    لا تجزعن فإن الله الخالق اللـــــه

والله ما لك غير الله من أحد      **   فحسبك الله في كلٍّ لك اللــــــــه

 

لا تيئسوا ليل الشقاء سينجلي   **   والفجر سوف يزف صوت البلبل

وستحمل الدنيا مشاعل نصرنا   **   بأكــــــــفها وتدك كـــل مُضلّــــــــِلِ

 

 


http://shamkhotaba.org