من أين ننطلق في التغيير المنبري
الكاتب : محمد أمين النجار
الجمعة 5 أبريل 2019 م
عدد الزيارات : 1212

الباحث: محمد أمين النجار من ريف حمص الشمالي، استشهد عام 2015 على يد تنظيم داعش، وهذا المقال جزء من بحث له حائز على المركز الثالث في المسابقة السنوية لدراسات المنبر التي أقامتها رابطة خطباء الشام عام 2014

مقدمة:

لا نظن أن أحداً يخالف في أن الضعف الفكري الذي تعيشه أمة الإسلام كان ولا يزال أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار المسلمين وتخلفهم حضارة ودولة وقوة مؤثرة في الأرض، وبالتالي فلن نجد أحداً يخالف في أن تصحيح الفكر هو طريق نافع لإعادة المسلمين إلى ما كانوا عليه في عصورهم الزاهرة.

ولا شك أن التغيير في الواقع يكون منطلقاً من توصيف موضوعي للواقع الملموس، توصيفٌ يستند إلى الشرع لمواجهة هذا الواقع بعيداً عن مستند الأهواء وميل الأوهام.

فواقع اليوم كما الأمس يقدم لنا شواهد عديدة على أن سلوك الأمم ما هو إلا ترجمة عملية وصورة تطبيقية لما يؤمنون به من أفكار، فمادامت الأفكار صحيحة سليمة فإن الأمة التي تدور حول تلك الأفكار ستكون معافاة من كل شر، أما إذا كانت الأفكار موبوءة سقيمة، فإن الأمة ستكون مفعمة بالشرور مثقلة بالأمراض.

وقد أطنبنا في التوضيح بدور المنبر في التغيير قدرته على ترسيخ سليم الأفكار بل والترويج لها وتنميتها، في الوقت الذي يعدل من مزاج ما قبح منها أو يغيره ويثور عليه، وعليه فإننا لن نجد غضاض عندما نقول إن التغيير الحقيقي يبدأ أول ما يبدأ من المنبر.

إن عملية التغيير ينبغي إن تكون بعد معرفة كاملة بمكمن الخطأ، وإدراك تام لما يجب أن تكون عليه النتيجة، والطريق الذي يبدأ منه تغيير هذا الخطأ، وصولاً إلى تلك النتيجة، وهذا يحتاج إلى فهم كامل بالأصول والفروع وعلم متبحر في طريقة الوصول، وهذا لا يكون إلا بتهيئة القادر على قيادة ركب التغيير، وتحميله بطرائق التغيير وأساليب العرض ووسائل التعليم وسبل الإرشاد، وتزيده بضرورة الصبر على الطريق والتحمل لأعباء المسير ومراعاة لأحوال العباد، وقبل كل هذا تعليماً له لطريقة استجماع الأدوات التي تمكنه من ملكة التفريق والتمييز للصواب من الخطأ وللخطأ من الصواب.

ولا شك أن عملية التغيير ينبغي أن لا تنطلق إلا بعد تحديد ومعرفة الخطوات المطلوبة لعملية التغيير، وهذا يحتاج لدراسة متأنية من أرباب المنابر مشتركين مجتمعين أو متفرقين، فالقضايا المعقدة تحتاج إلى ترتيب من ناحية الأولوية في العلاج، وتفصيلٍ في خطوات الحركة، وهندسة لمراحل البناء، وكل ذلك يختلف من مجتمع لآخر رغم الاتفاق في أصول كل هذا.

يقول محمد عبد العزيز الخولي: "خير الخطب ما كان مصدره نفس الخطيب وشعوره وإحساسه لا نفس غيره ممن مضت بهم القرون، وكانوا في عالم غير عالمنا، ولهم أحوال تخالف حالنا، فمن أراد العظة البالغة والقولة النافذة، فليرم ببصره إلى المنكرات الشائعة، والحوادث الحاضرة، خصوصاً ما كان منها قريب العهد لا تزال ذكراه قائمة في صدور الناس وحديثه دائراً على ألسنتهم، أو ذائعاً في صحفهم، وأثره مشاهداً بينهم، ثم يتخير من هذا الحوادث ما يجعله محور خطابته ومدار عظته، ثم ينظر ما ورد من الآيات والأحاديث الصحيحة في الموضوع الذي تخيره ويجيد فهمها ويفكر في الأضرار المالية والصحية والخلقية والاجتماعية التي قد تنشأ عن هذه الجريمة التي جعلها موضع عظته، ويحصي هذه الأضرار في نفسه أو بقلمه، ثم يبدأ في كتابة الخطبة إن أراد كتابتها، مُضَمِّنَها آثار تلك الجريمة وما ورد عن الشارع فيها، صائغاً ذلك في قالب خطابي جذاب أخاذ يناسب أفهام السامعين ولغة الحاضرين". مجلة المنار ص: (29/336) مقال كيف يتكون المرشدون/ لمحمد عبد العزيز الخولي/ عدد ربيع الأول (1347) هـ/ سبتمبر (1928) م/ أسس مجلة المنار الشيخ محمد رشيد بن علي رضا ت: (1354)هـ/ مصر - القاهرة

ولعل المشكلة الأساسية أننا نجد إهمالاً مقصوداً أو غير مقصود بهذا الجانب، فلا يكاد موضوع إعداد الخطباء يشغل حيزاً يستحق الذكر من برامج المراكز التعليمية الشرعية والإعلامية.

إن الشرع هو دواء العلل وشفاء السقم، لذا فكل ما خالف الشرع فهو العلة التي ينغي أن يراعي الخطيب علاجها، كما أن تكييف الحكم الشرعي للواقع هو أولوية، وهذا ينطلق من خلال إدراك درجات الخطر للمشكلة من أجل تحديد أولويات العلاج.

إن بدايتنا نحو التغيير يجب أن تكون مبنية على وسائل تقويم النجاح والفشل، عبر مراقبة مقدار زيادة فاعلية المجتمع وتغزير حيويته، والإخفاق هو نقيض ذلك، وهذا لن يتحصل إلا بترسيخ أفكار عامة جامعة لا يختلف عليها الناس، ولا يفترق في الإيمان بها أحد، والتي من أولها الإيمان بوحدة المرجعية التشريعية، ووحدة الثقافة الإسلامية ووحدة الآمال والتطلعات، ووحدة التاريخ المشترك، واتفاق القيم الأخلاقية والمثل الاجتماعية، ووحدة اللغة.

وبالتالي نكون قد قطعنا شوطاً غير قصير في القضاء على التصرفات العنيفة التي تصدر عن بعض فئات المجتمع المسلم كنتيجة حتمية لفقدان الارتباط بالأمة وبإحساس الانتماء إليها.


http://shamkhotaba.org