منزلة الخطابة عند الأمم وأنواعها
الكاتب : حسن محمد الجاسم
الخميس 25 أبريل 2019 م
عدد الزيارات : 2077
نشأة الخطابة:
منذ اجتمع الناس في مكان واحد واستوطنوه وتفاهموا بلسان واحد عرفوا الخطابة، لم يخلُ منها سجلُّ أمةٍ في التاريخ، فقد حفظها خطُّ آشور المسماري، وقيّدها خطُّ الفراعنة (الهيروغليفي)، ثم رواها تاريخُ اليونان السياسيُّ منذ القرن السابع قبل الميلاد؛ وبالخطابة أَخضَعَ بوذا الجموعَ الهندسيةَ، وبها أنبياءُ بني اسرائيلَ أذاعوا الدينَ.
ولها مكانٌ عظيمٌ عند العرب قبل الإسلام، لاسيما في أسواقهم الأدبية؛ فالخطيبُ عندهم هو اللسانُ المعبِّرُ عن مقاصدهم.
مجالات الخطابة عند العرب في الجاهلية:
خطب الوفود والمناسبات: وهي تُلقى في مجالس الأمراء والملوك للتهنئة أو المفُاخرة؛ ومن أشهر خطباء الوفود: أكثمُ بنُ صيفي، وحاجبُ بن زرارة، وعمرو بن معد يكرب الزبيدي.
خطب القتال والثأر: وأشهرُ خطباء هذا المجال: هانئ بن قبُيصة الشيباني، وله خطبةٌ مشهورةٌ حثَّ فيها قومَهُ على قتال الفرس يوم ذي قار، وقال فيها: 
"يا معشر بكر: هالكٌ معذورٌ خيرٌ مِن ناجٍ فرورٍ؛ إنّ الحذرَ لا يُنجي من القدرِ، وإنّ الصبرَ من أسباب الظفر؛ المنيةُ ولا الدنية، استقبالُ الموتِ خيرٌ من استدبارِهِ، الطعنُ في ثغرِ النحور أكرمُ منه في الأعجاز والظهورِ، يا آل بكرٍ قاتلوا فما للمنايا من بدٍّ".
خطب الإرشاد والإصلاح: وأشهرهم في هذا المجال: قسُّ بن ساعدة الإيادي، الذي خطَبَ خطبةَ مشهورةً في سوق عكاظ:
"يا أيها الناسُ أسمعوا وعوا؛ مَن عاشَ ماتَ، ومَن ماتَ فاتَ؛ وكلُّ ما هو آتٍ آتٍ"، إلى آخر الخطبة.
خطب الزواج: كالخطبة التي ألقاها أبو طالب في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجةَ:
"الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرعِ إسماعيل، وضئضئ معدٍ، وعنصرِ مضرَ"، إلى آخر الخطبة.
الخطابة في الإسلام:
اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بها، كيف لا وهي التي ستوصل الرسالةَ إلى الناس بإذن الله.
وقد نوه القرآن الكريم إلى صلة الرسالة بالخطابة والبيان فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
قال الله تعالى على لسان موسى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34].
الخطابةُ لها أثرٌ كبيرٌ في الدفاع عن الإسلام، كحثِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقاتلين في غزوة بدر، قام فخطَبَهم خطبتَهَ المشهورة: (إنّ الرائدَ لا يكذب أهله..)
الخطابةُ تشمل مجالات الحياة: (القتال – السلم - الأعياد – الجمعة – الأمر – النهي – التوجيه – البيان...)
وهكذا كانت في عهد الخلفاء والفتوحات الإسلامية، وبقيت أواخر العهد العباسي موضعَ عنايةٍ واهتمامٍ، ثم بعدها أصيبتْ بالانحطاط، وأُهملت الخطابة فأصبحت متكررةً ضعيفةً، ماتت فيها القدرة الإنسانية.
من الواجب علينا الآن الاهتمامُ بها وبمن يصعدون المنبرَ، وتأهيلُهم تأهيلاً حقيقياً لهذه المهمة العظيمة.
نستطيع أن نجعل مجالات الخطابة في الإسلام إلى ما يلي:
الخطابة الدينية: كالجمعة والعيدين والخسوف والكسوف الزواج.
خطب الجهاد في سبيل الله: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر وقبل أحد، وكما كان يفعل الخلفاء والولاة قواد الجيوش، فيذكّرون المقاتلين بحق الله عليهم وبالشهادة وبالجنة التي تنتظرهم.
خطب الوعظ والإرشاد: هذا لونٌ من ألوان الخطابة، فيه ما يُريقُ القلوبَ، ويُسيل الدموعَ، ويدعو إلى العمل الصالح للتأهب إلى دار القرار.
 

http://shamkhotaba.org