ثورة الكرامة.. لن تتوانى
مقدمة:
يظنّ المرجفون والمثبّطون أنّ ما ينزل بنا من أهوال ومدلهمّات، وما يُحاك علينا من مؤامراتٍ وخيانات؛ أنّ ذلك سيُضعف عزيمتنا ويكسر قوّتنا ويحني ظهورنا، وما علموا أنّنا أمّةٌ لا تعرف الخضوع إلّا لله، ولا تحني الجبهات إلّا لله، ولا تنتصر إلّا بالله، وما علموا أنّنا أمّةٌ متمسّكةٌ بنداء ربّها: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
وأنّها أمّةٌ تردّد بلسان حال المجاهدين على الجبهات:
أنا لا أقيـل وأســتقيل أقـــول ما قـال الأســودُ
أنا مــن كنانـة سـيد الثّقليـن صــاروخٌ جــديــدُ
وعلى الزّناد أصــابعي فإذا انطلقــتُ فلا أعـودُ
لا ينقصُ الأجل المسمّى في الكتاب ولا يحيدُ
أنا من بني الإسـلام إنّ عـزّ النّصيـرُ فلا أحيــدُ
فحيّا الله المجاهدين على الجبهات، الّذين يذودون عن الدّين والعِرض، ويصدّون الهجمات.
1- طريق التّمكين يحتاج إلى الصّادقين
إنّه لطريقٌ طويلٌ شاقٌّ حافلٌ بالعقبات والأشواك، محفوفٌ بالفتن والأذى والابتلاء، مفروشٌ بالدّماء والأشلاء، يدوّي في جنباته عويلُ المجرمين من الكفّار والمشركين والمنافقين.
ودربُ الصّاعدين كما علمتُم به الأشواك تكثُرُ لا الورودُ
ومع ذلك فنهايةُ الطريقِ وإنْ طال تتألّق كالأمل، وتضيء كالشّمس، وتشرقُ كالفجر، إمّا عزةٌ وشهادةٌ، وإما جنةٌ وسعادةٌ، ذلكم هو طريقُ نوحٍ وإبراهيمَ ويوسفَ وموسى وعيسى ومحمّدٍ صلوات الله وسلامه عليهم، وطريقُ مَن تبعهم مِن المخلصين الموحّدين.
يا دمعةً مِن عينِ أحمدَ أشرقَتْ أوَ يشتكي بالدّمعة الخرساءِ
جــارَ اللئـامُ وعـذّبـــوا أصحابــَهُ واللهُ ممتحِـــنٌ بكــل بــلاء
تبّتْ يداك أبا الجهالة لن تـــرى عزماً يخـورُ لصفعة الجبنـاء
أبِطــاحَ مكــةَ هل ذكـرتِ بلالنا؟ أوّاهُ ما أوفاكِ مـن بطحـــاء
ضَجَّتْ رمالُ البيــدِ وازداد الأذى ما ذلَّ إيمانٌ على الرمضـاء
ولقد يلينُ الصخرُ بعـد صلابــــةٍ ويجـودُ تحنـاناً بوفــرِ عطـاء
ولو كان الطّريق سهلاً ليّناً مفروشاً بالزّهور والورود والرّياحين، خالياً من العقبات والأشواك والصّخور، آمناً من عويل المجرمين؛ لسَهُلَ على كلِّ إنسانٍ أن يكون صاحبَ رسالةٍ، ولاختلطَتْ فيها الدّعوةُ الّتي تسير على طريق الحقّ مع دعوات الباطل.
أيّها المسلمون: في وقتٍ تُشنُّ فيه حملةٌ شرسةٌ هوجاء على الإسلام؛ يبزُغُ في الأفق نورُ دماءِ هذه الثّلة المباركة، هذه الكوكبةُ الّتي تنضمّ إلى ركب الشّهداء ممن انتهجوا طريق الأنبياء والصّحابة والدّعاة والعلماء، يقول الله عز وجل: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصّفّ: 8-9].
2- وحدّوا صفّكم وأجمعوا أمركم
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 – 46].
أكثر البلاء في الأمّة سببه التّنازع والتّناحر والتّفرّق، ونزغِ الشّيطانِ بينهم.
يقول جلّ وعلا لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62 – 63].
يأتي هذا مؤكّداً لمبدأ: أنّ النّصر إنّما يكون مع وحدة الصّفّ واتّفاق الكلمة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ).
وهذا ثابتٌ في السّنن والقوانين الكونيّة قبل السّنن الشّرعيّة، فلا يمكنك أن تنتصر على عدوٍّ مهما كانت قوّتك، إن كنت تعاني من تمزقِ صفّك الدّاخلي.
إنّنا اليومَ أمام اختبارٍ عظيمٍ وتمحيصٍ كبيرٍ، حيث يجتمع العدوّ من أقاصي الدّنيا، وتلتقي مصالحه على التّآمر على شعبنا وبلدنا، إمّا أن نصمد ونجتمع على كلمةٍ واحدةٍ، وإلّا فلننتظر الذّلّ والعار والخيبة والهزيمة.
التّاريخ مليءٌ بالعبر، وأعظمُها ما كان من أمر نبيّكم وقدوتكم صلى الله عليه وسلم يوم أحد، كيف لاح النّصرُ على بارقة سيوفهم، ولم يعد يشكُّ في ثمرة النّصر أحدٌ منهم، فانفردوا عن أمر نبيّهم في الثّبات على الجبل، فتحوّل النّصرُ في لحظاتٍ إلى هزيمةٍ ومقتلةٍ.
هذا وهم خيرُ الّناسِ يومئذٍ على وجه الأرض، بل وقائدُهم هو خيرُ ولدِ آدمَ، لكنْ حصل هذا الّذي علمتم.
واللهِ إنّه درسٌ بليغٌ عظيمٌ إلى قيام السّاعة، فهل نعتبر من هذا وأنتم اليوم قد اجتمع على تخومكم جيوشُ الإجرامِ، تسانده قوى الشّرّ العالميّة، فماذا أنتم فاعلون؟!
كونوا كلمةً واحدةً، وقيادةً واحدةً، ارجعوا إلى النّاس والتحموا معهم، وانصروا ضعيفهم، فستنصرون برحمتكم بهم، وثباتكم.
لقد كان أولَ ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة لإقامة الدّولة، أن آخى بين المهاجرين والأنصار؛ لأنّ المسلمين بجماعتهم مسؤولون عن حماية الحقّ ودرء الفتنة وإقامة المثل والأخلاق، متكاتفون يدلّون على الخير، ويحاربون السّوء.
أصلٌ عظيمٌ يجب أن يضعه كلّ قائدٍ وكلّ فردٍ نصب عينيه، يجب أن نكون يدًا واحدةً، كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
ولا تغرَّنَّكم حشودُ البغي والشّرّ، رصّوا صفّكم، وأجمعوا أمركم، واطردوا الهوان والأهواء الشّخصيّة والمكاسب المزعومة، تحققّوا بوصف ربّكم لعباده الثبتين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173- 175].
3- الواجب اليوم
الواجب اليوم: أن تلملموا جراحكم وتواصلوا طريق الكرامة الّذي سلكه شهداؤكم، فدماؤهم هي العهد الّذي بينهم وبينكم ألّا تفرّطوا ولا تهنوا.
الواجب اليوم: أن نكون أكثر يقيناً بما عند الله، وأنّ الله ناصر الحقّ على الباطل، وأنّ الباطل له جولةٌ، والحقّ له جولاتٌ، والمؤمنون هم الكرّارون وليسوا بالفرّارين، {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} [الأعراف: 128].
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ} [الصّافّات: 171-172].
{كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21].
وفي الحديث: (أَنَّ الحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ).
هذه السنَّة يجب أن يتعقَّلَها المسلمون، لأنّ ضعاف العقول يتعلَّقون بالظّاهر الحاضر دون وعيٍ لمصير تلك المظّاهر، ودون وعيٍ لمآلاتها أخيراً.
الواجب اليوم: أن توطّنوا أنفسكم أكثر من أيّ وقت مضى على مبادئ الحقّ، أن تكون أكثر انصياعاً للحقّ، وفزعةً للمنكسر والمحتاج، ونصرةً للمستضعَفِ، لأنّ حربَكم هذه حربُ مبادئ وليست حربَ استردادِ أراضٍ ومناطقَ فحسب.
الواجب اليوم: أن تزرعوا قيمَ البذل والفداء ومبادئ الكرامة والعزّة في نفوس أبنائكم، هذه هي الأمانة العظيمة؛ أن تربّوا أبناءكم على مبادئ الحقّ، ليكملوا المشوار.
الواجب اليوم: أن ترصّوا صفوفكم أكثر، وأن تعرفوا المندسَّ المنتفِعَ من الثّابت على الحقّ، أن تعرفوا الدّخيل من الأصيل، واليومَ مع قسوة المشهد فقد انكشفت أقنعةٌ كثيرةٌ بفضل الله.
الواجب اليوم: ألّا نجعل لهذه الهزيمة مكاناً في قلوبنا ونفوسنا، وعلينا أن نجدّد الثّقة بربّنا، فنتيقّن أنّه ناصر دينه ومعزّ أوليائه ولو كره الكافرون، لأنّ الباطل لا يمكن أن ينتصر على الحقّ أبداً، ومن ظنّ غير ذلك فقد أساء الظّنّ بربّه.
خاتمةٌ:
إنّ الباطل مهما علا ولجلج فإنّه زاهقٌ، والحقَّ مهما ضَعُفَ فإنّه منتصرٌ، لأنّ الله من وراء الحقّ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30].
ودولةُ الباطلِ ساعةٌ، ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ السّاعة؛ لذلك قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196– 197].
فالمؤمنون مهما رأوا من تَحَشُّدِ الأعداءِ ضدَّهم لا يزيدهم ذلك إلّا إيماناً وثباتاً، كما قال الله جلّ في علاه: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران 173].
فرجعوا منتصرينَ غالبينَ غانمينَ، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران 174].
http://shamkhotaba.org