البركة! كيف نعيشها؟ ولماذا نفتقدها؟
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 18 سبتمبر 2019 م
عدد الزيارات : 4608
مقدمة:
أمرٌ جليلٌ افتقدناه في أموالنا، ولم نعد نجده في بيوتنا، وكأنّه ارتفع من بيننا ونحن بأمسَّ الحاجة إليه، ولا نستطيع الاستغناء عنه، وإنّ من أوجب الواجبات الحرص على وجوده، فبدونه يكون الشّقاء والوبال، وتكثر الشّكاوى والأنين، وإنّه لأمرٌ خصّ الله به المسلمين دون غيرهم، وجعله جنداً من جنوده الأخفياء، ولكَم حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليه، إنّه يتعلّق تارةً بالأشخاص، وتارةً بالأمكنة، وتارةً بالأزمان، أتدرون ما هو يا عباد الله؟ إنّه البركة.
1- ما معنى البركة؟ ومن أين مصدرها؟ وفيم تكون؟
قال الرّاغب الأصفهانيّ: "والبَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: {لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وسمّي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة.
والمُبَارَك: ما فيه ذلك الخير، على ذلك: {وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ} [الأنبياء: 50] تنبيهاً على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهيّة، وقال: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ} [الأنعام: 155]، وقوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبارَكاً} [مريم: 31] أي: موضع الخيرات الإلهيّة، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} [الدّخان: 3]، {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً} [المؤمنون: 29] أي: حيث يوجد الخير الإلهيّ". المفردات في غريب القرآن، ص119
وقال ابن القيّم رحمه الله: "وَالْبركَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة، والتبريك الدُّعَاء بذلك، وَيُقَال باركه الله وَبَارك فِيهِ وَبَارك عَلَيْهِ وَبَارك لَهُ". جلاء الأفهام، ص302
وممّا ينبغي التّسليم به بدايةً هو: أنّ البركة ملكٌ لله تعالى، شأنها شأن الرّزق والهداية ونحو ذلك، يعطيها لمن يشاء، ويسلبها عمّن يشاء، وكلّ ذلك وفق حكمته وتدبيره، فلا تطلب البركة إلّا من الله تعالى وحده، ويدلّ على هذا قوله عز وجل: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} [هود: 48].
وفي الحديث: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (...وَالبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ). صحيح البخاريّ: 3579
وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ الإيجاد للبركة يكون من الله تعالى وحده، وهذا لا يمنع من الأخذ بالأسباب الّتي تُستجلَب بها البركة، والابتعاد عن أسباب محقها، كما أنّ الرّزق من الله تعالى وحده، ويطلب من العبد الأخذ بالأسباب الّتي يُستجلَب بها الرّزق.
وإنّ ممّا ينبغي أن يُعلم: أنّ البركة قد تكون في الأزمنة أو في الأمكنة أو في الأشخاص، فالله تعالى قد يبارك في بعض الأمكنة ويجعلها مباركةً؛ فبارك في المسجد الأقصى وما حوله، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]. 
وبارك سبحانه في أرض الشّام، فقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].
قال الألوسيّ: "والمراد بهذه الأرض أرض الشّام". تفسير الألوسيّ، ج9، ص68
وبارك سبحانه بعض الأزمنة فجعلها مباركةً؛ كليْلَةِ القدر، فقال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدّخان: 3]. 
وبارك سبحانه في بعض البشر كالأنبياء والمرسلين والصّالحين، قال تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ} [هود: 48].
وقال عن عيسى عليه السّلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31]، وكلّ مؤمنٍ فيه من البركة بقدر إيمانه.
2- كيف تُستجلَب البركةُ
النّعم مع كثرتها لا تحقّق سعادةً ولا طمأنينةً، ولا تحلُّ خلافاً ولا تجلب أمناً إذا فُقدت البركة، وكلّ شيءٍ ليس لله فبركته منزوعةٌ، لأنّ البركة كلّها منه تعالى، والله تعالى برحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات، وقد جعل للبركة وسائل وأسباباً كثيرةً؛ إن أخذ النّاس بها بورك لهم في أرزاقهم وفي كلّ شيءٍ، كما جعل للمحق أسباباً إن أتاها النّاس مُحقت بركتهم.
فعلى المسلم أن يطلب البركة من الله تعالى، وأن يأخذ بالأسباب الّتي تُستجلبُ بها البركة عليه وعلى أهله، وبيته وعمله ووقته ورزقه، ولعلّ من أهمّها:
برّ الوالدين وصلة الرّحم: إنّهما لمن أعظم الأسباب الّتي تُستجلبُ بهما البركة في العمر والمال والأهل والرّزق، فالبرّ من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها، ثمّ إن الصّلة متصلة بالله عز وجل، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله، ومن أراد أن يبارك له في عمره ورزقه فليصل رحمه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). صحيح البخاريّ: 2067
قراءة القرآن والعمل به: قال الله تعالى عن القرآن: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155].
قال الألوسيّ: "وقوله سبحانه: مُبارَكٌ أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدّارين وعلوم الأوّلين والآخرين صفةً بعد صفةٍ". تفسير الألوسيّ، ج4، ص209
عن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (...اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ). صحيح مسلم: 804
السّلام على الأهل: قال سبحانه: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النّور: 61].
وقوله تعالى: {مباركةً} لاشتمالها على السّلامة من النّقص، وحصول الرّحمة والبركة والنّماء والزّيادة، {طيّبةً} لأنّها من الكلم الطيّب المحبوب عند الله تعالى؛ الّذي فيه طيب نفسٍ للمحيّا، ومحبّةٌ وجلب مودّةٍ، وإنّما كانت هذه التّحيّة مباركةً لما فيها من نيّة المسالمة وحسن اللّقاء والمخالطة، وذلك يوفّر خير الأخوّة الإسلاميّة، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ). سنن التّرمذيّ: 2698، وهو حديثٌ حسنٌ غريبٌ
التّبكير في طلب الرّزق: كان عُمَارَةَ بْنَ حَدِيدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً بَعَثَهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا كَانَ يُرْسِلُ غِلْمَانَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَضَعُهُ. سنن أبي داوود: 1342
قال ابن حجر: "وَإِنَّمَا خَصَّ الْبُكُورَ بِالْبَرَكَةِ لِكَوْنِهِ وَقْتَ النَّشَاطِ". فتح الباري، ج6، ص114
الدّعاء واللّجوء إلى الله: فإنّه أهمّ أسباب البركة، فقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو للمتزوّجين بالبركة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ). سنن التّرمذيّ: 2130
ويدعو لأصحابه بالبركة، فقد دعا لعروة البارقيّ رضي الله عنه بالبركة في بيعه: عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ رضي الله عنه قَالَ: "أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَّةً، أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ كَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ". سنن أبي داوود: 3384
ودعا لأنس بن مالكٍ رضي الله عنه: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ). صحيح البخاريّ: 6378
قَالَ أَنَسٌ: "فَأَخْبَرَتْنِي ابْنَتِي أَنِّي قَدْ دَفَنْتُ مِنْ صُلْبِي بِضْعًا وَتِسْعِينَ، وَمَا أَصْبَحَ فِي الْأَنْصَارِ رَجُلٌ أَكْثَرَ مِنِّي مَالًا". مسند الإمام أحمد: 13594
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة في العطاء، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ). سنن التّرمذيّ: 464
ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء لرأينا أمثلةً كثيرةً لحضور البركة، ووجودها في عهد أصحابه رضي الله عنهم، وعهود من بعدهم، إلى زمنٍ ليس عنّا ببعيدٍ، فقريباً كانت البركة موجودةً، ويشهد عليها آباؤنا وأجدادنا، فها هو سيّدنا عثمان رضي الله عنه يجهّز جيشاً كاملاً من ماله الخاصّ، فيبارك الله له في ماله، فقد روي أنّه قد بلغت ثمرة نخله مائتي ألفٍ أو تزيد، حيث بارك الله له إنفاقه في سبيله، فانظروا كيف تكون البركة.
ولكنّ السّؤال الّذي يطرح نفسه: ما الّذي حدث؟ ولماذا زالت البركة من كلّ شيءٍ عندنا؟ فقبل أيّام تابعت الّليرة السّوريّة انهيارها كما تعلمون، ووصلت في السّوق السّوداء إلى حدود 700 ليرة سوريّة مقابل الدّولار الأمريكيّ، ووقف الكلّ ليتساءل متعجّباً متحيّراً، ما السّبب؟ وما الحلّ لهذه المعضلة؟ ولماذا أصحاب الدّولارات يشكون ويطلقون الزّفرات والآهات رغم رواتبهم الضّخمة؟ والجواب على هذا كلّه في جملةٍ من الأسباب.
3- أسباب نزع البركة ومحقها
الذّنوب والمعاصي: فهي سببٌ لهوان العبد على الله تعالى، وسقوطه من عينه، وذهاب البركة.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: "الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ، وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجنّ: 16-17]، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ". الجواب الكافي لمن سأل عن الدّواء الشّافي، ص84
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ). مسند الإمام أحمد: 22438
وكلّ معصيةٍ داخلةٌ في هذا الباب، وإذا كانت المعصية الواحدة تحرم الرّزق والبركة؛ فكيف بالمعاصي المتتالية؟! فالله تعالى يؤدّب عباده، قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [العراف: 130].
الكذب والغشّ والخداع: عن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا). صحيح البخاريّ: 2110
كثرة الحلف لا سيّما في البيع والشّراء: حتّى لو كان الحالف صادقاً، وقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحلف في البيع والشّراء، ويُلحق به غيرهما من وجوه التّعامل بين النّاس، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ). صحيح البخاريّ: 2087
أكل المال الحرام بشتّى صوره: وأعظم ذلك وأكبره أكل الرّبا، فإنّ الرّبا يزيد المال في الظّاهر فتهفو النّفوس إليه، وإنّ الزّكاة تنقص المال في الظّاهر فيُحجم البعض عنها، ولكنّ سنّة الله تقضي بأنّ هذه الزّيادة في الرّبا تعود على المال وصاحبه بالقلّة والمحق والزّوال، كما أنّ الجزء المزكّى يعود على المال وصاحبه بالبركة والنّماء والزّيادة، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
الحرص والطّمع في طلب الدّنيا: فيرغب لها ويُحبّ لها ويُبغض لها ويُضيّع ما أوجب الله عليه لها ويرتكب ما حرّم الله عليه لها، حتّى ربّما ناله من غير حلّه لطمعه وجشعه وشدّة حرصه، عن حَكِيمِ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: (يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) صحيح البخاريّ: 1472، فخذ هذا المال بطيب نفسٍ، وسخاءٍ حلالٍ،  وراحة بالٍ، واحذر الجشع والطّمع، والطّلب الزّائد والهلع. 
4- ما هو مفتاح البركة؟
المفتاح الكبير للبركة، والذي لا بدّ إلاّ وأن نقف عليه، هو قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].
هذه الآية تبيّن سنّةً من سنن الله الجارية، فلو أنّ أهل القرى آمنوا بدل التّكذيب، واتّقوا بدل العصيان، لفتح الله عليهم بركاتٍ من السّماء وبركاتٍ من الأرض، ولفظ: {بركاتٍ} يوحي أنّها أمورٌ لم يعهدها البشر من الأرزاق والأقوات، ألوانٌ شتّى تهبط وتنبع من كل مكان بلا تحديدٍ ولا تفصيلٍ، ولم يقل بركةً؛ وإنّما قال: {بركاتٍ} وهذا يزيد في انشراح الصّدر وطمأنينة القلب، ولم يقل رزقاً؛ وإنّما: {بركاتٍ}، لأنّ الرّزق قد يكون في جانبٍ دون جانبٍ، لكنّ البركة تشمل الخير والزّيادة لكلّ الأنواع، والدّليل: {من السّماء والأرض}.
ويؤخذ من الآية: أنّ الإيمان والتّقوى له صلةٌ قويّةٌ برزق الإنسان وقوّته وحياته، بل وانشراحه وسعادته، فلنجتهد في تحصيل الإيمان والتّقوى، حتّى تعود لنا بركتنا الّتي كانت في غابر الأزمان.
 

http://shamkhotaba.org