إشراقة أمل رغم الخطب الجلل
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 25 سبتمبر 2019 م
عدد الزيارات : 2712
مقدمة:
تُذكّرني ربيعاً قد تسامى    وأزهاراً وورداً كالخزامى
تُذكّرني وأخضرُها عبيرٌ    وأنجمُها تنيرُ لنا الظّلاما
تُذكّرني وأحسبُها عروساً    وليس يزفُّها إلّا اليتامى
تُذكّرني ويسألني شفوقٌ    هل العُشّاق أسقوك المُداما؟!
تُذكّرني وما بَوْحي لحبٍّ    نسيتُ بها ولوعي والهُياما
أتدري يا شفوق لمن كلامي؟    لثورتِنا وقد مُلئتْ كِلاما
تُذكّرني ولا أنسى شهيداً    برغم الجرح يبتسم ابتساما
تُذكّرني صغاراً قد تربّوا    على حريَّةٍ لا لن تُضاما
تُذكّرني وفي قلبي لهيبٌ    على مأساتها زاد اضطراما
تُذكّرني أُسوداً في عرينٍ    بسِفر المجد قد كُتبوا كراما
تُذكّرني وتأبى الضّيم صبراً    وعند صمودها نَدَعُ الكلاما
تُذكّرني.. فلا أنسى حنيناً    كمثل الطّفل يصرخ لا انفطاما
إنّ المتأمل في واقع أمّتنا بشكلٍ عامٍّ، وفي واقع الشّام وأهلها بشكلٍ خاصٍّ؛ ليجد نفسه أمام واقعٍ مريرٍ، وجرحٍ نازفٍ، وإنّ الغيوم الدّاكنة السّوداء المتلبّدة في سماء الأمّة لتشي بآلامٍ خطيرةٍ؛ حروبٌ ونزاعاتٌ، أوبئةٌ وصراعاتٌ، براميل وطيّاراتٌ، ونزوحٌ وخيماتٌ...
ولكن، هل يُعقل أن يستكين مؤمنٌ قد ملأ الإيمان صدره، وروح السّكينة مستقرٌّ بين جوانحه؛ للواقع المرير! بعيداً عن إيمانه بالله وثقته بوعده وأمله بسعة رحمته؟!
لمّا رأينا حالةٍ من اليأس خطيرةً تجتاح فئاتٍ كبيرةٍ وكثيرةٍ من النّاس، كان لا بدّ من نفثة تفاؤلٍ، وإشراقة أملٍ، ونشر روح الثّقة بالله تعالى، وإليكم أيّها السّادة بعض إشراقات الأمل.
1- الأمل والتّفاؤل من صلب ديننا
إن الفأل الحسن فيه تقويةٌ للعزم، وانبعاثٌ لروح الجدّ، واستعانةٌ على الظّفر، فقد تفاءل الحبيب صلى الله عليه وسلم في غزواته وحروبه، ففي صلح الحديبية عندما جاء سهل بن عمرو لمفاوضة المسلمين قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ). صحيح البخاريّ: 2731
قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: "الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ أَنَّ الْفَأْلَ مِنْ طَرِيقِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَالطِّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي السُّوءِ فَلِذَلِكَ كُرِهَتْ". فتح الباري: ج10، ص215
والمراد بالتفاؤل: انشراح الصّدر، واتّساع قلب المؤمن، وإحسانه الظّنّ، وتوقّعه الخير.
والعرب كانت تسمّي الملسوع سليماً؛ تفاؤلاً بسلامته، وتسمّي المريض سالماً؛ تفاؤلاً بتماثله للشّفاء، وتسمّي طالب الضّالة واجداً؛ تفاؤلاً بوجوده ضالّته.
ولقد أكّد هذا المعنى الحبيب صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ). صحيح البخاريّ: 5756
وفي البخاريّ أيضاً عن عَبْدِ الحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، فَحَدَّثَنِي: أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا اسْمُكَ)، قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: (بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ)، قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الحُزُونَةُ بَعْدُ. صحيح البخاريّ: 6193
والمؤمن مأمورٌ بحسن الظّنّ بالله تعالى على كلّ حالٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ). صحيح مسلم: 2877
وقد تحقّق هذا في موسى عليه السّلام لمّا لحقه فرعون وجنوده، وأصبح البحر أمامهم والعدوّ خلفهم، فقد كان حسن الظّنّ يملأ قلبه، والثّقة بالله تنبثق من بين جوانحه، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشّعراء: ٦١-٦٦].
فالتفاؤل يجلب السعادة للقلب، ويذهب عنه الهمّ والحزن.. ويكفي المّتفائل أنّه يقتدي بالحبيب صلى الله عليه وسلم.
2- الواقع مريرٌ، لكنّ الثقة بالله تعالى عظيمةٌ
من عمق هذا الليل ينبثق السّنا    وجراحنا في الأفق تعبق سوسنا
فاضت مآقينا دماً ومدامعاً    لكنّها تأبى لهم أن تذعنا
صحيحٌ أنّ الواقع مريرٌ، وأنّ الجرح نازفٌ، وما من مسلمٍ إلّا يشعر في غصّةٍ بحلقه ومرارةٍ في فؤاده، ولكن كيف يستسيغ أن يعيش مهموماً محزوناً يائساً بائساً؛ وهو عبدٌ لله تعالى الّذي يقول: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
كلما اشتدّت المحن وازداد البلاء وتوالت المصائب؛ تأتينا بشريات الحبيب صلى الله عليه وسلم لتذيب كلّ يأسٍ، وتدفع كلّ قنوطٍ، وتثبّت صاحب كلّ محنةٍ، وتريح قلب كلّ فاقدٍ للأمل، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ). مسند الإمام أحمد: 21220
وعالج صلى الله عليه وسلم اليأس مِن فقد الأمل بأبناء هذا الدّين عن أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا يَزَالُ اللَّهُ عز وجل يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ). مسند الإمام احمد: 17787
وحذّرنا من حالة اليأس المروّعة، ومن الصّنف الّذي يقنّط النّاس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ). صحيح مسلم: 2623
وقد ورد لفظ (أهلكهم) بالرّفع والنّصب، وذلك بأن تكون إمّا أهلَكَهُم؛ فيكون المقصود حينها أنّ قائل ذلك عنهم هو سبب هلاكهم، وإمّا أهلَكُهُم؛ ويكون المقصود حينها بأنّ القائل أشدّهم هلاكاً.
فينبغي أن لا نستخفّ بشأن أحدٍ ولا نزدريه، فلا ندري على يد أيّ جيلٍ يكشف الله الغمّة ويرفع شأن الأمّة، ففي الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ مَثَلَ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَوْ آخِرُهُ). مسند الإمام أحمد: 12327
3- سيأتي الفرّج، ولكنّكم تستعجلون
كلّ من يعيش على وجه هذه البسيطة سيتقلّب على بساط النّعمة أحياناً، ويتقلّب على بساط النّقمة أحياناً أخرى، بل ولربّما أكثر من الأولى، سيقضّ مضجعه أرقٌ، ويشرد نومه قلقٌ، وأيّنا يخلو من ذلك؟! وبعضنا يستعجل فرَج الله تعالى إذا تأخّر بل ويحزن، لكنّ المؤمن الصّادق الواثق بالله تعالى ملتزمٌ بأمر الله تعالى، مجتنبٌ لنهيه.
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 139-140].
{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التّوبة: 40].
لأنّ الحزن خمودٌ لجذوة الإيمان، وهمودٌ لروح الهمّة، وبرودٌ في النّفس، وأحبّ شيءٍ إلى الشّيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره وعن مواصلة حياته، {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10].
من أجل ذلك استعاذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الهمّ والحزَن، عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ، وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ). صحيح البخاريّ: 6363
وما يؤخّر الله تعالى الفرَج إلّا لحكمةٍ، فلا ينبغي للمؤمن أن يستعجل، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ). صحيح البخاريّ: 3612
أيّها المحزون: بعد الجوع شبعٌ، بعد الظّمأ ريٌّ، بعد السّهر نومٌ، بعد المرض عافيةٌ، بعد العُسر يسرٌ..
سيصل الغائب، ويهتدي الضّالّ، ويُفَكّ العاني، وينقشع الظّلام، {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} [المائدة: 52].
4- أيّها الظّالم لك يومٌ
يكفينا في هذا المقام بشارةٌ من الحبيب المصطفى صلوات ربّي وسلامه عليه: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: (أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟)، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟)
كم فيه من التّسلية للمظلوم ووعيدٌ للظّالم؟! بأنّ لا يغترّ بالإمهال.
5- أخطر سببٍ لليأس؛ هو الجهل بطبيعة الطّريق
إنّ من أسباب اليأس الواضحة القاتلة: جهل المسلم بطبيعة الطّريق الّذي يسلكه لدينه، فيظنّ كثيرٌ من النّاس بأنّه طريقٌ مفروشٌ بالورود والرّياحين، وتناسوا بأنّه مفروشٌ بالأشواك والدّماء والأشلاء.
ودرب الصّاعدين كما علمتم     به الأشواك تكثرُ لا الورودُ
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2-3]. 
لو كان أحدٌ يستحقّ طريقاً لا عقبات فيه؛ لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنّه حوصر وأوذي وأُخرج من أحبّ البلاد إليه، واستشهد أصحابه، ومات له ستّةٌ من الولد، وأدميت قدماه الشّريفتان، وما أظهر إلّا كلّ افتقارٍ وانكسارٍ لله تعالى؛ لعلمه بطبيعة هذا الطّريق.
أيّها المسلمون: إنّ قيام أهل مصر وانتفاضتهم ووقوفهم في وجه الطّغاة؛ لرسالةٌ صارخةٌ بالأمل المستكين في القلوب، والذي يحتاج إلى وثبةٍ إيمانيّةٍ ليظهر، وإنّها لرسالةٌ قويّةٌ تهز عروش الطّغاة -سواءً كانوا بلبوسٍ إسلاميٍّ أو علمانيٍّ- مهما تكبّروا وتجبّروا وظلموا، فإرادة الله غالبةٌ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21].
والأمة قد تمرض، وقد تنام، لكنّها لا تموت أبداً.
إنّ رسالة أهل مصر لتقول للدّنيا: بشّر الليل بصبحٍ صادقٍ يطارده على رؤوس الجبال..
بشّر المهموم بفرجٍ مفاجئٍ يصل في لمحة البصر..
إذا رأيت الصّحراء تمتدّ؛ فاعلم أنّ وراءها رياضاً خضراء وارفة الظّلال متشابكة الأغصان دانية القطوف ممتدّة الأفياء..
مع الدّمعة بسمةٌ، ومع الخوف أمنٌ، ومع الفزع سكينةٌ..
أهل مصر أدرى بغرق فرعون، وأعلم بنداء موسى {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشّعراء: 62].

http://shamkhotaba.org