بالعلم نرتقي
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 3 أكتوبر 2019 م
عدد الزيارات : 3000
مقدمة:
سبحانكَ اللهمّ خيرَ معلّمٍ    علّمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماتهِ    وهديته النّورَ المبينَ سبيلا
أرسلتَ بالتَّوراة موسى مرشداً    وابن البتولِ فعلّمَ الإنجيلا
وفجّرت ينبوعَ البيانِ محمّداً    فسقى الحديث وناولَ التَّنزيلا
انقضت أيّام الإجازة الصّيفيّة، وطويت فيها صحائفٌ، ورحل فيها عن الدّنيا من رحل، وَوُلد فيها من وُلِد، وأطلّ على الدّنيا خلالها جيلٌ جديدٌ، وعمّر من عمّر، {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11].
وإنّ المتأمّلَ للمسافةِ الّتي بين امتحانات الفصل الماضي وبدء الدّراسةِ في هذا الفصل الحاليّ ليجد أنّها قصيرةً في عمر الزّمن، لكنّها طويلةٌ في حساب المكاسب والخسائر، نعم: لقد غنم فيها قومٌ، وخسر آخرون، وعجلة الزّمن تدور على الجميع لكنّهما لا يستويان، ذاك يطوي صفحاتٍ من الحسنات في خطواتٍ تقرّبه إلى روضات الجنّات، وهذا يُكتب عليه في السّجلّاتِ سّيئاتٌ وخطيئاتٌ، وهكذا أيّام العطلة قد مرّت كالبرق الخاطف، وها هي الدّراسة قد أقبلت، فلنفتح صفحةً جديدةً بيضاء، ولنستغفر ربّنا على ما فات.
1- فضل العلم والتّعليم
لقد جاءت نصوص الكتاب والسّنة دالّة على فضل العلم، حاثّة عليه، مرغّبة في طلبه، مبيّنة عظم أجره، فقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزّمر: 9].
لا والله لا يستوون، لا يستوي من يعبد الله على علمٍ وهدىً وبصيرةٍ، بمن يتخبّط في ضلالات الجهل والهوى، لا يستويان أبداً، حتّى في الحيوانات فقد فضّل الله الحيوان المعلَّم، وأحلّ لنا صيده، حيث قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
وكذلكم الغراب الّذي عَلّم قابيل كيف يدفن أخاه، فقد خلّد الله ذكره في القرآن، وما خبرُ الهدهد عنكم ببعيدٍ، يوم أن قال لسليمانَ عليه الصّلاة والسّلام كما ذكر الله تعالى: {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النّمل: 22].
فكان سبب إيصال النّور إلى مملكة سبأٍ، فإذا كان الحيوان رُفع قدره بالعلم، فما بالكم بالإنسانِ الّذي هو أفضل المخلوقات؟!
نعم: لقد أعلى الله شأنَ أهلِ العلمِ ورفعَ منزلتهم، وبيّن أنّهم هم أهل الخشية له والخوف منه، وهم أهل الرّفعة والدّرجات، وأهل الإيمانِ والتّصديقِ، فقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
وقال جلّ جلاله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
ولم يأمر الله عز وجل نبّيه أن يطلب الاستزادة من شيءٍ غير العلم فقال سبحانه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وجاءت السنّة المطهّرة حاثّة على العلم والاستزادة منه، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). صحيح البخاريّ: 71
وبيّن أنّ طريق العلم طريقٌ موصلٌ إلى الجنّة، وأنّ الإنسان بالعلم يرتقي إلى درجةٍ لا يرتقي إليها غيره، ألا وهي درجة الوراثة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام  فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ). مسند الإمام أحمد: 21715
وكان الإمام الشّافعيّ رحمه الله تعالى يقول: "مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ"، "مَنْ لا يُحِبُّ الْعِلْمَ فَلا خَيْرَ فِيهِ، فَلا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلا صَدَاقَةٌ". الآداب الزّكيّة في آداب الطّالب المرضيّة، ص37
نعم هذه أمّة {اقرأ}، أمّة العلم والحضارة والصّناعة والقوّة.
ولمّا كان هذا فضل العلم وشرف أهله، فقد كانت حال السّلف في طلبه عجيبةٌ، حيث استثمروا في طلبه ساعاتهم ودقائقهم، وأفنوا في تحصيله شبابهم وأعمارهم، فحصّلوا منه ما يدعو للدّهشة ويبهر الألباب، ويستنهض الهمم ويقوّي العزائم، فقد رحل جابر بن عبد الله إلى بلاد الشّام مسيرة شهرٍ ليسمع منه حديثاً واحداً، وحفظ الإمام أحمد مليون حديثاً، وكان أبو زرعة يحفظ مائتي ألف حديثٍ كما يحفظ الإنسان سورة الفاتحة، وبلغت أسفار البخاريّ في طلب العلم مساحةً تقرب من دورتين حول الأرض، ولقد طلب (شُريك) العلم أربعين سنةً وكان زاده في كلّ يومٍ كسرة خبزٍ، نعم: هكذا كان حال طلّاب العلم في القرون الخالية؛ همّةٌ يتقطّع دونها السّحاب، وعزيمةٌ ينفتح لها مغلق الأبواب.
ولنا أن نسأل أنفسنا اليوم -وقد سمعنا هذه النّماذج المضيئة في جبين أمّتنا- كم منّا من يحفظ ألف حديثٍ؟ بل كم منّا من يحفظ مائةً؟ بل أين هم حفّاظ الأربعين النّووية؟ فضلاً عن أنّ كثيراً لا يُحسن قراءة القرآن كما ينبغي، بل البعض -وللأسف- لا يكاد يقرأ الفاتحة الّتي هي أهمّ أركان الصّلاة، وفي الحقيقة إنّه لا عذر لشبابنا اليوم، ولا مبرّر لهم في البقاء على الجهل والإقامة على الضّلال أبداً، كيف والمدارس قد انتشرت في كلّ قريةٍ، والمعلّمون وطلّاب العلم موجودون في كلّ مكانٍ؟! ووسائل التّعليم ميسّرةٌ ولله الحمد، فما على أحدهم إلّا أن يخلص النّية، ويواصل المطالعة، فيقرأ ويستمع، ويتعلّم ويعمل، وينشر الخير في أمّته.
2- رسالةٌ إلى المعلّمين
يا من جعلكم الله مشاعل للنّور والرّحمة: ها هم أبناء المسلمين وبناتهم قد أقبلوا عليكم محبّين مجلّين، بكلّ شوقٍ وحنينٍ، ينتظرون منكم علوماً نافعةً، ووصايا جامعةً، فاغرسوا في تلك القلوب الإيمان والإحسان والعبوديّة لله تعالى.
يا مشاعل النّور: ما كان لله دام، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، فأخلصوا لله القول والعمل، فقد ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). سنن أبي داوود: 3664 يَعْنِي رِيحَهَا.
فالإخلاص هو الهدى والنّور، وعاقبته الرّضا والسّرور، وجناّت الفردوس والحبور، فما كان في قليلٍ إلا كثّره، ولا يسيرٍ إلا باركه.
يا مصابيح الهدى: رسالةُ العلم والتّعليم، اقتداءٌ بأشرف الخلق سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، فقد كان خيرَ المعلّمين والموجّهين، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي". صحيح مسلم: 537
كان خير المربّين، حليماً رحيماً رفيقاً رقيقاً، ييسّر ولا يعسّر، ويبشّر ولا ينفر، فاقتدوا بنبيّكم ومعلّمكم أيّها المعلّمون، واعلموا أنّ التّعليم رسالةٌ عظيمة تقلَّدها الأنبياء، وورثها العلماء، وقام بها الأخيار والصّلحاء، فطوبى لمن أدّى حقّها على الوجه المطلوب الّذي يرضي الله سبحانه، فحيّوا طلّابكم بتحيّة الإسلام، وابدؤوا حديثكم بحمد الله والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الأمور الّتي تغرس في نفوس الطّلّاب الأخلاق الحميدة والصّفات النّبيلة، وكونوا خير قدوةٍ لطلّابكم، فإنّ عيونهم ناظرةٌ إليكم، فالطّالب الّذي يسمع من مدرّسه كلمات السّبّ والشّتم كيف يتعلّم الفضيلة؟ والطّالب الّذي يرى مدرّسه يشرب الدّخان أمامه سيسهل عليه هذا الأمر، والطّالب الّذي يرى مدرّسه في حالةٍ من التّسيّب كيف يتعلّم الفضيلة؟! فطبّقوا على أنفسكم ما تعلّمونه لطلّابكم، فإنّها أمانةٌ في أعناقكم، وقد قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
3- رسالةٌ إلى المتعلّمين وأوليائهم
ها هي أيّام العلم قد أقبلت، فأقبلوا عليها بجدًّ وإخلاصٍ وتقوى لله تعالى، فإنّها أهمّ سببٍ لتحصيل العلم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
فإنّ الله تعالى إذا علم من قلبك أنّك تريد أن تكون من أهل العلم الصّلحاء، ومن الأخيار الأتقياء، وفّقك وسدّدك وألهمك ويسّر لك الخير حيثما كنت، فالأمّة تنتظرك أيّها الشّاب المتعلّم لتفيدها بعلمك، فنحن كما نريد العلماء الّذين يقومون بثغور الدّين، فإنّنا كذلك نريد من يقوم بسدّ ثغور الدّنيا، ننتظر العلوم على اختلافها ما لم تعارض شريعة ربّنا، ننتظر الطّبيب بطبّه، والمهندس بهندسته، وكلّ عالمٍ ينفع الأمّة بعلمه ننتظر منه الخير الكثير، فهذه ثغور الإسلام تنتظركم يا شباب الإسلام، فجدّوا واجتهدوا، واعلموا أنّ الغايات والأهداف النّبيلة لا تُدرك بالمنام، ولا تُطلب في الأحلام، ولكن تريد الجدّ والاجتهاد والكفاح والصّبر والصّلاح. 
لا ترضوا بالقليل، واسموا إلى المعالي، وتخلّقوا بالأخلاق الكريمة والفضائل النّبيلة، واجتنبوا سفاسف الأمور والرّذائل، واغتنموا أوقاتكم فيما يفيدكم، واعلموا أنّ إضاعة الحصص الدّراسيّة في الضّحك واللهو والفكاهات دمارٌ لك أيّها الطّالب، لأنّ إضاعة الوقت من المقت كما قيل.
يا طلّابنا الأعزّاء: أنتم بيت القصيد ومحطّ الرّكب وعليكم تُعقد الآمال، فإنّ نبيّكم أكبرَ شأنكم وأعلى مقامكم، فالواجب عليكم أن تعرفوا قدر معلّميكم، وأن تحترموهم وتكرموهم، وأن تحترموا الكتب الّتي تأخذونها، ففيها العلم الّذي تتعلّمونه، ولقد صُرفت لأجلها الكثير من الطّاقات، وبُذلت الجهود الكبيرة حتّى وضعت بين أيديكم، فقدّروها قدرها، وحافظوا عليها.
4- أثر العلم في نهضة الأمّة
إنّ الأمّة الّتي تولي العلم وأهله عنايتها ورعايتها، فتقبل على التّحصيل وتسخّر طاقاتها في سبيله ويدرك أفرادها أهمّيّة انخراطهم في مدارسه ومؤسّساته؛ فإنّها تعيش في ظلال العلم الوارفة، وتتقلّب في رياضه الغنّاء.
وليس ببعيدٍ من أمّة {اقرأ} أن يفتحوا المدن بالعلم، فإنّ أوّل آيةٍ من كتاب ربّنا كانت {اقرأ}، وقد سميّت سورةٌ من القرآن باسم القلم؛ الّذي هو آلة العلم، وهذا الاحتفاء بوسيلة العلم دليلٌ على مكانة المعرفة في الشّريعة الإسلاميّة الخالدة.
إنّه لا مناص للأمم الّتي تروم أن تتبوّأ الصّدارة من العناية بالتّعليم، ولا طريق لتشييد الحضارات سوى طريق العلم والمعرفة، لأنّ بناء الأمم يكون عن طريق بناء الفرد الّذي هو نواة المجتمع، ولا سبيل لبنائه إلّا بالتّعليم، فقد روى البخاريّ عن عمر رضي الله عنه قال: "تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا"، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ". صحيح البخاريّ: بَابُ الِاغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحِكْمَةِ
إنّ نهضة الأمّة منوطٌ بتربية أجيالٍ على العلم وتحمّل المسؤوليّة، وما اختلّت موازين الأمّة وفسد أبناؤها إلّا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرّطٍ -لا يعلم عن حال أبنائه شيئاً ولا في أيّ مرحلةٍ يدرسون ولا مع من يذهبون ويجالسون ولا عن مستواهم التّحصيليّ في الدّراسة- وبين مدرّسٍ خان الأمانة وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليّته، فدور الأسرة عظيمٌ في غرس القيم الفاضلة في نفوس أبنائها، وتشجيعهم على العلم، فيا أيّها الآباء كونوا خير مُعينينَ ومشجّعينّ لأولادكم على طلب العلم ومتابعة تحصيله، واعلموا أنّكم مسؤولون عنهم يوم القيامة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). صحيح البخاريّ: 2409
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ). السّنن الكبرى للنّسائيّ: 9129
وقد نُقل عن الإمام الغزاليّ: "الصّبيّ أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطّاهر جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ من كلّ نقشٍ وصورةٍ، وهو قابلٌ لكلّ ما نُقش، ومائلٌ إلى كلّ ما يُقال، فإن عُوّد الخير وعُلّمه؛ نشأ عليه وسعد في الدّنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كلّ معلّمٍ له ومؤدّبٍ، وإن عُوّد الشّرّ وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك وكان الوِزر في رقبة القيّم عليه والوالي له". التّربية الإسلاميّة أصولها وتطوّرها في البلاد العربيّة، ص199
فأولادكم أمانةٌ في أيديكم، وستُسألون عنهم، فماذا أنتم قائلون؟!
5- همسة ٌفي أذن طالب العلم
 اعلم يا طالب العلم أنّه لا يُنال العلم إلّا بالجِدِّ والاجتهاد، والصّبر والمصابرة، وكثرة القراءة والمطالعة، فاصبر وتحمّل وتمثّل قول الشّافعيّ رحمه الله تعالى:
اصبر على مرّ الجفا من معلّمٍ    فإنّ رسوب العلم في نفراتهِ
ومن لم يذق مرّ التّعلم ساعةً    تجرّع ذلّ الجهل طول حياتهِ
ومن فاته التّعليم وقت شبابه    فكبّر عليه أربعاً لوفاتهِ
وذات الفتى والله بالعلمِ والتّقى    إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ
واعرف قدرك وقف عنده، فما كلّ من قرأ كتاباً أو كتابين أصبح عالماً، فقد سمعنا آنفاً كيف أفنى علماؤنا حياتهم في طلب العلم، وما رأوا أنّهم قد حصّلوا منه إلّا القليل، فرحم الله امرأً منّا عرف حدّه فوقف عنده، والواجب علينا أن نشحذ همّتنا من جديدٍ للمثابرة في طريق العلم والتّحصيل، حتى نبلغ ذروة المجد بإذن الله تعالى، ورحم الله القائل:
لأستسهلنّ الصّعب أو أُدرك المنى     فما انقادت الآمال إلّا لصابرِ

http://shamkhotaba.org