مقدمة:
بعد مرور هذه السّنوات العجاف الّتي مرّت بنا على عُجرها وبُجرها، تجلَّت لنا عن نقصٍ شديدٍ وخللٍ كبيرٍ في التّربية بكلّ مقاييسها، حتّى كان هذا النّقص والخلل سبب تراجعنا وتشرذمنا وفساد أعمالنا، وإنّنا لنعاني أشدّ المعاناة من تيّار المادّيّة الجارف، والانجذاب الشّديد نحو المظاهر، والإخلاد السّاحق إلى الأرض، ونظنّ أنّ المسلم لا يستطيع مقاومة هذا كلّه بدون التّربية.
إذا كان الله تعالى خاطب حبيبه المصطفى ونبيه المجتبى بقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28].
وحتّى ترجع إلينا الصّدارة في دنيانا، ونشعر بقيمتنا في ديننا وعند ربّنا؛ لا بدّ من الوقوف عند أهمّيّة التّربية والحاجة إليها، اعتماداً وتطبيقاً وممارسةً في كلّ الميادين.
1- المربّي الأعظم صلى الله عليه وسلم
حياته صلى الله عليه وسلم قدوةٌ للعالمين، ونبراسٌ يشعُّ هدىً، فهو إمام الدّعاة وسيّد المرسلين، لا أنصع من حياته الحافلة بمواقف التّربية، جاءت كالشّمس في رائعة النّهار، لا تشوبها شائبةٌ، عاش بشراً، يجوع كما يجوع سائر النّاس، ويشبع كما يشبعون، في كلّ لحظةٍ من لحظات حياته العظيمة درس هدىً وموقف عبرةٍ وهمسة تربيةٍ يتناقلها الأجيال، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
هو الأمّيّ لم يقرأ كتاباً فعلَّم قارئين وكاتبينا
فيا عجباً لقومٍ كذَّبوه ألم يكُ بينهم يُدعى الأمينا
ومن يُعرفْ بصدقٍ في صباه يُصدَّقْ عند سنِّ الأربعينا
كان مربّياً عظيماً في لحظاته ولفظاته وحتّى في إشارات عينيه، إذ هو الّذي يقول لأصحابه حينما قالوا: هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ).
ربَّى بحاله وتوّج التّربية بمقاله، وهو الّذي أوتي جوامع الكلم، يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز، يزور المريض، يعطف على المسكين، يواسي المستضعفين، يداعب الأطفال، يمازح الأهل، ينام على الثّرى، ويجلس على التّراب، يفترش الرّمل، يتوسّد الحصير، يتألّف النّاس ويبتسم في وجوه أصحابه، ويقول: (إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ).
ربّى بكلّ الأساليب حتّى كان مشكاة التّربية، ونوّع بما أوتي من وسائل حتّى كان منبعها، فربّى بالحبّ، وربّى بالتّوازن، وربّى بالصّراحة، وربّى بالإيماء، وربّى بالابتسامة، وربّى بالدّعاء، فهنيئاً لمن ارتشف منها؛ من معينها الصّافي، ومنبعها الزّلال، ألا إنّ الّذين بهرتهم عظمته لمعذورون، وإنّ الّذين افتدوه بأرواحهم لهم الرّابحون.
2- أهمّيّة التّربية (وتتأكّد في زمن الشّرود)
لنترك المجاملة قليلاً، حتّى يتسنّى لنا الكشف عن الدّاء لوصف الدّواء، الأمّة تحطّمت، وصارت أنقاضاً، والكثير من مظاهر الإسلام تلاشت، وابتعد كثيرٌ من النّاس عن دينهم، وانحرفوا في تصوّراتهم وسلوكهم، إنّنا في زمنٍ زادت فيه الفتن، فُتحت لهم مجالات الإعلام ووسائل التّواصل على مصارعها، ولئن لم نتخلّص من رواسب الجاهليّة بتطهير القلب وتزكيته وتربيته تربيةً يرتضيها الإسلام؛ ليكوننّ الخطر الأكبر من داخل فئات الملتزمين أنفسهم أعظم بكثيرٍ من الخطر الخارجيّ،
فطريق التّربية -الّتي ربّى الحبيب بها أصحابه- هو وحده الطّريق الّذي ينهض بالأمّة، ويقيلها من عثرتها، لمَ لا؟ والهدف من ورائه تكوين أمّةٍ جديدةٍ، جاهدت نفسها، وانتصرت عليها، فأصبحت على غيرها أقدر، رحم الله من قال: إنّ معركتنا معركةٌ تربويّةٌ.
لعلّ سائلاً يسأل: ما معنى التّربية الّتي تتحدّثون عنها؟
يقول الإمام البيضاويّ في تفسيره: "التّربية هي تبليغ الشّيء إلى كماله شيئاً فشيئاً".
وفي مفردات الرّاغب الأصفهانيّ: "هي إنشاء الشّيء حالاً فحالاً إلى حدّ التّمام".
إنّ التّربية تصنع الأجيال، وتهيّئ الأشبال ليرتقوا ذرى الكمال، متسلّحين بالإيمان، مع الأعمال الصّالحة، والأخلاق الزّاكية في الدّنيا، لتهيّئهم لأنعم نعيم أهل الجنّة في الآخرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].
والتّزكية هي التّعبير القرآنيّ لمصطلح التّربية، وإن كان في معنى التّربية من التعاهد والمتابعة للمتربّي الصّغير ما ليس في التّزكية، قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
وقال سبحانه: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشّعراء: 18].
فكأنّ التّزكية هي ثمرة التّربية، ولذا قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ} [الأعلى: 14].
والتّربية: هي الّتي تحوّل العقيدة المستكنة في الضمائر يقيناً إلى حقيقةٍ سلوكيّةٍ في الواقع، ترسّخ معنى الألوهيّة في القلب، ليصبح يقيناً لا تزلزله محنةٌ وابتلاءٌ، كما لا تغيّره نعمةٌ ورخاءٌ، وهذه التّربية تحتاج إلى ترسيخ الأخلاق، وتقويم السّلوك، وتعميق الوعي، ولا يتحقّق هذا إلّا بعملٍ مستمرٍّ دائبٍ، وعزمٍ لا يلين.
وأخيراً؛ فإنّه: "لا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا".
3- التّربية مهمّة الأنبياء
التّربية من أوّل أعمال الأنبياء والمرسلين وأوْلاها، وقد قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
وفي ممارسة النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع أصحابه صفحاتٌ مشرقةٌ، حقٌّ على كلّ مسلمٍ أن يطالعها مقتدياً مهتدياً، التّربية طريق الأنبياء والعلماء والمصلحين قاطبةً: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2].
تظهر أولويّة التّربية عند الأنبياء الكرام من دعاء سيّدنا إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129].
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].
وإذا كانت التّربية مهمّة الأنبياء جميعاً فقد ختمها بتجليةٍ ووضوحٍ خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فانظر إليه حين كان يبلغه أمرٌ من الأمور عن شخص ماٍ.. يصعد المنبر، ويصرّح في النّاس مزكيّاً ومطهِّراً ومربّياً: (ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا، أو يقولون كذا وكذا) كما وردت عدّة حوادث في الصّحيحين وغيرهما.
ولمّا أخطأ أبو ذرٍّ رضي الله عنه في حقٍّ بلالٍ رضي الله عنه حين عيّره بأمه؛ قال له الحبيب صلى الله عليه وسلم أيضاً ناصحاً ومربّياً: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ).
هذه هي المهمّة الأولى والطّريقة المُثلى الّتي ابتدأ بها الحبيب صلى الله عليه وسلم في تربية الجماعة المسلمة الأولى، وما زال يتعاهدهم بها إلى لحظات سكرات موته صلى الله عليه وسلم.
ولعلّ تربية الفاروق وحده أبلغ مثالٍ على عُمق تربية النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه وصدق استجابتهم لهذه التّربية، فلقد قالوا في جاهليّة عمر: "وَاللهِ لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ".
فلمّا خضع لهذه التّربية...
عُمر العظيم قبيل دينك جاهلٌ يرعى الجِمال وللحجارة يعبدُ
فإذا به لمّا اهتدى بمحمّدٍ يحنو على يُتم الصّغار ويُنجدُ
لمّا رأى تلك العجوز وحولها أطفالها وعلى الحجارة توقدُ
حمل الدّقيق لها وأقبل مسرعاً متلطّفاً لصغارها يتودّدُ
لم يغْره عزّ الخلافة فاغتدى بيديه يغترف القِرى ويبرِّدُ
دين الهدى أعطاه إنسانيّةً فوق العقول منالها مستبعدُ
أمثال ذا خرّيج معهد أحمدٍ أنعم بمن ربّاه ذاك المعهدُ
قال ابن القيّم: "وَلَا يَذُوقُ الْعَبْدُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، وَطَعْمَ الصِّدْقِ وَالْيَقِينِ، حَتَّى تَخْرُجَ الْجَاهِلِيَّةُ كُلُّهَا مِنْ قَلْبِهِ".
4- التّربية عصمةٌ من الفتن ووقايةٌ من مفاسد الزّمن
وتتعاظم أهمّيّة التّربية في زمن الفتن وكثرة الفساد، حينما يتعرّض المسلم لأنواع من الفتن من شهواتٍ وشبهاتٍ، ويبرق بين عينيه بارق المعاصي والمفاسد والنّزوات، فلا يُعصم -بإذن الله تعالى- إلّا من عاش عُمق التّربية، وطهّر قلبه بعبق التّزكية {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [الأعلى: 14-17].
أيّة تربيةٍ تلك الّتي تحلّى بها بلالٌ رضي الله عنه حتّى صمد وثبت أمام التّعذيب والاضطهاد؟!
لقد صمد لأقسى ألوان التّعذيب صمود الأبرار العِظام، لقد نالت رمال صحراء مكّة المُحرقة الملتهبة من جسده ما نالت، لكنّها ما نالت من قلبه سوى نداء التّوحيد الخالد: "أَحَدٌ، أَحَدٌ".
لقد جعلت منه التّربية أستاذاً للبشريّة في فنّ الثّبات، وفي الدّفاع عن المبدأ الحقّ.
أبطاحَ مكّة هل ذكرتِ بلالنا؟ أوّاه ما أوفاكِ من بطحاءِ!
ضجّت رمال البيد وازداد الأذى ما ذلّ إيمانٌ على الرمضاءِ
بالتّربية يثبت الإمام أحمد بن حنبل أمام آلة التّعذيب والاضطهاد، حتى قُرن اسمه بالسّنّة، فما تُذكر إلّا ويُذكر بطلها الإمام أحمد، أرادوا صرفه عن السّنّة فما انصرف؛ لأنّ أحمد ممنوعٌ من الصّرف.
فنحن محتاجون أشدّ الحاجة في هذا الزّمن الّذي ابتلينا به بتقدّمٍ مذهلٍ في وسائل التّقنية ونقل المعلومات وسرعة التّواصل والاتّصالات، إلى تربيةٍ إيمانيّةٍ نضبط من خلالها أخلاقنا وتصرّفاتنا، وحتّى خطرات قلوبنا، إذ عندما تصل التّربية إلى هدفها، ويحدث الوصال بين القلب وخالقه، بإيمانٍ عميقٍ، وتكوينٍ دقيقٍ، وعمل متواصلٍ؛ يصبح الثّبات أمام العواصف الهوجاء أمرٌ بدهيٌّ، لأنّ الله تعالى قد تولّى أمره {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
5- منهج التّربية في الإسلام
جماعيّةٌ.. ربّانيّةٌ.. وسطيّةٌ.. إيجابيّةٌ..
جماعيّةٌ: لأنّ أخطار السّير المنفرد مخيفةٌ جدّاً، إذا كان موسى الّذي هو من أولي العزم طلب من الله تعالى أن يؤازره بهارون، واستجاب الله تعالى له: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35].
فنحن من بابٍ أولى أن نضع أيدينا بأيدي بعضٍ ونتعاهد على النّجاة في الدّنيا والآخرة، والنّاجي منّا يأخذ بيد أخيه، {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71].
ومن أخطار السير المنفرد أن صاحبه قد يصبح فريسة سهلة لإبليس وجنوده، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28].
ربّانيّةٌ: قد تعلّق صاحبها بالرّبّ جلّ وعلا، حتّى تحقّق بتلك الصّلة الوثيقة؛ أداءً للفرائض، واجتناباً للمحارم، واستدامةً للذِّكر، وعنايةً بالشّكر، وتحلّياً بالصّبر، وإيثاراً للإيثار، {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: ٧٩].
إنّ سياج الرّبّانيّة يقيم في قلب المتربّي فرقاناً بين الحقّ والباطل، وينشئ حاجزاً بينه وبين مضلّات الفتن، ويضبط السّلوك ويقيم الجوارح على رعاية السّنن، وحسن السّمت، وملازمة الأدب، وإذا كان الإسلام هو الحلّ لمشكلات البشريّة؛ فإنّ الرّبّانيّة هي الحلّ لمشكلات المسلمين.
وسطيّةٌ: كما أنّ أهل السّنّة وسطٌ بين الفِرق في مسائل الاعتقاد، فهم أيضاً وسطٌ في باب التّربية والسّلوك بين طرفي الإفراط والتّفريط، فقد أنكر الحبيب صلى الله عليه وسلم على من أراد الانزواء على العبادة وعدم الزّواج (لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا).
والمراد بالتّسديد: العمل بالسّداد، وهو القصد والتّوسّط بين الإفراط والتّفريط.
إيجابيّةٌ: كثيرٌ من النّاس يتغنّى بمصطلح التّربية دون الدّخول إلى عمقها والعمل بما فيها بإيجابيّةٍ، ونعني بالإيجابيّة: المبادرة العمليّة، لا المثاليّة ولا السّلبيّة، كما قال الإمام الأوزاعيّ: "إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُوْلُ قَلِيْلاً، وَيَعمَلُ كَثِيْراً".
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ).
ختاماً:
فإنّ القيام بواجب التّربية والتّزكية للنّفوس هو تهيئةٌ للأمّة للمطالبة برجوعها لشرع الله تعالى وتطبيقه على كلّ الأصعدة، وقد أحسن من قال: أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم؛ تقم على أرضكم.
وفي الجملة؛ فإنّ التّربية أصلٌ ضخمٌ وأساسٌ متينٌ، لا يتمّ بدونه تغييرٌ، ولا تنجح بدونه دعوةٌ، وليس له غايةٌ ينتهي عندها، ولا يستغني عنه الكبير فضلاً عن الصّغير، ولا المنتهي فضلاً عن المبتدي، وصفوة القول: أنّ الواجب التّربوي هو أسّ التّمكين، وطريق الخلاص في الدّارين.
http://shamkhotaba.org