حسن الظن بالمسلمين
الكاتب : أكرم الحميدي
الخميس 27 فبراير 2014 م
عدد الزيارات : 7902

حسن الظن بالمسلمين

 

ملاحظة : هذه المادة العلمية لخُطبةٍ بعنوان حسن الظن بالمسلمين ، وينبغي على الخطيب أن يستخرج امثلة من واقع الناس اليوم عن حسن وسوء الظن ويُسقطها في الخُطبة ليكون العلاجُ. - لا سيما مع كثرة سوء الظن وانتشاره بين الناس وعلى صفحات التواصل وكثرة عبارات التشكيك والتخوين بغير دليل .

عناصر الخُطبة:

1-تعريف الظن .

2- حكم الظن .

3- سوء الظن يورد صاحبه المهالك .

4- سيئ الظن لا يلقى الله بقلب سليم .

5- حسن ظن الرعيل الأول ببعضهم .

6- قصة وعبرة ( شرٌ في الظاهر وباطنه كلُّه خير )

7- منهج المسلم في الظن بأخيه .

 

1 - تعريف الظن :

الظِّنين : هو الرجل المتهم .

والظَّنُونُ: هو الرجل السَّيء الظن .

قال التهانوي : الظن عند الفقهاء : التردد بين أمرين استويا , أو ترجح أحدهما على الآخر

                                           نضرة النعيم 5/1597

وسوء الظن :هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمل الأمرين معاً .

                                           نضرة النعيم 10/4652

2 - حكم الظن :

§     قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب58

 

§     قال سفيان الثوري : الظنُّ ظنان : ظنٌّ إثمٌ , وظنٌّ ليس بإثم ,

فأما الذي هو إثمٌ: فالذي يظنُّ ظناً, ويتكلم به .

والذي ليس بإثم: فالذي يظن ظناً ولا يتكلم به .

والظن في كثير من الأمور مذموم ؛ ولهذا قال الله:  {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } يونس36

وقال : { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } الحجرات12

       نضرة النعيم 10/4653 نقلا عن بصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي

§     عدَّ الإمام ابن حجر – رحمه الله – سوء الظن من الكبائر الباطنة. وذكر أنه (الكبيرة الحادية والثلاثون)

§     في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

  قال صلى الله عليه وسلم :(إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]

§     قال صلى الله عليه وسلم:( إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة , من وَدَعَه الناس , أو تركه الناس اتقاء فحشه ) البخاري(6032) ومسلم ( 2591)

§     قال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) مسلم/2564

§     قال صلى الله عليه وسلم: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ) رواه مسلم/61

حار : يعني رجع

§     قال صلى الله عليه وسلم: (شراركم المشاءون بالنميمة , المفسدون بين الأحبة , الباغون للبرآء العنت) رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني

 

 

3 - سوء الظن يورد صاحبه المهالك :

وذلك أن من حكم بشرٍّ على غيره بمجرّد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه, والتواني في إكرامه, وإطالة اللسان في عرضه , وكلّ هذه مهلكات.. وكلُّ من رأيته سيء الظن بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه وسوء طوَّيتِه؛ فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنة, والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه .

                            نضرة النعيم 10/4653 نقلاً عن الزواجر

وفي كتاب الله عبرة لنا : قال رب العالمين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6

 

4 - سيئ الظن لا يلقى الله بقلبٍ سليمٍ:

لأن سوء الظن من الكبائر الباطنة , يعني من أمراض القلوب ,وأمراض القلب إن لم يعالجها صاحبها فإنه لا يلقى الله بقلبٍ سليمٍ - والعياذ بالله - .

قال ابن حجر – رحمه الله - : بعد أن ذكر الكبائر الباطنة : وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتُها ليعالج زوالها ,لأن من كان في قلبه مرضٌ منها لم يلق الله – والعياذ بالله -  بقلبٍ سليمٍ,

وهذه الكبائر يُذمُ العبدُ عليها أكثر مما يُذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه ؛ إذ إن آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصيرُ حالاً وهيئةً راسخةً في القلب ,

بخلاف أثار معاصي الجوارح فإنها سريعة الزوال , تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ,

ونَقَلَ عن ابن النجار قوله : ( من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه ) إن الله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ } الحجرات12

                                         نضرة النعيم 10/4652 نقلا عن الزواجر

 

 

 

 

5 - حسن ظن الرعيل الأول ببعضهم:

·     في غزوة تبوك وعندما تخلَّف كعب بن مالك عنها , قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما فعل كعب بن مالك قال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه بُرداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبلبئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا)

البخاري (4418) ومسلم (2769)

·     في حادثة الإفك سأل النبي rبعض الصحابة عن عائشة فاسمع ماذا كان الجواب :

-            سأل أسامة بن زيد فقال أسامة : ( هم أهلُك يارسول الله , والله لا نعلم إلا خيراً )

-            وسأل بريرة فقال ( أي بريرة , هل رأيت من شيء يَريبكِ من عائشة ؟فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قطُّ أغمصه- أي أعيبه – عليها, أكثرَ من أنها جاريةٌ حديثة السنِّ , تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجنُ فتأكله )

أي أنه ليس فيها شيء من ذلك , بل هي جارية صغيرة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الشاة فتأكل العجين .

-            وسأل ضُرتَها زينب فماذا كان جوابها ؟!

قال لها : (ما علمت ؟ أو ما رأيت؟ فقالت يارسول الله : أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً ).

كلها في البخاري (4141 ) ومسلم (2770)

 

ما أعظمها من كلمة ( أحمي سمعي وبصري )

·     كثُر الرجال في بيت عتبان بن مالك والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم ,(فقال رجل منهم ما فعل مالك لا أراه، فقال رجل منهم ذاك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله : لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فقال الله ورسوله أعلم أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين , قال رسول الله : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) البخاري (1186)

·      عن زيد بن أسلم أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما لقرائنا هؤلاء أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبنُنَا عند اللقاء ! فقال له عوف : كذبت ، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه . قال زيد قال عبد الله بن عمر : فنظرت إليه متعلقا بحَقَبِ ناقةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبه الحجارة يقولإنما كنا نخوض ونلعب فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم:- ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون )      تفسير ابن كثير والطبري

الحَقَبُ : حزام يُشدُّ به حِمْلُ البعير .

·     عن سعيد بن المسيِّب قال : (كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبُك , ولا تظنن بكلمةٍ خرجت من امرئٍ مسلمٍ شراً وأنت تجدُ لها في الخير محملاً ....)

نضرة النعيم 10/4665 نقلا عن شعب الإيمان للبيهقي

6 – قصة وعبرة ( شرٌ في الظاهر وباطنه كلُّه خير ):

 عن أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقة. فقيل مَنَعَ ابنُ جميل وخالدُ بن الوليد والعباسُ عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله,  وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله , وأما العباس فهي عليَّ ومثلُها معها , ثم قال يا عمر:  أما شعرت أن عَمَّ الرجلِ صِنْوُ أبيهِ )

     البخاري( 1468) – ومسلم( 983)

·     الأعتاد : آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها 

·     قوله صلى الله عليه وسلم: (هي علي ومثلها معها)         معناه : (أني تسلفت منه زكاة عامين)

ففي الظاهر ان خالداً منع زكاة ماله , ولكن الحقيقة أنه وقفها كلها في سبيل الله , والعباس عم النبي كذلك في الظاهر قد منع الزكاة, ولكنه في الحقيقة له الفضل بأن أقرض النبيَّ rزكاة عامين قادمين .

ملاحظة : هنا ينبه الخطيبُ الناسَ إلى منهج التثبت في الأخبار , وأن الباطن قد يكون على غير ما يبدو للناس.

7– منهج المسلم في الظن بأخيه :

قال ابن قدامة رحمه الله :

فليس لك أن تظن بالمسلم شراً, إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل , فإن أخبرك بذلك عدلٌ فمال قلبك إلى تصديقه ،كنت معذوراً, لأنك لو كذبته كنت قد أسأت الظن بالمخبر, فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيئه بآخر؛ بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟ فتَتَطَرَّق التهمةُ حينئذ بسبب ذلك .

ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم, فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير, فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك, فلا يلقي إليك خاطرَ السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة .

وإذا تحققت هفوة مسلمٍ فانصحه في السر.

واعلم أن من ثمرات سوء الظن التجسس, فإن القلب لا يقنع بالظن, بل يطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وذلك منهي عنه , لأنه يوصل إلى هتك ستر المسلم , ولو لم ينكشف لك كان صدرك أسلم .

    مختصر منهاج القاصدين 172


http://shamkhotaba.org