أشجّ بني أميّة: الخليفة الكامل
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 4 يونيو 2020 م
عدد الزيارات : 2490
مقدمة:
المَوْتور الحاقد الحاسد يحاول النّيل من أيّ شيءٍ يتعلّق بخصومه، ولو تراباً، في حين أنّ أهل الجاهليّة -على جاهليّتهم- ما رضوا الدّخول على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيته ليلة الهجرة، ولمّا صفع أبو جهلٍ السّيّدة أسماء أصرّ عليها بالكتمان لئلّا تخرم مكانته.
أمّا الطّائفيون الحاقدون فحقدهم يعميهم ويصمّهم، كما فعلوا بقبر (الخليفة الكامل) كما أسماه الشّيخ عليّ الطّنطاويّ رحمه الله في كتابه (رجالٌ من التّاريخ).
وإنّنا حينما نتذكّر العمالقة بفعل السّفهاء؛ حريٌّ بنا أن نتذكّر الصّفاء من أيّامهم المباركة، وحينما تمرّ سيرتهم العاطرة الزّاهرة ننسى الحاقدين وأحقادهم والجاهلين وجهلهم والحاسدين وحسدهم، ولا نتذكّر إلّا أقماراً في سماء الأمّة، وشموساً تختفي منها كواكب الجوزاء، وقد أحسن من قال: ذِكر الجفاء وقت الصّفاء من الجفاء.
وإنّنا في هذه العجالة لن نستطيع أن نوفّي حقّ عظيمٍ من عظماء الأمّة وخليفةً من خلفائها، مع أنّ فترة خلافته قصيرة الأمد لكنّها عظيمة النّفع، صحيحٌ أنّها لا تساوي في حساب الزّمن شيئاً، لكنّ كلّ ثانيةٍ فيها مدرسةٌ في الزّهد والعدل والتّراحم والعلم والفتوحات.
فإليكم أيها السّادة سطرٌ من قمطرٍ، وغيضٌ من فيضٍ، وأزهارٌ من حدائق هذا الخليفة، علّ صحوةً تأخذ بنواصي شبابنا إلى الرّعيل الأوّل وإلى القدوات الأفذاذ.
1- نطفةٌ ميمونةٌ ونسمةٌ مباركةٌ؛ فالشّيء من معدنه لا يُستغرب
"كان سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يعسُّ ليلاً، (يفتّش) على عادته، فمر بخباء قومٍ من الأعراب، فسمع امرأةً تقول لابنتها: امذقي لبنك، قالت البنت: أما سمعتِ منادي عمر ينهى النّاس عن ذلك؟ قالت الأمّ: امذقيه، فإنّه لا يدري بك عمر، ولا منادي عمر، قالت: ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، وإن كان عمر غائباً فإنّ ربّ عمر حاضرٌ يسمع ويرى.
هكذا كانوا يا سادة، كان الحاكم يرجو رضا الله ومصلحة النّاس حين يأمر وحين ينهى، وكان النّاس يتقرّبون إلى الله بطاعة الحاكم لأنّهم يرون طاعته من الدين.
قال عمر لغلامه: علِّم الخباء، وذهبا.
فلمّا كان غد، سأل عنها فإذا هي فتاةٌ يتيمةٌ، فجمع ولده؛ فقال: ها هنا امرأةٌ صالحةٌ، فمن يريد الزّواج منكم؟ قال ابنه عبد الله: لي زوجةٌ، وقال الآخرون: لنا زوجاتٌ، وقال ابنه عاصمٌ: لا زوجة لي، فزوّجه بها، فكانت خير امرأةٍ وأفضلها، فولدت له بنتاً، دعاها أمّ عاصم، ونشأت مثل أمّها نشأة خيرٍ وصلاحٍ، وأراد عبد العزيز بن مروان الزّواج، فقال: دلّوني على امرأةٍ صالحةٍ، فدلّوه عليها، فتزوّجها، فولدت له عمر.
فعمر بن عبد العزيز، كان ابن أمّ عاصمٍ بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب، فمن هنا جاءت هذه الأخلاق العمريّة.
ثمّ إنّ أباه أراد له خير ما يريد أبٌ لولده، فسلّمه إلى الإمام الحبر شيخ المسلمين (عبد الله بن عمر)، فربي بإشرافه، فما ظنّكم بمن يربّيه عبد الله بن عمر، ويتولّاه الفحول: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأنس والسّائب وعروة؟". رجالٌ من التاريخ، الشّيخ عليّ الطّنطاويّ، ص٩٧-٩٨
"كان نحيف الجسم، غائر العينين، أبيض، رقيق الوجه، بجبهته أثر شجّة دابّةٍ، شجّته عندما كان صغيراً، لذلك يقال له أشجّ بني أميّة، ويكنّى بأبي حفصٍ نسبةً إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه". التّاريخ الإسلاميّ - العهد الأمويّ، الشّيخ محمود شاكر، ص٢١٨
قال سفيان الثّوريّ: "الخلفاء خمسةٌ: أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمر بن عبد العزيز". تاريخ الخلفاء، السّيوطيّ، ص٢٠١
كيف لا يعادونه وقد اقتبس الضّياء حسّاً ومعنىً من جده الفاروق؛ الّذي أرعب شياطين الإنس والجنّ؟!
2- موكب الخلافة
"ما كاد التّابعيّ الجليل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ينفض يديه من تراب قبر سلفه سليمان بن عبد الملك، حتّى سمع للأرض من حوله رجّةً، فقال: ما هذه؟ فقالوا: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين، قد أُعدّت لك لتركبها، فنظر إليها عمر بطرَف عينه، وقال بصوته المتهدّج الّذي نهكه التعب وأذبله السّهر: ما لي ولها؟! نحُّوها عنّي بارك الله عليكم، وقرِّبوا لي بغلتي؛ فإنّ لي فيها بلاغاً، ثمّ إنّه ما كاد يستوي على ظهر البغلة حتّى جاء صاحب الشُّرَط ليمشي بين يديه ومعه ثلّةٌ من رجاله اصطّفوا عن يمينه وعن شماله وفي أيديهم حرابهم اللّامعة، فالتفت إليه وقال: ما لي بك وبهم حاجةٌ، فما أنا إلّا رجلٌ من المسلمين، أغدو كما يغدون، وأروح كما يروحون، ثمّ سار وسار النّاس معه حتّى دخل المسجد، ونودي في النّاس: الصلاةَ جامعةً ، الصلاةَ جامعةً ، فتسايل النّاس على المسجد من كلّ ناحيةٍ، فلمّا اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّي قد ابتُليت بهذا الأمر على غير رأيٍ منّي فيه ولا طلبٍ له ولا مشورةٍ من المسلمين، وإنّي خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم خليفةً ترضونه، فصاح النّاس صيحةً واحدةً: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فَلِ أمرنا باليُمن والبركة". صورٌ من حياة التّابعين، د. عبد الرّحمن رأفت الباشا، ص٨٧-٨٨
3- يومٌ في خلافته
"لم يسكن قصور الخلافة، وإنّما أقام في داره -في موضع السّميساطيّة- اليوم بجوار الأمّوي عند باب العمارة، وما زال يبيع ما فيها من الأثاث والرّياش حتّى عادت قفراً، وكان يصلح فيها بيده إن وجد في وقته فراغاً، ولقد جاءت امرأةٌ مرَّةً من أقاصي إيران لتقابل الخليفة، فسألت عن قصره فدلّوها، فوجدت داراً عاديّةً ليس فيها إلّا خادمٌ صغيرٌ، فدخلت فإذا رجل يطيِّن جداراً وامرأةٌ تناوله الطّين، قالت لها: ألا تحتجبين من هذا الطّيّان؟ قالت: إنّه أمير المؤمنين! وكانت هذه المرأة الّتي رضيت أن تشتغل أجيرة طيّانٍ؛ فاطمة زوجة الخليفة، وقريبة الخلفاء التّسعة!". رجالٌ من التاريخ، الشّيخ عليّ الطّنطاويّ، ص١٠١-١٠٢
عن الفهريّ عن أبيه، قال: "كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفّاح الفيء، فتناول ابنٌ له صغيرٌ تفّاحةً، فانتزعها من فيه، فأوجعه فسعى إلى أمّه مستعبراً، فأرسلت إلى السّوق فاشترت له تفّاحاً، فلمّا رجع عمر وجد ريح التّفّاح، فقال: يا فاطمة هل أتيت شيئاً من هذا الفيء؟ قالت: لا، وقصَّت عليه القصّة، فقال: والله لقد انتزعتها من ابني لكأنّما نزعتها عن قلبي، ولكن كرهت أن أضيّع نصيبي من الله عز وجل بتفّاحةٍ من فيء المسلمين". صفة الصّفوة، ابن الجوزيّ، ج٢، ص٧٠
"توفّي رضي الله عنه لعشر ليالٍ بقين من رجب سنة إحدى ومئة، وهو ابن تسعٍ وثلاثين سنةً وأشهرٍ، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهرٍ، ومات بدير سمعان وقُبر هناك". صفة الصّفوة، ابن الجوزيّ، ج٢، ص٧٤
"هذه أطرافٌ من قصّة رجلٍ، لو أنّ متخيّلاً تخيّل أنبل السّجايا الإنسانيّة لما كانت إلّا من سجاياه، رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، قصّة حاكمٍ لو توهّم متوهّمٌ أكمل صفات الحكّام لما كانت إلّا من صفاته". رجالٌ من التّاريخ، الشّيخ عليّ الطّنطاويّ، ص١٠٧-١٠٨
{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} [النّور: 11].
ربّما قد تسلّط الطّائفيّون على ترابٍ التصق اسمه بعظيمٍ من عظماء الأمّة ليكون درساً للأمّة أن ترجع إلى قدواتها، وإلى منابع الخير من فلذات كبدها، ولهي دعوةٌ صارخةٌ لأهل الحقّ من شباب الأمّة أن يلتفّوا حول الرّبّانيين ليربطوهم بالأوائل الكبار.
ولئن كانوا قد دنّسوا التّرب؛ فإنّنا نحسب أمير المؤمنين في مقام القرب.
ولئن ظنّوا أن ينالوا من كرامته؛ فما ازداد من أحبابه وأتباعه إلّا حبّاً وتعلّقاً بشخصيّته الكريمة وخصاله العظيمة.
ولعلّها قدحة زنادٍ وصرخة منادٍ لشباب الأمّة أن يستفيقوا...
 

http://shamkhotaba.org