ذنوبنا تؤخر نصرنا‎
الكاتب : عصام الصبيحي
السبت 12 أبريل 2014 م
عدد الزيارات : 8270
مقدمة:
إن المسلم حتى وإن كان طائعاً فلا بد له من أن ينكسر بين يدي الله متذللاً متضرعاً معترفاً بذنوبه ، فالمسلمون يوم أحد كان حالهم أن شكوا إلى الله ذنوبهم واعترفوا بتقصيرهم متذللين متخشعين مستغفرين ، فكان هذا الاعتراف سبباً في نصرهم وعزهم.
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال المجاهدين اليوم ، أن يرجعوا إلى الله ويعترفوا بذنوبهم ويستغفروا ويتوبوا ، بل وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال كل المسلمين اليوم.
ودونك الآيات التي تتحدث عن ذلك:
قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(148)
قوله تعالى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا فيه قولان: أحدهما: أنه النصر، قاله قتادة. والثاني:
الغنيمة، قاله ابن جريج. وروي عن ابن عباس، أنه النصر والغنيمة.
وفي حسن ثواب الآخرة قولان: أحدهما: أنه الجنة. والثاني: الأجر والمغفرة. وهذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين ما يفعلون ويقولون عند لقاء العدوّ.
                 تفسير ابن كثير
عناصر الخطبة:
1- أنهلك وفينا الصالحون ؟
2- أثر المعصية على الفرد .
3- أثر الذنوب على المجتمع ( سبب ظهور الأوجاع الفتاكة، وارتفاع البركة من الأقوات ).
4- المعاصي سبب الذل الذي نعيشه، بينما الطاعات سبب العزة.
5- الذنوب سببب الهزيمة.
6- الله قادر على إهلاك الظالمين ولكن المشكلة بسبب ذنوبنا.
7- وجوب الإسراع بالتوبة.
 
 
1- أنهلك وفينا الصالحون ؟
قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}
قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]
قال سبحانه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45]
 
في صحيح البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم لنجوا جميعاً).
في الصحيحين أيضاً من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً، وفي لفظ في الصحيح: قام النبي صلى الله عليه وسلم من نومه عندها يوماً فزعاً، وهو يقول: لا إله إلا الله؛ ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعيه السبابة والإبهام، فقالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم؛ إذا كثر الخبث).
(إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده، ثم يدعونه فلا يستجاب لهم)، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم بسند صحيح.
 
2- أثر المعصية على الفرد :
يقول ابن عباس: وإن للمعصية سواداً في الوجه, وظلمة في القلب, ووهناً في البدن وضيق في الرزق وبغض في قلوب الخلق .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن المعصية في كتابه الشهير ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) :
1. حرمان العلم. فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
2. حرمان الرزق. وفي المسند  ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )
3. وحشة يجدها العاصي في قلبه لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلا، لو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة.
وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة , وما لجرُحٍ بميتٍ إيلامُ.
4. الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس لا سيما أهل الخير منهم.
وقال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
5. تعسير أموره.
6. ظلمة يجدها في قلبه، حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم.
7. أن المعاصي توهن القلب والبدن.
8. حرمان الطاعة.
9. أن المعاصي تقصّر العمر وتمحق بركته. 
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم
وصـنها بطاعة الله فإن الإلــه ســريع الــنقم
10. أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها .
 
3- الذنوب سبب ظهور الأوجاع الفتاكة، وارتفاع البركة من الأقوات والأرزاق.
يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في سنن ابن ماجه والبيهقي ومستدرك الحاكم وغيرها بسند صحيح من حديث عبد الله ابن عمر, قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم  بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن, لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم", "لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها" لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم, ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان  ولم يمنعوا زكاة أمولاهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا, ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في إيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جُعل بأسهم بينهم".
 
4- المعاصي سبب الذل الذي نعيشه، أما الطاعات فسبب العزة:
في مسند أحمد وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايعتم بالعينة -والعينة نوع من أنواع البيوع الربوية المحرمة- ورضيتم بالرزع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: كلا، ولكنكم يومئذٍ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، ويقذف في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
قال جل وعلا: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26].
- الطاعات سبب العزة:
قال جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} [النور:51 - 52]
قال تعالى:( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) المنافقون /8/
 
5- الذنوب سببب الهزيمة:
في غزوة أحد
"حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ" (آل عمران:152)؛ الفشل والتنازع والمعصية وحب الدنيا، أربعة أسباب رئيسية ذكرتها الآية لما حدث في أحد .. 
والله سبحانه وتعالى قد وعد عباده المؤمنين يوم أُحد بالنصر: "وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ".
معركة القادسية 
قام سعد بن أبي وقاص خطيباً فقال بعد أن حمد لله وأثنى عليه: "إن الله هو الحق لا شريك له في الملك، وليس لقوله خُلف، قال الله جل ثناؤه: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ" [الأنبياء:105]. إن هذا ميراثكم وموعود ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فأنتم تطعمون منها وتأكلون، وتقتلون أهلها وتجبرنهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة، عِزَّ من وراءكم. فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة؛ جمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرِّب ذلك أحداً إلى أجله، وإن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم تُوبقوا آخرتكم".
وقد كتب له الفاروق قبلها كتاباً فيه مفاتيح النصر فقال:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد.. فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العُدَّة على العدو، وأقوى العدة في الحرب , "وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، وعدتنا ليست كعدتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا ولن نغلبهم بقوتنا".
و في اليرموك  خطب أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة فقال: "يا عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم فإنَّ وعد الله حق، يا معشر المسلمين: اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، فلا تبرحوا مصافَّكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدأوهم بقتال، واشرعوا الرماح واستتروا بالدرق - أي الدروع - والزموا الصمت، إلا من ذكر الله".
 
6- الله قادر على إهلاك الظالمين والتأخر في ذلك بسبب ذنوبنا:
قال تعالى:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] انظر إلى الجواب وانظر إلى النتيجة: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فصلت:16 - 18]
وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّعَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6 - 14]
ولكن مصائب الظالمين هي بسبب :::
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم )آل عمران 165
والحل ( التوبة ): 
7- وجوب الإسراع بالتوبة:
لقي الفضيل بن عياض رجلاً، فقال له الفضيل: يا أخي! كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال الفضيل: إذاً: أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
 
قال الفضيل: يا أخي! هل تعرف معناها؟ قال: نعم، أني لله عبد، وأني إليه راجع، قال الفضيل: يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف بين يديه فليعرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول بين يديه فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: اتق الله فيما بقي من عمرك يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي من عمرك.
 
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
 
 
 

http://shamkhotaba.org