مقدمة:
إنّ الأحداث الّتي تُصاب بها الأمّة مهما كبرت أو صغرت، ومهما توالت وتلاحقت، لَتُكوِّنُ فرصةً للأمّة؛ تصقل من خلالها إيمانها بربّها، وتختبر ثوابتها، وتميّز الخبيث عنها، وهي لا شكّ أقدارٌ من الله جل جلاله، وكلّها خيرٌ محضٌ لها، ولو استثقلتها النّفوس وكرهتها، قال سبحانه: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النّساء: 19].
لكنّه يجب علينا كمؤمنين، أن نستذكر أموراً مهمّةً ونذكّر بها، لا سيّما مع ذهول كثيرٍ من النّاس عنها، فنقول: إنّ هذه الأحداث فرصةٌ لتأكيد العودة إلى الدّين والشّريعة الحقّة -غير المشوّهة- كتاباً وسنّةً؛ للاستقاء منها وتطبيق ذلك حسب فهم علماء السّلف والخلف رحمهم الله، وأن يكون هو المرجع الوحيد والأساس لكلّ شؤون حياتنا، لا أن تكون حياتنا وفق آراء سياسيّةٍ لا تمتّ إلى الشّرع بصلةٍ، تفرض على حكّامها التّنازل عن ثوابتها الدّينيّة، وتطمس هويّتهم الإسلاميّة، فيتخلّون عن مبدئٍ من أهمّ مبادئ عقيدتهم، ألا وهو: مبدأ الولاء والبراء؛ الّذي يجب أن يكون لله وحده
1- طبيعة اليهود كما صوّرهم القرآن
إنّ من الحقائق القرآنيّة البيّنة؛ أنّ اليهود أمّةٌ غضب الله تعالى عليهم ولعنهم على لسان أنبيائهم ورسلهم، قال عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].
وقال أيضاً: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60-61].
وقد ذكرهم الله بسوء فعالهم وقبيح خصالهم حينما حدّثنا عنهم بأنّهم الّذين طعنوا في ذات الله تعالى، وأفسدوا في الأرض، قال جل جلاله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
وهم الّذين افتروا على الله تعالى بأنّه فقيرٌ، قال سبحانه: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [المائدة: 181].
ولقد قتلوا الأنبياء وسفكوا الدّماء، قال عز وجل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112].
بل إنّهم قتلوا كلّ من قام داعياً إلى الصّلاح والإصلاح، آمراً بمعروفٍ أو ناهياً عن منكرٍ، قال جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21].
أمّا تاريخهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو تاريخٌ حافلٌ بالدّسائس والمؤامرات، فقد سعوا في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّاتٍ، شأنهم في ذلك شأنهم مع سائر الأنبياء، ولقد أخبرنا القرآن عنهم بأنّهم ناقضو العهود والمواثيق، قال سبحانه: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].
وإنّ علاقتهم مع المسلمين علاقة عداوةٍ، قال عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
فقد قدّم عداوتهم على عداوة المشركين، وإنّ هذه المعاني كلّها مستقرّةٌ في عقولنا، راسخةٌ في أذهاننا، ولكنّ ناساً في زماننا أرادوا أن يزلزلوها، حيث فجعوا المسلمين –بالأمس- بذلك الإعلان الأثيم؛ التطبيع مع المحتلّين وقتلة المسلمين.
2- مفهوم التطبيع ومخاطره
التّطبيع: كلمةٌ خادعةٌ، وهو مصطلحٌ من مبتكرات الصّراع العربيّ الإسرائيليّ، يُقصد به: تحويل آليّات الصّراع إلى آليّاتٍ للسّلام، والتّبادل السّلميّ النّشط في كافّة المجالات، كالتّسليم بوجود إسرائيل، وتصحيح تصوّرات المسلمين عن اليهود، ليفهموهم من جديدٍ بأنّهم شعبٌ وديعٌ محبٌّ للسّلام، والتّسليم بالمطالب الأمنيّة والإقليميّة الّتي تفرض قيام علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ، وتبادلاً سياسيّاً واقتصاديّاً وسياحيّاً، بين اليهود وبين العرب والمسلمين، ولقد جاء القرآن محذّراً من حرمة التّطبيع مع أعداء الله جل جلاله؛ من اليهود وغيرهم من الظّالمين، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
فقد نهانا ربّنا سبحانه أن نتّخذ عدوّه وعدوّنا أولياء نودّهم، وهم قد كفروا بديننا وأخرجونا من ديارنا، وقال عز وجل: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].
وأمرنا أن نوالي الله ورسوله والمؤمنين، فقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55].
ولو أنّ أولئك الّذين انجرفوا مع مهزلة التّطبيع؛ تدبّروا كلام ربّهم عز وجل لكان لهم حصناً واقياً من الانجراف في مهاوي التّيه و الضّلال، ولكنّهم جهلةٌ سفلةٌ خُدعوا بكلماتٍ إعلاميّةٍ برّاقةٍ، سقطوا بعدها وانسلخوا من مبادئهم وقِيمهم، وإنّ القلب ليعتصر أسىً وحزناً وكمداً، عندما نرى من يدّعي الإسلام؛ يدعو للسّلام مع الصّهاينة الماكرين، بل يقول: إنّ اليهود لهم الحقّ في فلسطين وإنّ التّاريخ يُثبت ذلك، و يحتفل معهم على أرضه العربيّة المسلمة، وقد نسي دماء الشّهداء من بلده ومِن سواه، عبر سبعين سنةٍ، فداءً للدّين والأرض والعرض والمقدّسات، ولا ننسى في الوقت الّذي نحذّر فيه من موالاة اليهود -ونعتبر التّطبيع معهم جريمةً لا تُغتفر-أن نتساءل: أليس التّطبيع مع النّظام القمعيّ -الأسديّ- الخادم للكيان أشدّ إجراماً؟! أليس الّذي يقف مع الجلّاد -الّذي يفقأ العيون ويحرق الأجساد ويدفن النّاس وهم أحياء ويجرّب بالأبرياء كلّ أنواع الأسلحة- هو الأجدر بالمقاطعة؟! العجب كلّ العجب ممّن يدافع عن الطّغاة المجرمين وهم الّذين فاقوا كلّ احتلالٍ في الأرض بإجرامهم، ثمّ يقبع تحت سيطرتهم ويسبّح بحمدهم ويتهكّم بالتّطبيع مع الصّهاينة!
3- أين نحن من هويّتنا الإسلاميّة؟
إنّ هويّة المسلم تتمثّل في حفاظه على دينه واعتزازه به، وتمسّكه بتعاليمه في صغير الأمور وكبيرها، قال عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
وإن الدّين في المنظور الإسلاميّ هو النّظام والمنهج الّذي يحكم جميع جوانب الحياة، ولذلك فإنّ الهويّة تعني كامل الانتماء بكل أبعاده المادّيّة والمعنويّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة، ولا تقتصر على مجرّد الانتماء العصبيّ أو العنصريّ أو الجغرافيّ، قال جل جلاله: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138].
فالصّبغة هي الهويّة، والهويّة هي الإسلام، والإسلام يصبغ الإنسان بصبغةٍ خاصّةٍ في عقيدته وفكره ومشاعره وأهدافه وسلوكه، قال الإمام القرطبيّ في تفسيره للآية السّابقة: "صِبْغَةُ اللَّهِ أَحْسَنُ صِبْغَةٍ وَهِيَ الْإِسْلَامُ، فَسُمِّيَ الدِّينُ صِبْغَةً اسْتِعَارَةً وَمَجَازًا مِنْ حَيْثُ تَظْهَرُ أَعْمَالُهُ وَسِمَتُهُ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ".
إنّ المسلم الصّادق هو من يعتزّ بدينه، ويشعر بأنّه متملّكٌ للحقّ الفريد الّذي لا يُشركه فيه غيره، وتكون شخصيّته متميّزةً، لها هويّتها المستقلّة الفذّة؛ الّتي تمتلئ اقتناعاً بسلامة طريقها ومنهجها، قال عز وجل: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161].
لنتأمّلْ ثبات سحرة فرعون على الحقّ، حينما اعتزّوا بدينهم الّذي آمنوا به، لم يأبهوا لتهديد فرعون لهم بالقتل والصّلب، قال سبحانه: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
بل لم يقف الأمر منهم عند هذا فحسب، فقناعتهم بصحّة اختيارهم وسلامة ما هم عليه دفعهم لبيان الحقّ، قال عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 74-75].
فأين هذا من واقع المسلمين اليوم وهم يرون صور التّقليد والتّبعية والتّطبيع مع اليهود، والانحلال من قيود الشّرع والدّين من أجل عرضٍ من الدّنيا قليلٍ؟!
بل لقد غدا بعض من ينتسب لهذا الدّين يخجل من أن يُعلن عن انتمائه إلى إسلامه، ويعتبره نقصاً ورجعيّةً وتخلّفاً، و يتمنّى أن تتبدّل أحكام الدّين لترضى عنّا أممٌ، ولتصفّق لنا دولٌ، ويا للعجب من هؤلاء الّذين زيّن لهم شيطانهم الخبيث بأنّ التّمسّك بالدّين والاستقامة على شرع الله عز وجل -الّذي هو طريق العبد لسعادة الدّنيا والفوز بالجنّة- أضحى نقصاً وتخلّفاً أو إرهاباً وتشدّداً، وما حصل هذا التّفكير الخبيث إلًا يوم أن جهلت الأمّة حقيقة دينها وأنّه الحقّ، ثم غُيّبتْ وأُنسيتْ أو تناست بأنّ ما سوى هذا الحقّ باطلٌ ولا شكّ، بهرتها حضارةٌ برّاقةٌ، وما تغني إذا كان مآلها في الدّنيا الزّوال، ولأهلها في الآخرة البوار؟!
لقد علم أعداؤنا هذا علم يقينٍ فكان هو شغلهم الشّاغل، حيث جاء في صحيفةٍ يهوديّةٍ (يدعوت أحرنوت): "إنّ على وسائل إعلامنا ألّا تنسى حقيقةً هامّةً؛ هي جزءٌ من استراتيجيّة إسرائيل في حربها مع العرب، هذه الحقيقة هي أنّنا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألّا نغفل لحظةً واحدةً عن تنفيذ خطّتنا في منع استيقاظ الرّوح الإسلاميّة بأيّ شكلٍ وبأيّ أسلوبٍ، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أيّة بادرةٍ ليقظة الرّوح الإسلاميّة في المنطقة المحيطة بنا".
رسالة الختام:
عندما كان الاعتزاز بالهويّة الإسلاميّة شعارنا؛ انقلبت موازين الأرض من أجلنا، ففي يوم الفتح المجيد -فتح مكّة المكرّمة- دانت لنا كفرة العرب قاطبةً، إذ كانت النّفوس أبيّةً عزيزةً، تعالت فوق شهواتها ومصالحها، فكان النّصر من الله تعالى من دون أن تُراق قطرة دمٍ، ولكن بعد قرونٍ من الزّمن، ضاعت هوية الأمّة الإسلاميّة، وتذلّل المسلمون على أعتاب الكفرة المغتصبين، فحاقت بهم صنوف الذّلّ والهوان.
واليوم: إن أردنا أن نتخلّص من هذه المهانة الّتي أحاطت بنا؛ علينا أن نعود من جديدٍ إلى هويّتنا الإسلاميّة، فنتمسّك بها، ونعتزّ بشخصيّتنا، وننتصر من قلوبنا على نفوسنا وشياطيننا، فلا نرضى بالإسلام بدلاً، بل نجعل ولاءنا وبراءنا لله وحده، نسالم أولياء الله، ونحارب أعداءه، وحينئذٍ نكون أهلاً لأن يستخلفنا الله في أرضه، ولأن يبدلنا بالخوف أمناً، وبالذّلّ عزّاً، وبالهوان رفعةً وتمكيناً ونصراً وسؤدداً.
http://shamkhotaba.org