مقدمة:
إنّ ما يقوم به النّظام المجرم؛ مِن القصف والتّدمير، منذ سنواتٍ عديدةٍ -لا سيّما في الآونة الأخيرة على قرى جبل الزّاوية وما حولها- لم يعد خافيًا على أحدٍ منّا، حيث شنّ حملةً جنونيّةً همجيّةً بطائراته وبراميله المتفجّرة، وحممه البركانيّة الّتي صبّها فوق رؤوس الأطفال والنّساء، والشّيوخ والصّغار، فهدّمت منازلهم فوق رؤوسهم، وسالت بِرك الدّماء من أجسامهم، وتحوّلت أجسادهم إلى أشلاء تطايرت في الهواء، وإنّ هذا ينبغي أن يكون موقظًا لكلّ مسلمٍ من غفلته، ودافعًا له للقيام بنصرة إخوانه، والوقوف معهم صفًّا واحدًا في وجه هؤلاء الطّغاة المجرمين، وإنّ مِمّا أثلجت صدورنا في الأمس: تلك المواقف المشرّفة الّتي قام بها أبطال درعا البلد، حيث أعادوا الأمل، فخرق القلوب مِن جديدٍ، وبدّد الحزن والهمّ الّذي أصاب النّفوس، وطرد اليأس الّذي كاد أن يسيطر على القلوب، بعد العديد من الهجمات الشّرسة الّتي قام بها النّظام المجرم ومَن معه، مِن ميلشيات الرّوافض والرّوس الملحدين وغيرهم، على قرى وبلدات الشّمال المحرَّر منذ أكثر من عشر سنواتٍ، إنّهم ثلّةٌ مِن الرّجال المجاهدين الأبطال وقفوا في وجه ذلك التّآمر النّصيري الرّوسي لتهجير مَن بقي مِن أهل درعا، أو إركاعهم مِن جديدٍ، ليعودوا أذلّاء تحت ربقة ذلك النّظام المجرم الفاجر، فكان أبطال درعا لهم بالمرصاد؛ لصدّ تلك الحملة الشّرسة على بلدهم، وقفوا مع بعضهم متكاتفين في خندقٍ واحدٍ، فسطّروا الملاحم والبطولات، وفتحوا كثيرًا مِن القرى والبلدات، ومِن هنا يتوجّب علينا التّذكير بحقيقةٍ لا تخفى على أحدٍ، ألا وهي: وجوب التّناصر بين المسلمين، قال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَو طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيه مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ).
1- مِن واجب المسلمين، نصرة المظلومين
إنّ رابطة الإسلام هي أعظم رابطةٍ تجعل النّاس إخوةً متحابّين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].
وإنّ هذه الأخوّة الإيمانيّة أعظم مِن أخوّة النّسب، حيث تبقى معهم في دنياهم وفي أخراهم، قال سبحانه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزّخرف:67].
وإنّ مِن أعظم حقوق المسلم على أخيه وجوب نصرته، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ).
وإنّ نصرة المظلومين هذه، واجبٌ إسلاميٌّ، وتعاضدٌ إيمانيُّ، وقوّةٌ للمسلمين، وعزّةٌ للمؤمنين، تُوقظ الهمم مِن سُباتٍ، وتجمع المسلمين في صفٍّ واحدٍ، وعلى قضيّةٍ واحدةٍ مع الكرامة والتّضحية، ولكن إذا ضعفت النّصرة بين المسلمين -كما هو حالنا اليوم- تسلّط العدو، ونكّل بالمسلمين، وسلب الأرض، وانتهك العرض، ومَن تقاعس عن نصرة المظلوم ذلّ في دنياه، وخسر في أخراه، وإنّ أحداث اليوم بأكملها ماهي إلّا امتحانٌ للنّفوس، وتمحيصٌ للصّفوف، ليعلم الله جل جلاله مَن يتمسّك بالحقّ في وجه الباطل، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
إنّ مِن أعظم الفتوحات الإسلاميّة على ممرّ التّاريخ: (فتح مكّة)، وإنّ مَن قرأ عن هذا الفتح المبين، يجد أنّ سببه نصرة النّبي صلى الله عليه وسلم لمِن استنصر به، وَكَانَ سَبَبُ الْفَتْحِ -بَعْدَ هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ- مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهري، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا قَالَا: كَانَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ وَقَالُوا نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقَالُوا نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةَ أَوِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا. ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ لَيْلًا بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ مَا يَعْلَمُ بنا محمد وهذا الليل وما يرانا من أَحَدٌ، فَأَعَانُوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَقَاتَلُوهُمْ مَعَهُمْ لِلضَّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ عِنْدَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ يخبر الْخَبَرَ وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتَ شِعْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نُصرتَ يا عمرو بن سالم)، فما برح حَتَّى مَرَّتْ بِنَا عَنَانَةٌ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هَذِهِ السَّحابة لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ)، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النّاس بِالْجِهَازِ وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعَمِّيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ.
2- حاجتنا للتّفاؤل والأمل المقرون بالعمل
إذا اشتدّتْ على اليأس القلوبُ وضاق لما به الصّدر الرّحيبُ
ولم ترَ لانكشاف الضّرّ وجهًا ولا أغنى بِحِيلته الأريبُ
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ يمنُّ به اللّطيف المستجيبُ
لقد أُصيبت الأمّة اليوم بمصائب عظيمةٍ، قد تُورث المرء لونًا مِن اليأس والقنوط، الّذي هو قاتلٌ للرّجال، ومثبّطٌ للعزائم، ومحطّمٌ للآمال، وفي أوقات الأزمات تعظم الحاجة لاستحضار التّفاؤل، ومَن تأمّل سيرة النّبي صلى الله عليه وسلم وجد تأكيده على التّبشير في موضع الخوف، وبسط الأمل في موضع اليأس والقنوط، عن خَبَّابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ).
هكذا غمر التّفاؤل حياة النّبي صلى الله عليه وسلم، ورسّخه مبدأً ساميًا، وربّى عليه الأوائل الأبطال، وكم نحن بحاجةٍ إلى مثل هذا الأمل؛ الّذي يُحيي النّفوس، مع العمل الّذي يرفع عن الأمّة حالة الذّلّ والهوان، وإنّ أخطر شيءٍ في حياة المرء أن يعيش بلا أملٍ، أو مع أملٍ فارغٍ عن العمل، فيسقط ولا ينهض، وتغدو الحياة في منظاره قاتمةً سوداء، يندفع عندئذٍ -ربّما- إلى العنف والقتل.
لقد علّمنا ديننا الحنيف التّفاؤل والصّبر، وتحمّل الشّدائد والمصاعب، مستعينين بالله عز وجل وحده، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النّحل: 127].
وحذّرنا مِن التّشاؤم، الّذي يَفُتّ في عضد المسلمين، ويصيبهم بالحزن والقنوط، وإنّنا في هذه الأيّام بعد أن كاد اليأس يستولي على بعض القلوب، بسبب ما يتعرّضون له مِن شدائد ومحنٍ مِن جهةٍ، ومِن فتورٍ عند بعض المجاهدين في إشعال الجبهات مِن جهةٍ ثانيةٍ، حتّى كاد النّاس أن يغيّروا نظرتهم في المجاهدين، ويتّهمونهم بالعمالة والخيانة، فإذ بهم منذ أيّامٍ يطلق مجاهدو درعا أكبر العمليّات القتاليّة ضدّ النّظام وأعوانه في درعا وما حولها، ليُبرهنوا للعالم أنّ تلك المدّة الّتي قعدوها ماهي إلّا استراحة مجاهدٍ، ليبدأ مِن جديدٍ، ولقد فتح الله لهم، وحطّم أمامهم السّدود، ونسأل الله لهم الثّبات والنّصر حتىّ يحرّروا بلدهم من رجس الطّاغية، فنحن أمّةٌ لا يعرف اليأس إلى قلبها طريقًا، أمّةٌ صامدةٌ لا ترضى الاستسلام، أمّةٌ ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءها على التّفاؤل في كلّ حينٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَال: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ).
خاتمةٌ:
إنّ العالم كلّه اليوم شاهدٌ على الأحداث الجارية في شامنا الحبيب، وعلى بشاعة الإجرام الّذي يقوم به النّظام النّصيريّ، وحلفاؤه مِن الرّوس الملحدين، حيث يستخدمون كلّ أنواع القمع والتّعذيب والتّنكيل، ضدّ الضّعفة والعزّل والأبرياء، والرّضّع والأطفال، والشّيوخ والنّساء، في صورٍ مِن الوحشيّة، لا يُقدم عليها مّن يملك ذرّةً من الضّمير الإنسانيّ، وإنّ هذه الأحداث كلّها لَتستوجب منّا اليقظة والتّذكّر والاعتبار، لِتوقظنا مِن سباتنا العميق، حتّى نقوم بواجبنا تجاه ربّنا جل جلاله؛ بتجديد التّوبة والإنابة معه، ونقوم في الوقت ذاته بنصرة إخواننا المستضعفين المظلومين، حيث أنّ نصرتهم واجبٌ إيمانيٌّ، أوجبه علينا ديننا الحنيف، ولنكن متفائلين بربّنا وحده، واثقين بأنّه ناصرٌ دينه، ومؤيّدٌ أولياءه، ومهلكٌ أعداءه، في الوقت الّذي يشاء، ولنتمسّكْ بإسلامنا، ففيه عزّنا وقوّتنا، ولنربطْ بين التفاؤل وحسن الظّن بالله سبحانه، وبين العمل الدّؤوب، حتّى تتحقّق الآمال والطّموحات، ولنحوّلْ ما يصيبنا مِن ألمِ إلى أملٍ، ومِن محنةٍ إلى منحةٍ، حتّى تتقدّم الحياة ويستمرّ عطاؤها.
http://shamkhotaba.org