الحمد رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
كثير من الناس يخلط بين مفهوم شهر رمضان وبين مفهوم الصيام ، وبينهما فرق جوهري أساسي ، فإن شهر رمضان جزء من الزمن ، فرض الله فيه على المسلم الصيام ،
والصيام عبادة ، فيها جانب الامتناع ، تقع في شهر رمضان ؛ كما تقع في شهر رمضان عبادات أخرى كثير ة منها : القيام والصدقة والبر وتفطير الصائم وقيام ليلة القدر والعمرة وغير ذلك ، و سنتحدث عن شهر رمضان في هذه المقالة والتعامل معه ، ثم عن بعض ما يتعلق بالصيام فيه .
- شهر رمضان أحد مخلوقات الله :
( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) سورة القصص (68)
من المفاهيم التي ينبغي للمسلم أن ينتبه لها أن شهر رمضان جزء من الزمن، والزمن مخلوق ، يخلق الله تعالى شهر رمضان في كل سنة كما يخلق الله تعالى بقية الأشهر .
وكون شهر رمضان مخلوق لم يجعل الله له إرادة الاختيار - شأن الأزمنة جميعا - يعني أنه مطيع لله رب العالمين يأتي بأمر الله ،والإنسان مخلوق أيضا إلا أن الله جعل للإنسان إرادة واختيارا .
من هنا ندرك أن علاقة المسلم برمضان علاقة مخلوق بمخلوق ، وشأن المخلوقين المربوبين لله تعالى أن يتعاونا ،وان يتناصحا ، وأن لا يكون بينهما تنافر ولا عداء .
فالمسلم يحب شهر رمضان شأن المخلوقين ، ويبني علاقته معه على التعاون ، فشهر رمضان لا يألوا أن يفتح للمسلم أبوابا بإذن الله من الخير لم تكن موجودة قبل رمضان .
فماذا ستقدم أخي المسلم لرمضان من هدية ؟ وكيف ستتعاون مع هذا المخلوق ؟
إن أول هدية تقدمها لرمضان أن تكون مثله طائعا لربك ، مستجيبا لدعوته ، لا تعصي الله في قليل أو كثير ، وباب التعاون مع رمضان واسع عريض ، فهو يأتي بأمر الله مع نهار تصومه وليل تقوم فيه .
وقد جعل الله لهذا الشهر من الفضل على الشهور الأخرى ما جعله في مقدمة الأشهر مكانة وفضلا .
-شهر رمضان يأتينا ولا نذهب إليه :
يمتاز شهر رمضان بحنوّه على الناس ،فلا يتكلف الناس الذهاب إليه ولا البحث عنه ولا يتخلف عن موعده ، بل يحمل معه الهدايا والبركة ، فانظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله - عَزَّ وَجَلَّ - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السَّماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مَرَدَة الشَّياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حرم خيرها فقد حرم ) رواه أحمد بسند صحيح
بينما يحتاج الإنسان إلى الذهاب إلى من يحب ليطلب منه المنح والهدايا وينتفع منهم بالبركة بإذن الله .
فالمسلم يذهب للحج ويحتاج إلى تكاليف للحصول على منافعه وليس كذلك شهر رمضان ، والصيام فيه عبادة متعلقة بالبدن وليست بالمال .
وإذا كان شأن رمضان الإقبال على الناس فشأن المسلم الإقبال على رمضان وحسن استقباله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) سورة البقرة ( 185).
- شهر رمضان عطاؤه عام :
لا يكتفي رمضان أن يمنح الخيرات بإذن الله للمكلفين بالصيام أو القادرين عليه فحسب ، وإنما خيراته وعطاؤه ينعم به الصغار والكبار والعاجزين عن الصيام والفقراء والمساكين والذكور والإناث ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس )سورة البقرة (185).
ومن الوفاء في التعامل مع رمضان أن نقوم بالواجب فيه جميعا صغارا وكبارا ،وفي كل أحوالنا .
-شهر رمضان خلّ كريم :
(فلينظرأحدكم من يخالل ) رواه الترمذي مرفوعا وحسنه
الصحبة الصالحة كحامل المسك ، ورمضان يصاحب المؤمن لمدة ينشر فيها عبيره ويطبع على أخلاق المؤمن أثر صفاته من البركة والخير والصبر والعفة وغيرها من الأخلاق الكريمة.
فلنحسن صحبة هذا الشهر ونأخذ منه أكبر قدر من الصفات الجميلة ، ولا ندع الفرصة تفوتنا .
-السمو الملائكي :
يختزن الإنسان في نفسه أربعة جوانب ، الجانب البهيمي والجانب الشيطاني والجانب الوحشي والجانب الملائكي ، فإذا أطاع الإنسان شهوته وجعلها أكبر همه من الدنيا من طعام وشراب وشهوة فقد طغى عليه الجانب البهيمي ، وإذا تمادى فاتبع الشبهات ودبّت إلى قلبه أمراض القلوب من الحسد والكبر والشك فقد طغى عليه الجانب الشيطاني ، وإذا استجاب الإنسان لانفعالات الغضب ولم يكبح جماح نفسه فيكظم غيظه فقد غلّب الجانب الغضبي فتحول إلى وحش يحطم ما أمامه .
لكن في الصيام يمتنع عن الطعام والشراب فيسمو عن البهيمية ، ويطيع ربه في توجهات قلبه فيتغلب على الجانب الشيطاني وإن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد ، ولينفذ أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا تغضب ،فيتحكم في انفعالته ؛ حينئذ يتحول إلى السمو الملائكي فيصبح أقرب إلى الملائكة ، وخاصة قبيل الغروب ( ثلاثة دعوتهم لا ترد – ومنهم – الصائم حتى يفطر ) رواه أحمد وهو صحيح بشواهده .
التعامل مع رمضان متعة يشعر بها من وفقه الله لفهم معاني الشهر وأدى حقه على أمثل حال .
نسأل الله أن يبلغنا رمضان بالأمن والإيمان والسلامة والإٍسلام وأن يفغر لنا فيه السيئات .
والحمد لله رب العالمين .