مقدمة:
إنّ من الهموم الّتي تسيطر على كثيرٍ مِن النّاس مسألة الرّزق، والبحث عن لقمة العيش، فترى بعض النّاس تغرّب عن بلده، وترك زوجته وأولاده وأهله ووطنه مِن أجل ذلك، وترى بعضهم قد ظهر على وجهه التّعب والإجهاد مِن آثار السّعي وراء لقمة العيش، والكثير يعيش تحت رحمة أرباب العمل، فترى الواحد منهم يعصره الهمّ والغمّ والكمد عصرًا.
وليعلم كلّ غنيٍّ وكلّ مسؤولٍ عن موظّفٍ وعاملٍ -عِلم اليقين- أنّه لن يصل لأحدنا مِن الدّنيا إلّا ما قدّر الله عز وجل له، ولن يزيد رزق أحدنا مهما كان حريصًا، ولن ينقص رزقه مهما كان زاهدًا فيه، فرزقنا مقسومٌ لا يزيد ولا ينقص، فعلينا الأخذ بالأسباب المشروعة للكسب الحلال، ونسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما رزقنا، لأنّ الله تبارك وتعالى إذا بارك للعبد فيما آتاه فحدِّث ولا حرج عن هذه البركة.
1- في التَّبكير رِزقٌ وفير
قولوا لِمن يشكو مِن قلّة الرّزق: انظر يومك، هل اغتنمته بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد خاطب صلى الله عليه وسلم الأمّة بقوله: (بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا).
ودعا لها بقوله: (اللهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا).
هل أنت يا مَن يشكو قلّة الرّزق تستيقظ في السّحر وتوقظ أهلك؛ كما جاء في الحديث الشّريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ رَشَّ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى رَشَّتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ).
وفي روايةٍ أخرى: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتِ).
وتصلّيان ما كتب الله لكما؟ ثمّ تسألان الله تعالى البركة في الرّزق، لأنّه ينادي في جوف اللّيل وقت السّحر حين يمضي ثلث اللّيل الأوّل: (أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ).
ثمّ بعد الدّعاء تتوجّه لصلاة الفجر في جماعةٍ وتبقى إلى طلوع الشّمس، ثمّ تصلّي صلاة الضّحى، ثمّ تتناول ما تيسّر من الطّعام، ثمّ تتوجّه إلى عملك؟
واللهِ إن فعلتَ ذلك أصبحت طيّب النّفس، مرتاح القلب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).
ما أجملك عندما تتوجّه لعملك باكرًا، ونور صلاة الفجر في وجهك، وقد بارك الله لك في رزقك.
2- التَّقصير في الذِّكر مجلبةٌ للفقر
حَـفِـظَ الله عبادَه بالأذكار والأوراد اليوميّة، فلا يُؤتى العبد إلّا مِن قِـبَـل تفريـطـه، فمن أُصيب مِن جرّاء تفريطه فلا يلومنّ إلّا نفسه، رُوي عن أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ عَفَّانَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ، فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ)، وَقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: (أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟).
فالمسلم محفوظٌ بحفظ الله ورعايته، ولكنّه هو الّذي يُضيّع نفسه.
وجاء عن عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: (قُلْ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: (قُلْ)، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، قَالَ: (قُلْ)، فَقُلْتُ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).
جاء في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح): "وفي الحديث دليلٌ على أنّ تلاوة هذه السّور عند المساء وعند الصّباح تكفي التّالي مِن كلّ شيءٍ يُخشى منه، كائنًا ما كان".
خاتِمةٌ:
مِن أسباب البركة في الرّزق: المحافظة على الأذكار والإكثار منها، والتّبكير للعمل، وكم مُحقت البركة مِن الأرزاق إلّا مَن رحم الله تعالى، سهرٌ طول اللّيل، ونومٌ عن صلاة التّهجّد وعن صلاة الفجر، وغفلةٌ عن الذِّكر والقرآن، إلّا من رحم الله تعالى.
والأسوأ حالًا إذا كان السّهر على معصية الله عز وجل، سهرٌ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، سهرٌ في النّظر إلى الأفلام الخلاعيّة والصّور الإباحيّة، والمعصية تجرّ مِن ورائها معصيةً، فإذا بهذا السّاهر على معصية الله جل جلاله تفوته صلاة الفجر، ويصبح خبيث النّفس كسلان، ثمّ بعد ذلك يشكو مِن قلّة الرّزق.
يا عباد الله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}. [طه: 124].
http://shamkhotaba.org