صيانة الأجيال مِن الشُّذوذ والانحلال
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 27 يوليو 2022 م
عدد الزيارات : 945
مقدمة:
بات العالم قريةً صغيرةً، تنتقل فيه الأفكار والمعلومات بسرعةٍ كبيرةٍ، وبسهولةٍ لم تكن مِن قبل، وذلك بسبب وسائل التّواصل الحديثة والشّبكة الّتي تربط العالم بعضه ببعضٍ، هذا يسرّ لنا كثيرًا مِن أعمالنا، وقرّب المسافات بين الأحبّة، فكم مِن المعايدات تمّت بالصّوت والصّورة، إذ جمعت برامجُ التّواصل بين أحبّةٍ متباعدين كلّ التّباعد، وحشرتهم في شاشةٍ واحدةٍ صغيرةٍ، هذا -على جماله- ينطوي على مخاطر جسيمةٍ، تتمثّل في الغزو الثّقافيّ والفكريّ والأخلاقيّ الّذي نتعرّض له جرّاء سهولة التّواصل، ومِن أبرز هجمات هذا الغزو: التّرويج الشّديد للمثليّة ولمظلوميّة المرأة وللإلحاد، بل إنّ سياسات وسائل التّواصل الّتي نستعملها تقتضي التّرويج لهذه الأفكار المنحرفة، وتحارب كلّ مَن يقف في وجهها، صرِّحْ إن شئت على بعض تلك الوسائل بأنّ المثليّة أمرٌ مرفوضٌ شرعًا وعقًلا وانتظر إن كنت مِن المشاهير حذفًا لمنشورك، وتنبيهًا لك أنّك قد تجاوزت معايير النّشر على تطبيقهم، وثمّة صفحاتٌ أُغلقت لأنّها دعت إلى الفطرة وصرّحت برغبتها في محاربة هذا الشّذوذ، {وَاللَّهُ ‌يُرِيدُ ‌أَنْ ‌يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النّساء: 27].
إنّ سياسات النّشر على تلك التّطبيقات لا تسمح بنشر الفاحشة فقط؛ بل تدافع عنها وتمنع انتقادها، كأنك في مجتمع قوم لوطٍ القديم الّذي شعاره: {‌أَخْرِجُوا ‌آلَ ‌لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النّمل: 56].
حتّى يخشى الرّجل المشهور على حسابه أن يُحذف فيخسر شهرته ومتابعيه، فيُضطر إلى عدم التّصريح بالحقّ، فتصيب منّا تلك المواقع مصيبتين، إحداهما نشر الفاحشة، والثّانية إجبار النّاس على السّكوت عنها، لكنّ سياسات القرآن تختلف عن ذلك: {‌لُعِنَ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].
فالذي نراه جميلًا مِن سهولة تواصلنا مع الأحبّة، وسهولة وصولنا إلى المعلومة الّتي نريد ينطوي على خطرٍ عظيمٍ يتهدّد الجيل القادم، بصورةٍ ممنهجةٍ مدروسةٍ، والعاقل مَن استطاع أن يستفيد مِن هذه الوسائل مع حرصه على تجنّب مضارّها، فهل هذا ممكنٌ؟
1- جريمةٌ ذات جذورٍ
المثليّة شذوذٌ قديمٌ متجدّدٌ، وصف القرآن لنا قوم سيّدنا لوطٍ؛ وكيف كانوا يتّصفون بهذا الانحراف، {‌وَلُوطًا ‌إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 28-29].
الآية هنا صريحةٌ أنّ أوّل مَن قام بهذه الجريمة في التّاريخ قوم لوطٍ، {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 80-81].
هنا يصفهم بأنهم قومٌ مسرفون، وفي موضعٍ آخر ينسبهم إلى الجهالة {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النّمل: 54-55].
وفي موضعٍ ثالثٍ يعتبرهم مِن العادين: {أَتَأْتُونَ ‌الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشّعراء: 165-166].
ومِن غريب ما ذكر القرآن مِن شأنهم أن راودوا سيّدنا لوطًا عن ضيفه: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ‌ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 36-37].
وفي سورة هودٍ بيانٌ لما وجّه لوطٌ إليه قومه: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ ‌بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 77-80].
لقد وجّه القوم إلى ما تقتضيه الفطرة، وهو أن يتزوّجوا بنات المؤمنين، ونسبهنّ إليه فقال "بناتي" لكنّهم ظلّوا في: {سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحِجر: 72-73].
فأنبياء الله والمصلحين مِن كلّ زمانٍ يدعون النّاس إلى الفطرة: {‌فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الرّوم: 30].
فالدّعوة إلى الفطرة دعوةٌ تستحقّ الدّعم والمشاركة؛ فارمِ بسهمك، ونل شرف خوض هذه المعركة، {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ‌وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52].
2- العواقب الوخيمة لأصحاب تلك الجريمة
يحتاج الأمر أن نبحث له عن حلٍّ؛ لأنّ الله أهلك قومًا تلبّسوا بهذه الفاحشة، ووصف إهلاكهم في مواطن عديدةٍ، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 84].
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82-83].
بل ترك أثرهم في البلاد ليكونوا عبرةً لكلّ مَن مرّ بها أو سمع عنها: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحِجر: 73-77].
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشّعراء: 173-174].
{إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 34-35].
وقد قرّع الله أقوامًا يمرّون بديارهم لا يتّعظون ولا يعتبرون: {وَإِنَّ ‌لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصّافّات: 133-138].
إنّ هذا الزّخم في القرآن لهذه القصّة والتّفنن في بيان سوء عاقبتهم إشارةٌ واضحةٌ إلى خطر تفشّي هذه الظّاهرة، ووجوب التّصدي لها، ومِن وجوه التّصدي لها تيسير باب الحلال، وتزيينه للنّاس، والدّعوة إليه، والمهور الممكنة، {‌وَمِنْ ‌آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الّروم: 21].
فالفطرة تثمر النّسل الصّالح؛ بخلاف الشّذوذ، وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: (لَا)، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: (‌تَزَوَّجُوا ‌الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ). سنن أبي داود: 2050
ومِن الحلول: الصّلاة: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
فإذا أقام المؤمن الصّلاة حقّ الإقامة نهَته.
خاتِمةٌ:
جعل الله أبناءنا أمانةً في أعناقنا وأمرنا أن نقيهم العذاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌قُوا ‌أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التّحريم: 6].
وبما أنّ الصّلاة مِن الحلول؛ فلنأمر أهلنا بالصلاة: {وَأْمُرْ ‌أَهْلَكَ ‌بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
قد يطمئنّ امرؤٌ أن يرى ابنه يقيم الصّلاة وأنّها ستتكفّل بنهيه عن الفحشاء، لكن هنا استدراكٌ، ليس كل مَن يصلّي يقيم الصّلاة كما شُرعت -بخشوعها وركوعها- فيقطف ثمرتها، فربّ مصلٍّ لا تنفعه صلاته، ثمّ إنّ ابنك وإن كان يصلّي فهو عرضةٌ للانحراف؛ إنِ انخرط في سلك صحبةٍ -واقعيّةٍ أو افتراضيّةٍ- لم يقيموا الصّلاة حقّ الإقامة.
إذا كنت في قومٍ فصاحب خيارهم    ولا تصحبِ الأردى ‌فتردى ‌مع ‌الرّدي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه    فكلّ قرين بالمقارَن مُقتدي
إنّ انتشار هذا الشّذوذ يتهدّدنا بما سوى العقاب الأخروي: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي ‌أَسْلَافِهِمْ). المستدرك على الصّحيحين للحاكم: 8623
وما أخبار جدريّ القرود وانتشاره في المثليّين في الغرب عنّا ببعيدٍ، ومِن هنا نفهم أنّ قتل الفاعل والمفعول به في شريعتنا إجراءٌ وقائيٌّ حتّى على المستوى الطّبيّ والأخلاقيّ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا ‌الْفَاعِلَ، ‌وَالْمَفْعُولَ بِهِ). سنن أبي داود: 4462
اللّهمّ احفظ بلادنا مِن كلّ سوءٍ.
 

http://shamkhotaba.org