تذكُّر الصِّراط والقبر يُعين العبد على الصَّبر
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 14 ديسمبر 2022 م
عدد الزيارات : 835
مقدمة:
نؤمن بالله واليوم الآخر، واليوم الآخر فيه تفاصيل كثيرةٌ، أخبرتنا بها آيات القرآن الكريم وأحاديث السّنّة المطهّرة، فالموت بوّابة الدّخول إلى البرزخ بين العالمَين، ولمّا كان كذلك كثرت الأحاديث الّتي تتحدّث عنه؛ عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَمَنَّوَا الْمَوْتَ، فَإِنَّ ‌هَوْلَ ‌الْمَطْلَعِ ‌شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ). الآداب للبيهقيّ: 817
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: (لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ ‌المَوْتَ ‌وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ). سنن التّرمذيّ: 2458
ثم يلي الموت القبر، وما أكثر ما استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن عذابه؛ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا: إِنَّ ‌أَهْلَ ‌الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، قَالَتْ: فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ، فَزَعَمَتَا أَنَّ ‌أَهْلَ ‌الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَقَالَ: (صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ) قَالَتْ: فَمَا رَأَيْتُهُ، بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. صحيح مسلم: 125
وحثّ كذلك على زيارة القبور لأنّها تذكرةٌ للآخرة؛ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نَهَيْتُكُمْ ‌عَنْ ‌زِيَارَةِ ‌الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً). سنن أبي داود: 3235
وهذه وقفةٌ نتذكّر فيها بعض أهوال وأحوال الآخرة.
1- ضِيق القبور
أوّل منازل الآخرة القبر؛ عَنْ هَانِئٍ -مَوْلَى عُثْمَانَ- قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا ‌وَالْقَبْرُ ‌أَفْظَعُ ‌مِنْهُ). سنن ابن ماجه: 4267
والنّجاة منه تتطلّب استعدادًا مِن الحياة الدّنيا؛ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ جَثَى عَلَى الْقَبْرِ، فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: (إِخْوَانِي، ‌لِمِثْلِ ‌هَذَا ‌الْيَوْمِ ‌فَأَعِدُّوا). الآداب للبيهقيّ: 811
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي ‌أَهْلِ ‌القُبُورِ). سنن التّرمذيّ: 2333
وقد تحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظلمة القبر، وأنّ دعاءه ينيرها لأصحابها؛ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُنَظِّفُ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (انْطَلِقُوا إِلَى قَبْرِهِ) فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقُوا إِلَى قَبْرِهِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ ‌مُمْتَلِئَةٌ ‌عَلَى ‌أَهْلِهَا ‌ظُلْمَةً، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهَا) فَأَتَى الْقَبْرَ فَصَلَّى عَلَيْهِ. سنن الدّارقطنيّ: 1843
وقد وصف أبو أمامة الباهليّ رضي الله عنه القبر يومًا؛ عن سليم بن عامرٍ قال: خرجنا في جنازةٍ على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهليّ رضي الله عنه، فلما صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة رضي الله عنه: إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزلٍ تغنمون فيه الحسنات والسّيّئات، توشكون أن تظعنوا منه إلى منزلٍ آخر وهو هذا -يشير إلى القبر- بيت الوحشة وبيت الظّلمة وبيت الضّيق إلّا ما وسّع الله، ثمّ تنتقلون منه إلى يوم القيامة. فصل الخطاب في الزّهد والرّقائق والآداب: 2/244
ووعظ ابن قيّم الجوزيّة النّاس فقال: "عباد الله: اعْمَلُوا لظلمة الْقَبْر قبل فَوَات الْعَمَل، وَبَادرُوا بِالتَّوْبَةِ قبل انْقِضَاء الْأَجَل، وأشعلوا فِي قُلُوبكُمْ نيران الْخَوْف والوجل، وتزوّدوا للقبر بَيْنَمَا أَنْتُم فِي فسحةٍ ومهلٍ، فَإِنّ الْمَوْت آتٍ والعمر فَاتَ وَالطَّرِيق طَوِيلٌ والزاد قَلِيلٌ وهول الْقَبْر ثقيلٌ". بستان الواعظين ورياض السّامعين: ص207
فحريٌّ بالمؤمن اليوم أن يسعى في العمل الصّالح ليوسّع ما يضيق عليه غدًا، فاليوم سعةٌ وغدًا ضيقٌ، واليوم نمشي على ظاهرها، وغدًا يضمّنا إليه باطنها، ومَن مشى اليوم في النّور يوشك أن ينوّر قبره {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ ‌نُورًا ‌فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النّور: 40].
2- صِراطٌ مظلِمٌ
ومِن الأمور الّتي نصّ عليها دِيننا -كجزءٍ مِن الإيمان بالآخرة- الصّراط؛ ذلك الجسر المنصوب على متن جهنم، مَن زلّ عنه سقط في النّار، ومَن جازه نجا أن يقع فيها، وقد ورد أَنَّ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ: أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي)، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟) قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ: (سَلْ) فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (‌هُمْ ‌فِي ‌الظُّلْمَةِ ‌دُونَ ‌الْجِسْرِ) قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: (فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ). صحيح مسلم: 34
وقد ذكر الحقّ جل جلاله أنّ الجميع سيرد جهنّم -نعوذ بالله منها ونسأل الله سبحانه النّجاة يومها- {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * ‌وَإِنْ ‌مِنْكُمْ ‌إِلَّا ‌وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 68-72].
ووصف النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّراط وما يكون عليه؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (... ‌ثُمَّ ‌يُضْرَبُ ‌الْجِسْرُ ‌عَلَى ‌جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: (دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ). صحيح مسلم: 302
يومها يودّ الكافر لو اقتبس مِن نور المؤمنين، إذ يرى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى ‌نُورُهُمْ ‌بَيْنَ ‌أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 12-15].
خاتمةٌ:
يحتاج المؤمن نورًا في قبره، ونورًا على الصّراط يستنير به، وقد أنزل الله عز وجل النّور على نبيّه نستنير به في دنيانا وآخرتنا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ‌نُورًا مُبِينًا} [النّساء: 174].
ومَن مشى في الظّلمات اليوم حريٌّ أن يحبس ويتخبّط فيها غدًا {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ ‌نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
ومن أراد النّور فليسأل الله جل جلاله النّور، فهو منه وبيده {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ‌نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشّورى: 52]. 
وظلمة القبر ممّا حذر منه العلماء قديمًا، أورد الإمام ابن رجب الحنبليّ: في كتابه أهوال القبور عن خالد بن خداش قال: كنت أقعد إلى أشيم البلخي -عمّ قتيبة- وكان أعمىً، وكان يحدّث ويقول: ‌أوّاه ‌القبر ‌وظلمته، واللّحد وضيقه، وكيف أصنع؟ ثمّ يُغشى عليه، ثمّ يعود فيحدّث، فيصنع مثل ذلك مرّاتٍ حتى يقوم. فصل الخطاب في الزّهد والرّقائق والآداب: 2/245
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ    أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّمْسَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ    فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثَا    
فِي قَعْرِ مُقْفِرَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ    يُطِيلُ ‌تَحْتَ ‌الثَّرَى فِي جَوْفِهَا اللُّبْثَا الزّهد الكبير للبيهقيّ: ص258
إنّ ظلامًا دامسًا يتربّص بنا، ومَن أراد أن يعيش في النّور وأن يمشي في النّور فدونه قول الحقّ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ ‌نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28].
 

http://shamkhotaba.org