الاعتقاد الصَّحيح في السَّيِّد المسيح
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 4 يناير 2023 م
عدد الزيارات : 976
مقدمة:
لقد جعل الإسلامُ الإيمانَ بالرّسل ركنًا مِن أركان ديننا الحنيف، فلا يُقبل إيمان العبد إلّا إذا آمن بالرّسل جميعًا، {آمَنَ ‌الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].
ولقد نهانا الإسلام أن نُفرّق بين الرّسل من جهة الإيمان والاعتقاد، لأنّهم دعوا إلى عبادة الله وتوحيده، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ‌فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
فالأنبياء كلّهم إخوةٌ في تبليغ دين الله عز وجل، وإنّ من جملة هؤلاء الرّسل الّذين اصطافهم الله سبحانه على خلقه: عيسى بن مريم عليه السلام، {شَرَعَ ‌لَكُمْ ‌مِنَ ‌الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا} [الشّورى: 13].
وإنّ المسلمين لَيعتقدون في عيسى عليه السلام أنّه عبد الله ورسوله، وأنّ الله عز وجل جعل ولادته معجزةً خارقةً، حيث وُلد مِن أمٍّ طاهرةٍ عفيفةٍ دون أن يكون له أبٌ، ولقد جاءت النّصوص الكثيرة الّتي تؤكّد هذه الحقيقة، {مَا ‌الْمَسِيحُ ‌ابْنُ ‌مَرْيَمَ ‌إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75].
ومِن ثَمّ وردت نصوصٌ أخرى تُبيّن كذب المفترين، وتدحض حججهم الباطلة، {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ ‌قَوْلُهُمْ ‌بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التّوبة:30].
فلم يكنْ إلهًا كما يدّعي الكفرة، كما أنّه لم يُقتل ولم يُصلب، بل ألقى الله جل جلاله الشّبه على رجلٍ آخر فصُلب مكانه، {‌وَمَا ‌قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النّساء: 157].
وسيكون نزوله آخر الزّمان علامةً لقُرب قيام السّاعة {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ‌فَلَا ‌تَمْتَرُنَّ بِهَا} [الزّخرف: 61].
فلنقفْ على نبذةٍ مِن حياة هذا الرّسول العظيم.
1- ميلاد المسيح عليه السلام
لقد شاء الله جل جلاله أن يجعل ولادة عيسى عليه السلام معجزةً عظيمةً، فاختاره مِن امرأةٍ صالحةٍ تقيّةٍ ترعرعت في بيت طهرٍ ونقاءٍ، فأرسل إليها ملائكته ليبشّروها بولدٍ يكون رسولًا كريمًا مؤيَّدًا بالمعجزات، فأخذ العَجَب منها مأخذًا عظيمًا، إذ كيف ستُنجب ولدًا ولم تتزوّج بعد؟! {إِذْ ‌قَالَتِ ‌الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ *وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ‌وَلَمْ ‌يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 45-47].
فما إن وضعت مريم ولدها لَامَها قومُها، فأشارت إليهم أن يكلّموا عيسى، فتساءلوا فيما بينهم كيف نكلّم طفلا حديث الولادة؟! فأنطقه الله جل جلاله: {قَالَ ‌إِنِّي ‌عَبْدُ ‌اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُون} [مريم: 30-34].
خلقه الله سبحانه مِن ترابٍ كما خلق غيره من البشر {إِنَّ ‌مَثَلَ ‌عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].
ثمّ أرسله الله إلى قومه لهدايتهم، وقد أيّده بالمعجزات والحجج الدّالّة على صدقه {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ‌وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 49-51].
لقد كان عيسى عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل، فبشّر أتباعه برسولٍ يأتي مِن بعده يُكمّل ما بدأه، وبه تتمّ نعمة الله على الخلق أجمعين {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ‌وَمُبَشِّرًا ‌بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصّفّ: 6].
ولمّا كانت كلمة الحقّ مُرّةً عند مَن لم يخالط الإيمان قلبه، أراد قوم عيسى التّخلّص منه، فدبّروا له حيلةً ماكرةً عند حاكم ذلك الزّمان، فأمر بقتله وصلبه، ولكنّهم باءت خطّتهم الخبيثة بالفشل، {‌وَمَا ‌قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النّساء: 157-158].
ولقد أخبرنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض في نهاية الزّمان، ويدعو النّاس إلى شريعة نبّينا محمّد صلى الله عليه وسلم: {‌وَإِنَّهُ ‌لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزّخرف: 61].
2- مِن علامات السَّاعة
إذا اقترب الزّمان مِن نهايته؛ تسارعت الأيّام، وتوالت الأحداث، وعظمت الفتن، ولقد أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الأحداث الّتي تقع بين يدي السّاعة، وعن الفتن والملاحم، وما يحدث يومئذٍ ممّا ينبغي ألّا يغفل عنها المؤمن أو ينساها، لأنّ ما ثبتت به الأخبار واقعٌ لا محالة، وقد يدركه المؤمن كلّه أو بعضًا منه، وممّا أخبر عن وقوعه قبيل قيام السّاعة: نزول عيسى عليه السلام، الّذي اختلفت فيه أقوال أهل الدّيانات منذ أن رفعه الله إليه كما أخبر ربّنا جل جلاله، {‌وَإِنَّ ‌الَّذِينَ ‌اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النّساء: 157].
فاليهود زعموا أنّهم قتلوه، والنّصارى ادّعوا أنّه مات ثمّ رُفع، ومرتابون ينكرونه، ولكنّ المؤمنين يؤمنون بما أخبر القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام بأنّه حيٌّ في السّماء، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النّساء: 158].
ينزل عيسى عليه السلام بعد خروج الدّجال وإفساده في الأرض، ويوافق وقت نزوله تجهيز المسلمين لحرب الدّجال وأتباعه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (‌فَبَيْنَمَا ‌هُمْ ‌يُعِدُّونَ ‌لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام). صحيح مسلم: 2897
ولقد وصف النّبيّ صفة عيسى عليه السلام وصفًا دقيقًا، وأخبرنا عن عمله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ: رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ). مسند أحمد: 9270
بل لقد حدّد النّبيّ صلى الله عليه وسلم موضع نزول عيسى عليه السلام وكيفيّة نزوله، عَنِ ‌النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (.. إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، ‌فَيَنْزِلُ ‌عِنْدَ ‌الْمَنَارَةِ ‌الْبَيْضَاءِ ‌شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ). صحيح مسلم: 2937
سينتهي  الدّجل والافتراء عندئذٍ، وستُلغى شعائر النّصارى  الّتي حرّفوا بها دين الله، وسيُغبط مَن يعيش ذلك العيش الكريم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (‌طُوبَى ‌لِعَيْشٍ ‌بَعْدَ ‌المَسِيحِ، يُؤْذَنُ لِلسَّمَاءِ فِي الْقَطْرِ ،وَيُؤْذَنُ لِلأَرْضِ فِي النَّبَاتِ، حَتَّى لَوْ بَذَرْتَ حَبَّكَ عَلَى الصَّفَا لَنَبَتَ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الأَسَدِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَيَطَأُ عَلَى الحَيَّةِ فَلَا تَضُرُّهُ، وَلَا تَشَاحَّ، وَلَا تَحَاسُدَ، وَلَا تَبَاغُضَ). الجامع الصّغير وزياداته: 8058
حقًّا: إنّه عيشٌ هنيءٌ، وحياةٌ سعيدةٌ، حيث تعظم رغبة النّاس في الآخرة، فلا حسد ولا بغضاء، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، ‌وَلَتُتْرَكَنَّ ‌الْقِلَاصُ، فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ). صحيح مسلم: 243
ولقد حمّل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمانةً لكلّ مَن أدرك عيسى عليه السلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: (إِنِّي لَأَرْجُو ‌إِنْ ‌طَالَ ‌بِي ‌عُمُرٌ ‌أَنْ ‌أَلْقَى ‌عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِي مَوْتٌ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ). مسند أحمد: 7970
خاتمةٌ:
معرفة نبيّ الله عيسى عليه السلام بأنّه عبد الله ورسوله واجبٌ علينا جميعًا، فما أجمل أن نتدبّر هذا الحوار العذب الرّقراق: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ‌أَأَنْتَ ‌قُلْتَ ‌لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116-117].
ولقد جاء قومه بعلاماتٍ مِن ربّه تدلّ على صدقه في دعواه، ولكن لمّا أحسّ منهم الكفر أراد أن يتبيّن المؤمنين الصّادقين {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ ‌مَنْ ‌أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].
الكمال صفةٌ مِن صفات الله، ولا ينبغي لله أن يتّخذ ولدًا، وهذا ما ذكره القرآن في ختام قصّة عيسى عليه السلام {‌ذَلِكَ ‌عِيسَى ‌ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم: 34-36].
فيا عُبَّاد المسيح لنا سؤالٌ    نريد جوابه ممَّن وعاهُ
إذا مات الإله بصنع قومٍ    أماتوه فهل هذا إلهُ!
ويا عجبًا لقبرٍ ضمّ ربًّا    وأعجب منه بطنٌ قد حواهُ
تعالى الله عن إفك النَّصارى    سيُسأل كلُّهم عمَّا افتراهُ
عقيدتنا في عيسى عليه السلام أنّه أحد أولى العزم، رفعه الله إلى السّماء إكرامًا له واصطفاءً، لينزله إلى الأرض قبيل السّاعة بمهامّ عظيمةٍ يكلّفه بها، رحمةً بالنّاس ورأفةً، ليخلّصهم مِن بلاءٍ كبيرٍ، وفسادٍ عظيمٍ، وشرٍّ مستطيرٍ، فلنسأل ربّنا الثّبات على العقيدة الصّحيحة الّتي أكرمنا بها، ولندْعهُ أن يجنّبنا الزّيغ والزّلل.
 

http://shamkhotaba.org