إيمانٌ يُورث الصَّبر وسؤال الله العافية
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 16 فبراير 2023 م
عدد الزيارات : 1057
مقدمة:
لقد أنعم الله علينا بنِعَمٍ عظيمةٍ، وخيراتٍ وفيرةٍ، غفلت عنها القلوب، وجهلت قيمتها النّفوس، ولا يمكن للبشر عدّها وإحصاءها {‌وَإِنْ ‌تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النّحل: 18].
وكلّ هذه النّعم منه وحده سبحانه {‌وَمَا ‌بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النّحل: 53].
ولقد أمر الله عباده أن يُقرّوا أنّها منه فضلًا وإحسانًا {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ‌نِعْمَتِيَ ‌الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40].
وفي ذلك دعوةٌ للنّاس جميعًا إلى تصوّرها على الحقيقة، حتّى يؤدّي العبد شكرها، ولقد ذمّ الله كلّ مَن لم يقدّرها قدْرها؛ فقال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ ‌يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النّحل: 83].
وإنّ أعظم نعمةٍ مَنّ الله علينا بها أن هدانا لهذا الدِّين الحنيف {‌يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].
فلا يستوي مَنْ نَوّرَ الإيمان قلبه فسعد واطمئنّ، مع مَن تكبّر عن الإذعان لهذا الدِّين فقسا قلبه وطُمست بصيرته {أَفَمَنْ ‌شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزّمر: 22].
فمَن شرح الله صدره للإسلام سخّر نِعَم الله في طاعته، واستقبل كلّ ما يأتيه من الله بقلبٍ راضٍ، ونفسٍ مطمئنّةٍ، وصبرٍ جميلٍ، وهو يعلم أنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، فكان مِن الآمنين المهتدين {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ ‌يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
وإنّ من الجدير بالذّكر-ونحن نتعرّض للفتن والبلايا الّتي تتفطّر لها القلوب- أن نتحدّث عن نعمةٍ عظيمةٍ تلي نعمة الإيمان في الأهمّيّة، ألا وهي: نعمة العافية، حيث لا تطيب الحياة إلّا بها، ولا يهنأ عيش الإنسان إلّا بوجودها، فما أُوتي الإنسان بعد الإيمان؛ خيرًا مِن العافية، عَنْ أَوْسَطَ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَنَةٍ، فَأَلْفَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْأَوَّلِ، فَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ‌سَلُوا ‌اللهَ ‌الْمُعَافَاةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِثْلَ يَقِينٍ بَعْدَ مُعَافَاةٍ، وَلا أَشَدَّ مِنْ رِيبَةٍ بَعْدَ كُفْرٍ...). مسند أحمد: 44
وإنّ العافية لا تقتصر على عافية الأبدان فحسب، بل تعمّ العافية في الدّين والدّنيا، والأهل والمال.
لا تأسَ مِن دُنيا على فائتٍ    وعندك الإسلام والعافية
إن فات شيءٌ كنت تسعى له    ففيهما مِن فائتٍ كافية
1- أثر الإيمان في الشَّدائد
الإيمان بالله ورسوله عقيدةٌ راسخةٌ تستقرّ في القلب، وترسخ في النّفس، وتمازج الدّم، وتخالط اللّحم، وتنتهي بعد ذلك إلى تجنيد سائر قوى الجسد وكافّة جوارحه، وتسخير الظّاهر والباطن لعبادة الله وحده، والتّعرّض لنفحات إحسانه ومرضاته، فلا يبقى للعبد قرارٌ أمام حكم الله ولو كان ثقيلًا على النّفس {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ ‌الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
فإن تسلّل الشّيطان إلى قلب المؤمن ليفسد عليه حُسن ظنّه بربّه، تسلّح بالتّسليم المطلق والرّضى التّامّ عن الله {فَلَا ‌وَرَبِّكَ ‌لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النّساء: 65].
إنّ الإيمان بالله ورسوله يهدي المؤمنين -أفرادًا وجماعاتٍ- إلى تحمّل الشّدائد وإن عظمت، ويرشدهم إلى شقّ طريق الحياة المثلى وإن صعبت، ويحضّهم على القيام بالتّكاليف الشّرعيّة وإن ثقلت، فإنّ الشّدائد تورث المؤمن هدوءً واطمئنانًا، وثباتًا واستقرارًا، وإنّ الصّعاب تُكسبه شجاعةً وإقدامًا، ولقد أثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المؤمن القويّ؛ لما يقدّم مِن خيرٍ عميمٍ للفرد والمجتمع، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ ‌الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ). صحيح مسلم: 2664
أرأيتم كيف حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على اكتساب القوّة، وأوصى بالأخذ بمستلزماتها، مبيّنًا أنّ المؤمن القويّ الماضي العزيمة والإرادة -الّذي يصبر على البلايا والشّدائد ويتحمّل الأذى والمشاقّ ابتغاء مرضاة الله- هو أفضل عند الله ممّن هو خلاف ذلك، ولنتأمّل كيف رسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم الخطّة العمليّة مِن أجل تحقيق القوّة، وذلك مِن خلال حرصه على الاستعانة بالله وحده، وطرح العجز والكسل، وعدم اليأس والقنوط {إِنَّهُ لَا ‌يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
فلا يجتمع اليأس والإيمان في قلب المؤمن أبدًا، لأنّه لا يلتفت إلى ما مضى مِن أمر الدّنيا ولا يندم على ذلك أبدًا، بل يرضى بما حكم الله به وقدّره، رافضًا الاستسلام لوساوس الشّيطان، حتّى يكون رضاه عن ربّه دافعًا له إلى السّعادة والاطمئنان والثّبات والاستقرار، حيث لا يثبت عند الشّدائد العظيمة والمحن العصيبة إلّا أهل الإيمان {‌يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
ولو تأمّلنا سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، لوجدنا أنّ قوّة الإيمان هي الّتي جعلتهم يتحمّلون شتّى أنواع الشّدائد والعذاب في سبيل نصرة هذا الدِّين، فهي الّتي جعلت عثمان بن عفّان يجهّز جيش العسرة، ودفعت عليّا لمبارزة عمرو بن ودٍّ يوم الخندق فأرداه قتيلًا، ودفعت بلالًا وخبّابًا وآل ياسر إلى تحمّل المشاقّ الّتي تنوء بحملها الجبال الرّاسيات.
ولقد رأينا في هذا الخطب الجلل -ولله الحمد- الّذي مرّ بنا بالأمس رجالًا ونساءً وأطفالًا وشبابًا مِن المكلومين، ممّن اقتدوا بمَن سلفهم، فسطّروا للعالم أروع الأمثلة في الصّبر والتّضحية والثّبات، والرّضى واليقين والاستسلام، فكانوا أهلًا لأن يكونوا مِن أهل هذه الآية، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‌رِجَالٌ ‌صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
2- الصَّبر على البلاء، والشُّكر على العافية
لقد جعل الله الابتلاء والامتحان هو الغاية الّتي مِن أجلها أوجد الموت والحياة، لتُجزى كلّ نفسٍ بما كسبت، وليعلم الله الّذين صدقوا ويعلم الكاذبين، {‌وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 141-142].
وإنّ الحياة مليئةٌ بالمتاعب والأحزان، إن صفَت يومًا كدّرت أيّامًا، وإن أضحكت ساعةً أبكت ساعاتٍ، فلا تدوم على حالٍ، بل فقرٌ وغنىً، وعافيةٌ وبلاءٌ، ونعيمٌ وشقاءٌ، وصحّةٌ ومرضٌ، وخير النّاس مَن لا تُبطره النّعمة، ولا تُضعفه الشّدة، فتراه في النّعماء شاكرًا، وفي البأساء صابرًا، قانتًا لله منيبًا إليه، مستسلمًا بين يديه، لا يستكين للحادثات، ولا يضعف أمام الملمّات، بل يحاول التخلّص منها في حزم الأقوياء، قدوته في ذلك سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقد حلّ به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام مِن الشّدائد والمحن، والابتلاء والإيذاء، ما تقشعرّ له الأبدان، فما وهنوا وما استكانوا، بل قابلوا كلّ خطبٍ بالصّبر والثّبات {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ‌إِنَّ ‌النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
ومَن ظنّ أنّ هذه الدّنيا جُبلت على النّعيم المطلق، والسّعادة الحقيقيّة الخالية مِن الكدر فهو واهمٌ، لأنّ الله سبحانه بيّن حقيقة خلق الإنسان؛ فقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ‌فِي ‌كَبَدٍ} [البلد: 4].
فمًن تقبّل ما أصابه -مِن بلاءٍ ومحنٍ- بقلبٍ راضٍ ونفسٍ مطمئنّةٍ، فإنّ الله يهيّئه لنعيمٍ أبديٍّ، وخلودٍ سرمديٍّ، في جنّة الله لا حزنٌ فيها ولا غمٌّ {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا ‌الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34].
وما جعل الله الابتلاء إلّا ليرى مَن يتّقي ويصبر، ومَن يتبرّم بقضائه ويسخط، وإنّ في كلّ بلاءٍ عبرةً وعظةً، وتذكيرًا للنّاس بأنّ هذه الدّنيا دار عناءٍ وفناءٍ، لا دار سعادةٍ وبقاءٍ، ولعلّ فيها حكمةً ساميةً لا يدركها إلّا مَن دقّ فهمه، وهي أنّها تثير ما كَمن في القلوب مِن حبٍّ ورحمةٍ، فينعم الإنسان بنعيم العطف والحنان، فكم مِن محنةٍ ألّفت بين القلوب المتنافرة، وأعادت قلب الأخ لأخيه! فضلًا على ما للصّابرين مِن الأجر العظيم {إِنَّمَا ‌يُوَفَّى ‌الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزّمر: 10].
عَنْ ‌عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، فَمَسِسْتُهُ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: (أَجَلْ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ ‌كَمَا ‌تَحَاتُّ ‌وَرَقُ ‌الشَّجَرِ). صحيح البخاريّ: 5661
وهكذا يحضّنا ربّنا على تحمّل ما يصيبنا ليطهّرنا مِن ذنوبنا، وليرفع في درجاتنا، وليعرّفنا ضعفنا أمام قوّته وعظمته، وهكذا نجني ثمرة الابتلاء تهذيبًا وثوابًا وكرامةً وسعادةً {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو ‌حَظٍّ ‌عَظِيمٍ} [فصّلت: 35].
إنّ الصّبر والمصابرة يعوّدان المؤمن على أن يكون شجاعًا في مواطن البأس، كريمًا في مواقع البذل، واثقًا بوعد الله ووعيده، راضيًا بقضائه وقدره، مستسلمًا لأمره وأحكام دِينه {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرّعد: 23-24].
وعلينا أن نعلم -رغم كلّ ما للصّبر على البلاء مِن أجرٍ عظيمٍ عند الله- أنّ نعمة العافية في الدِّين والدّنيا هي مِن أعظم إكرام الله للعبد، ولذا حثّنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم على أن نسأل ربّنا إيّاها، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ‌الْعَفْوَ ‌وَالْعَافِيَةَ ‌فِي ‌دِينِي ‌وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي). مسند أحمد: 4785
وعَنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، فَقَالَ: (سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ)، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُو بِهِ، قَالَ: فَقَالَ: (يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، ‌سَلِ ‌اللهَ ‌الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). مسند أحمد: 1783
وإنّ العافية قد تكون في الدِّين، وقد تكون في الدّنيا، فمن عافاه الله مِن الأسقام والأمراض؛ فقد أكرمه بالعافية، ومَن حفظ نفسه وأهله مِن الحرام بكلّ أنواعه فهو المعافى حقّا، وإنّ أجمل أنواع العافية وأعظمها أن يكرِم الله عبده بالنّجاة مِن النّار ثمّ يدخله الجنّة {فَمَنْ ‌زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
خاتمةٌ:
الإيمان من أعظم نِعَم الله علينا، ولا يكون بالتّمنيّ ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل، فلا ينهض بإيمان الإنسان كلمةٌ يقولها، أو شهادةٌ يتشهّدها، دون أن يأتي ببرهانٍ يصدّقها، ولقد كشف الله حال المنافقين، وبيّن لهم أنّ الأمر ليس كما يزعمون، فالإيمان تصديقٌ وإقرارٌ، ورضىً وعملٌ، وإنّه دليل الفلاح، وأصل النّجاح {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‌يَهْدِيهِمْ ‌رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9].
فالمؤمن الصّادق يشعر براحةٍ نفسيّةٍ، ونعيمٍ قلبيٍّ، لأنّه يعلم أنّ أمره كلّه له خيرٌ، عَنْ ‌صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا ‌لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ). صحيح مسلم: 2999
فهو لا يختار لنفسه أمرًا يعارض مراد الله ورسوله، بل تراه منيبًا إلى ربّه، مستسلمًا بين يديه، يحبّ بحبّه، ويرضى برضاه، ويُرجِع الأمر إليه {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ‌الْأَمْرُ ‌كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123].
فإذا أكرم الله عبده بهذا القدر مِن الإيمان، وجدته طائعًا في الرّخاء، صابرًا على البلاء، داعيًا ربّه أن يرزقه الله العفو والعافية في الدِّين والدّنيا، والأهل والمال.
 

http://shamkhotaba.org