العظَمة الظَّاهرة والآيات القاهِرة
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 1 مارس 2023 م
عدد الزيارات : 888
لله في الآفاق آياتٌ لعلَّ    أقلَّها هو ما إليه هداكَ
ولعلَّ ما في النَّفس مِن آياته    عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَ
والكون مشحونٌ بأسرارٍ إذا    حاولْتَ تفسيرًا لها أعياكَ
قل للطَّبيب تخطَّفته يد الرَّدى    مَن يا طبيب بطبِّه أرْدَاكَ؟
قل للمريض نجا وعُوفيَ بعدما    عجزت فنون الطِّبِّ مَن عافاكَ؟
قل للصَّحيح يموت لا مِن عِلَّةٍ    مَن بالمنايا يا صحيح دهاكَ؟
قل للبصير وكان يحذر حفرةً    فهَوَى بها مَن ذا الَّذي أهواكَ؟
بل سائِل الأعمى خَطَا بين الزِّحام    بِلا اصطدامٍ مَن يقود خطاكَ؟
قل للجنين يعيش معزولًا بِلا    راعٍ ومرعى ما الَّذي يرعاكَ؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء    لدى الولادة ما الَّذي أبكاكَ؟
وإذا ترى الثُّعبان ينفث سمَّهُ    فاسأله مَن ذا بالسُّموم حَشَاكَ؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان    أو تحيى وهذا السُّمُّ يملأ فَاكَ؟
واسأل بطون النَّحل كيف تقاطرت    شهدًا وقل للشَّهد مَن حلاَّكَ؟
بل سائل اللَّبن المُصَفَّى كان    بين دمٍ وفرثٍ ما الَّذي صفَّاكَ؟
وإذا رأيت الحيَّ يخرج مِن    حَنَايا ميِّتٍ فاسأله مَن أحياكَ؟
قل للهواء تحثُّه الأيدي ويخفى    عن عيون النَّاس مَن أخفاكَ؟
قل للنَّبات يجفُّ بعد تعهُّدٍ    ورعايةٍ مَن بالجفاف رَمَاك؟
وإذا رأيت النَّبت في الصَّحراء    يربو وحده فاسأله مَن أَرْبَاكَ؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرًا    أنواره فاسأله مَن أسْرَاكَ؟
واسأل شعاع الشَّمس يدنو وهي    أبعد كل شيءٍ ما الَّذي أدناكَ؟
قل للمرير مِن الثِّمار مَن الَّذي    بالمرِّ مِن دُون الثِّمار غذاكَ؟
وإذا رأيت النَّخل مشقوق النَّوى    فاسأله مَن يا نخل شقَّ نواكَ؟
وإذا رأيت النَّار شبَّ لهيبها    فاسأل لهيب النَّار مَن أوراكَ؟
وإذا ترى الجبل الأشَمَّ مناطحًا    قِمَمَ السَّحاب فسَلْه مَن أرساكَ؟
وإذا ترى صخرًا تفجَّر بالمياه    فسَله مَن بالماء شقَّ صَفَاكَ؟
وإذا رأيت النَّهر بالعذب الزُّلال    جرى فسَلْه مَن الَّذي أجراكَ؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأُجاج     طغى فسَلْه مَن الَّذي أطغاكَ؟
وإذا رأيت اللَّيل يغشى داجيًا    فاسأله مَن يا ليل حاك دُجاكَ؟
وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًا    فاسأله مَن يا صبح صاغ ضُحَاكَ؟
ستُجيب ما في الكون مِن آياته    عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكَ
ربِّي لك الحمد العظيم لذاتك    حمدًا وليس لواحدٍ إلاَّكَ
يا مدرك الأبصارِ والأبصارُ    لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا
إن لم تكن عيني تراك فإنَّني    في كل شيء أستبين عُلاكَ
1- فسبِّح باسم ربِّك العظيم
في سورة الواقعة مجموعةٌ مِن الآيات تتحدّث عن عظمة الله جل جلاله، وتُختم بالأمر بالتّسبيح، فتذكر عظمة الله سبحانه في خلقه للإنسان، وتذكر عظمة الله عز وجل في قدرته على إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها وخلق النّار مِن الشّجر الأخضر {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 58-74].
ويتكرّر الأمر بتسبيح الرّبّ العظيم سبحانه في نهاية ذات السّورة بعد بيان انقسام النّاس إلى مقرّبين وأصحاب يمينٍ وأصحاب شمالٍ {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 88-96].
وكذلك تُختم سورة الحاقّة أيضًا بالأمر بتسبيح الرّبّ العظيم سبحانه {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقّة: 52].
ويبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ هذه الصّيغة مِن التّسبيح تناسب الرّكوع في مقابل السّجود الّذي يناسبه الدّعاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ). صحيح مسلمٍ: 479
فهو ربٌّ عظيمٌ جل جلاله نسبّحه؛ أي ننزّهه عن كلّ نقصٍ، وسواءٌ علينا سبّحنا أم لا، فكلّ ما في السّماوات والأرض يقرّ بعظمته ويسبّحه، وهو ما افتُتحت به سوَر الحشر والصّفّ والحديد، ففي مطلع سورة الحشر {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 1].
وفي مطلع سورة الحديد بيانٌ لبعض أوجه عظمته بعد الأمر بتسبيحه سبحانه: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 1-3].
وفي مطلع سورة الصّفّ {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصّفّ: 1-2].
فتأمّل ترَ خواتيم سورٍ تأمرنا بتسبيح الرّبّ العظيم سبحانه، وسورًا أخرى تخبرنا فواتحها بأنّ الكون كلّه أقرّ بعظمة خالقه، فهل نقرّ نحن كذلك؟
2- آياتٌ تنطق بالعظَمة
لله عز وجل آياتٌ مقروءةٌ في قرآنه، وآياتٌ منظورةٌ في كونه، وكلاهما ينطق بعظمته، تأمّل هذه الآيات مِن سورة النّمل؛ تلفت انتباهنا إلى الحدائق ذات البهجة: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النّمل: 60].
ثمّ تُوجّهنا إلى الأرض وجبالها وأنهارها، الجبال الّتي تثبّت الأرض زمانًا، ثمّ تتّحرك أحيانًا لتذكّرنا بنعمةٍ عظيمةٍ مِن ربٍّ عظيمٍ سبحانه ننساها، وهي نعمة الأرض المستقرّة {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النّمل: 61].
ثمّ تلفت انتباهنا إلى قدرة الله جل جلاله على استجابة دعاء المضطرّ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النّمل: 62].
ثمّ تلوّح لنا بالرّياح تبشّر العباد بالمطر دليلًا على عظمة الله سبحانه ورحمته {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النّمل: 63].
ثمّ تنبّهنا إلى عظمة الرّزاق جل جلاله {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النّمل: 64].
كلّ هذه الآيات القرآنيّة تعطفنا إلى الآيات الكونيّة لنسمعها وهي تقول "الله عظيمٌ" {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذّاريات: 20-21].
ليست الآفاق البعيدة ما ينطق بعظمة الله جل جلاله فقط، بل أنفسنا كذلك، لسان الملحد الّذي يعبّر فيه عن إلحاده إنّما هو آيةٌ ناطقةٌ بعظمة الله سبحانه، لو تأمّل عضلاته وأعصابه وأوعيته الدّمويّة وغدَده المفرزة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصّلت: 53].
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ليلًا ورفع رأسه إلى السّماء سبّح الرّبّ العظيم سبحانه؛ متفكّرًا في عظيم خلقه متمثّلًا قوله {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].
عن حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْتُ وَأَنَا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ لَأَرْقُبَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةٍ حَتَّى أَرَى فِعْلَهُ، فَلَمَّا صَلَّى صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَهِيَ الْعَتَمَةُ، اضْطَجَعَ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَنَظَرَ فِي الْأُفُقِ، فَقَالَ: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191].
حَتَّى بَلَغَ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194].
ثُمَّ أَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فِرَاشِهِ، فَاسْتَلَّ مِنْهُ سِوَاكًا، ثُمَّ أَفْرَغَ فِي قَدَحٍ مِنْ إِدَاوَةٍ عِنْدَهُ مَاءً فَاسْتَنَّ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى حَتَّى قُلْتُ: قَدْ صَلَّى قَدْرَ مَا نَامَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى قُلْتُ: قَدْ نَامَ قَدْرَ مَا صَلَّى، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ. سنن النّسائيّ: 1626
خاتِمةٌ:
أعظم آيةٍ في القرآن هي تلك الّتي خُتمت بذكر عظمة الله جل جلاله، واكتنفت صفاته العظيمة {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: (أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ الَّلهِ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ: الَّلهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟) قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: (لِيَهْنِ لَكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ الْعِلْمُ). سنن أبي داود: 1460
تلك العظمة الّتي تخرّ لها الصّمّ مِن الجبال، ويصعق لها أولو العزم مِن الرّجال {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143].
تلك العظمة الّتي أنكر نوحٌ على قومه غيابها مِن قلوبهم إذ قال لهم {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح: 13-20].
ماذا لو رأى حالنا نبيّ الله نوحٌ عليه السلام هذه الأيّام! هل سينكر علينا ما أنكر على قومه؟ إنّ اهتزاز الأرض مِن تحت العباد رسالةٌ تبيّن قدرة الله وعظمته، فسبحان الرّبّ العظيم جل جلاله.
 

http://shamkhotaba.org