الاقتداء بالصَّحب الأطهار في الفِداء والإيثار
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الثلاثاء 7 مارس 2023 م
عدد الزيارات : 695
مقدمة:
إنّ الخُلُقَ الحَسَن عنوان كمال الإيمان، وثمرة البرّ والإحسان، وأساس التّعامل بين النّاس، ومقياس الحياة في الأمم، ومصدر النّهضة في الشّعوب، فلا سعادة في الحياة إلّا بالأخلاق الكريمة، ولا هناءة في العيش إلّا بالشّمائل النّبيلة، ولقد دلّ تاريخ البشريّة -في جميع مراحلها- على أنّ الأخلاق الفاضلة مناراتٌ زاهرةٌ، تُضيء على الدّنيا، وتشعّ على الوجود، لتوصل النّور والضّياء لكلّ مَن يريد أن يهتدي إلى الحقيقة، وينشد الأمن والاستقرار، وإنّ الله سبحانه لم يُرسِل الرّسل المكرَّمين إلّا ليكونوا هداة الأمم إلى محامد الصّفات، وإنّ مجال الخُلُق الحسن واسعٌ، وشُعَبه كثيرةٌ، ولعلّ مِن أبرزها: أن يكون المسلم زكيّ النّفس، برًّا كريمًا، رحيمًا بإخوانه، مؤثرًا لهم على نفسه، يقدّم حاجتهم على حاجته، حتّى يبلغ قمّة الفضيلة، ولكن هيهات أن يتّصف المرء بخُلق الإيثار إلّا إذا عَمَرَ الإيمان قلبه، وملأت الرّحمة فؤاده، فأحبّ لغيره مثل مّا يحبّ لنفسه وأكثر، ولقد بيّن الله عز وجل في كتابه أنّ مِن البرّ -بعد أركان الإيمان- إطعام الطّعام لمحتاجيه، وبذله لمريديه، مع حبّه واشتهائه والرّغبة فيه، قال تعالى: {‌لَيْسَ ‌الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]. 
وما مجيئه -أي إطعام الطّعام- بعد أركان الإيمان مباشرةً إلّا دلالةً على عظمته وعلوّ منزلته، ولقد كان الإيثار أبرز صفةٍ اتّصف بها الأنصار؛ ففاقوا بها غيرهم، حيث قدّموا صورًا مضيئةً مشرقةً في البذل والإيثار للمهاجرين، فاستحقّوا الثّناء عليهم مِن ربِّ العالمين في قرآنه الكريم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ ‌خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
وإنّ الإيثار على النّفس -مع الحاجة- قِمّةٌ عُليا، بلغَها الصّحابة الأمجاد على صفةٍ لم تشهد البشريّة لها نظيرًا قبلهم، وإن بلغ بعضها مَن أتى بعدهم ممّن اقتفى أثرهم.
1- مِن معاني الإيثار
الإيثار دليل صدق الإيمان، وقوّة اليقين، مع الطّمع فيما عند الله مِن الأجر والثّواب، و إنّه سبيل تآلف القلوب، وانتشار المحبّة بين أفراد المجتمع، ولأهمّيّته في حياة المسلمين كان مِن جملة الأخلاق الفاضلة الّتي ربّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ الْغَزْوَ، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ‌إِنَّ ‌مِنْ ‌إِخْوَانِكُمْ ‌قَوْمًا ‌لَيْسَ ‌لَهُمْ ‌مَالٌ، وَلَا عَشِيرَةٌ، فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ، أَوِ الثَّلَاثَةَ، فَمَا لِأَحَدِنَا مِنْ ظَهْرِ جَمَلِهِ إِلَّا عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ). مسند أحمد: 14863
وقد تشتدّ الحاجة للإيثار في السّفر الّذي يكشف معادن الرّجال، فبالإيثار تتطهّر النّفس مِن الشّحّ والبخل، والجشع والطّمع، والأثرة والأنانيّة، وغيرها مِن الصّفات الذّميمة الّتي تجعل صاحبها لا يفكّر إلّا بنفسه، بل يفضّلها على النّاس أجمعين، وإذا تغلّبت هذه الصّفات على الإنسان فذَكَر نفسه ونسي أخاه، وبنى حياته على حساب غيره، أصبح المجتمع متفكّكًا، تضعف فيه الرّوابط بين أفراده، ولقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن كلّ صفةٍ تجعل القلب مريضًا قاسيًا، و تسبّب للمجتمع هلاكًا ودمارًا ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ ‌وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا). مسند أحمد: 6792
والإيثار صورةٌ مشرقةٌ تتجلّى فيها أسمى معاني الحبّ والإخاء بين المسلم وأخيه، عندما يعطيه مِن ماله ويقاسمه على كلّ ما أعطاه الله إيّاه، ممتثلًا هدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَحَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ). مسند أحمد: 13875
وإنّه سببٌ لحصول البركات، وزيادة الأرزاق والخيرات، فلقد شكا الصّحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن عدم كفاية الطّعام، فأرشدهم إلى الاجتماع عليه، ‌عَنْ وحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه، عَنْ ‌أَبِيهِ، عَنْ ‌جَدِّهِ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَأْكُلُ، وَلَا نَشْبَعُ قَالَ: (فلَعَلَّكُمْ ‌تَفْتَرِقُونَ؟) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ). سنن أبي داود: 3764
فحريٌّ بنا أن تذوب مِن بيننا الأعراق والأجناس -لا سيّما في أوقات الكربات والأزمات- فنمتزج مع بعضنا، ونغدو كجسدٍ واحدٍ، يشعر كلّ فردٍ فينا بآلام الآخرين وحاجتهم، ويحصل التّنافس بيننا في الكرم والجود والإيثار، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ ‌بِالسَّهَرِ ‌وَالْحُمَّى). مسند أحمد: 18380
وإنّ مجتمعًا يتحلّى أبناؤه بخُلُق السّخاء والإيثار-فيَحْرم الإنسان نفسه ليُعطي غيره، ويجوع ليشبع إخوانه، ويعطش ليروي سواه، ويتعب جسده ليستريح إخوانه، ويتألّم ليسعد الآخرون- لَمُجتمعٌ قويٌّ متماسكٌ متحابٌّ متعاونٌ، مجتمعٌ رست قواعده على أساسٍ متينٍ مِن الإيمان بالله واليقين به، والتجّمل بأجمل الصّفات وأكرم الأخلاق، حتّى شعر كلّ واحدٍ مِن أبنائه أنّ عليه تجاه إخوانه واجباتٍ يجب أن يؤدّيها. 
2- صورٌ مِن إيثار الصَّحابة الأطهار
لقد وصل المهاجرون -بعد رحلةٍ شاقّةٍ مِن مكّة-إلى المدينة، وليس معهم شيءٌ مِن متاع الدّنيا، حيث تركوا أموالهم وكلّ ما يملكون خلف ظهورهم، فارّينَ بدينهم وعقيدتهم إلى الله عز وجل، طامعين فيما عنده مِن الأجر والمثوبة، فاستقبلهم الأنصار في حفاوةٍ وتكريمٍ، وسطّروا للدّنيا كلّها أروع الأمثلة في ذلك، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتِ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَلَا ‌أَحْسَنَ ‌مُوَاسَاةً ‌فِي ‌قَلِيلٍ، قَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَأِ، فَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَلَّا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَدَعَوْتُمُ اللهَ لَهُمْ). مسند أحمد: 13122
ولقد وصل الحال بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آثروا إخوانهم بحياتهم، وهذا منتهى الجود والسّخاء، قال ابن كثيرٍ: قال عكرمة بن أبي جهل يوم اليرموك: "قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن، وأفرّ منكم اليوم؟! ثمّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمّه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائةٍ مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدّام فسطاط خالد حتّى أثبتوا جميعًا جراحًا، وقُتل منهم خلقٌ، منهم: ضرار بن الأزور، فلمّا صُرعوا مِن الجراح استسقوا ماءً فجيء إليهم بشربة ماءٍ، فلمّا قُرّبت إلى أحدهم نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فلمّا دُفعت إليه نظر إليه الآخر فقال ادفعها إليه، فتدافعوها كلّهم- مِن واحدٍ إلى واحدٍ- حتّى ماتوا جميعًا، ولم يشربها أحدٌ منهم". البداية والنّهاية: 7/15
ولنتأمّل إيثار السّيّدة عائشة رضي الله عنها لعمر بن الخطّاب على نفسها بالدّفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنْ ‌عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ ‌عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلَامَ، ‌ثُمَّ ‌سَلْهَا ‌أَنْ ‌أُدْفَنَ ‌مَعَ ‌صَاحِبَيَّ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي". صحيح البخاريّ: 1392
بل لقد آثرت مسكينًا سألها رغيف خبزٍ كانت قد أعدّته لفطورها؛ فأعطته إيّاه، وليس عندها غيره، عَنْ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا، وَهِيَ صَائِمَةٌ، وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ، فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: "أَعْطِيهِ إِيَّاهُ"، فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: "أَعْطِيهِ إِيَّاهُ"، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، قَالَتْ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٌ مَا ‌كَانَ ‌يُهْدِي ‌لَنَا ‌شَاةً ‌وَكَفَنَهَا، فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: "كُلِي مِنْ هَذَا، هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ". الموطّأ مالك: 3655
ففي هذا درسٌ بليغٌ في التّوكّل على الله والثّقة بما عنده، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: أُهْدِي لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسُ شَاةٍ، فَقَالَ: "إِنَّ أَخِي فُلَانًا ‌وَعِيَالَهُ ‌أَحْوَجُ ‌إِلَى ‌هَذَا مِنَّا"، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ إِلَيْهِ وَاحِدًا إِلَى آخَرَ، حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ، حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ، فَنَزَلَتْ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. المستدرك على الصّحيحين للحاكم: 3799
وتكفينا مثل هذه الصّور المشرقة، الّتي جسّدوا فيها الإيثار قولًا وعملًا، حتّى نتأسّى بهم، ونقتفي أثرهم، في زمنٍ اشتدّت فيه الحاجة إلى الجود والإيثار.
خاتِمةٌ:
يكون الإيثار في أمور الدّنيا وحظوظ النّفس، فيجود المرء على المحتاجين، ويواسي بماله المنكوبين، ويفضّل الآخرين على نفسه، وأمّا في الطّاعات والقربات فلا إيثار فيها، عَنْ سَهْلِ بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْغُلَامِ: (أتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ)، فَقَالَ الْغُلَامُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ‌لَا ‌أُوثِرُ ‌بِنَصِيبِي ‌مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ في يده. صحيح البخاريّ: 2319
إنّ دِيننا يقوم على البذل والعطاء، والجود والسّخاء، ويحثّ أبناءه على المحبّة والإخاء، ونبذ الحقد والشّحناء، حتّى تتزكّى نفس الإنسان؛ فيبذل مِن ماله لمساعدة إخوانه، ويقدّم حاجتهم على حاجته، وإنّ الأمّة الإسلاميّة بحاجةٍ ماسّةٍ في أيّام محنها وشدائدها إلى التّخلق بهذه الأخلاق الفاضلة، والتّحلّي بمثل هذه الصّفات النّبيلة، الّتي تمثّل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام واقعًا وعملًا وسلوكًا، فلنقدِ بهم؛ لنواسي المنكوبين والمكلومين، ونتفقّد الجائعين والمحتاجين، ونفعّل مبدأ التّراحم والتّكافل فيما بيننا، و البذل والعطاء في سبيل إسعاد الآخرين، لا سيّما في أوقاتنا العصيبة هذه، وبذلك نكون متراحمين متعاطفين، متحابّين متكافلين، يشعر غنيّنا بفقيرنا، ويعطف قويّنا على ضعيفنا، ويغدو مجتمعنا مجتمعًا تسود فيه المحبّة والمودّة والتّراحم والتّكافل، وينعم أبناؤه بالأمن والأمان، والسّكينة والاستقرار، قال تعالى: {‌وَالْمُؤْمِنُونَ ‌وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: 71].
 
 

http://shamkhotaba.org