المادة العلمية لخطبة الجمعة
الموضوع : التحذير من أكل المال الحرام
عناصر الخطبة :
1 ا - لإنسان مجبول على حب الدنيا.
2- فتنة الدنيا.
3- حرمة أموال الناس .
4- صور أكل المال الحرام.
5- عقوبة أكل المال الحرام.
6- لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها
..........................................................................................................
1-الإنسان مجبول على حب الدنيا :
حبُّ المال طبيعةٌ في البشر، وجِبِلَّةٌ في الإنسان، قال تعالى (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر: ٢٠
روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب " ويشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حب المال وطول العمر. ( البخاري ومسلم )
2- المال فتنة الدنيا :
لقد جعل الله الرغبةَ في المال ابتلاءً واختبارًا قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) التغابن: ١٥
وقال أيضاً:(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران: ١٤
وقال الله (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ) المائدة: ٨٨
أي: مُحلَّلٌ لكم ليس مُكتسبًا بطريقٍ مُحرَّم؛ كالغصب، والسرقة، والرِّبا، والرِّشوة، والغشِّ، والمعاملات المُحرَّمة.
قال ابن كثير:"يبين أنه الرازق لجميع خلقه، فذكر في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالاً من الله طيباً أي مستطاباً في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعَه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها ".( تفسير ابن كثير )
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وإن فتنة أمتي الْمالُ "
وجاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنّ أكثرَ ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض؛ قيل وما بركات الأرض ؟ قال زهرة الدنيا" . (البخاري )
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سقوط كثير من الناس في هذه الفتنة آخر الزمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال: أمن حلال أم من حرام؟. (البخاري )
3- حرمة أموال الناس :
قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) النساء: ٢٩
قال قتادة :"اعلم يا ابن آدم أنّ قضاء القاضي لا يحل لك حراماً، ولا يُحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو مايرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أنّ من قُضي له بباطل أنّ خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجودَ مما قضى به للمبطل على المحق في الدنيا ". (تفسير ابن كثير )
وقال سبحانه ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة: ١٨٨
قال ابن عباس رضي الله عنهما :"هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وقد علم أنه آثمٌ، آكلُ حرام " . (الدر المنثور )
وكان هذا مما أكده نبينا صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة في حجة الوداع، حيث قال :" فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا". ( رواه البخاري )
وقد سمى الله أكل المال الحرام سحتاً، كما قال سبحانه عن اليهود (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)المائدة: ٦٢
لأنَّ السُّحت بمعنى الزوال والانعدام، والمال المسحوت بمعنى المال المقتلع والمقطوع من جذوره، وحيث إن المال الحرام لا بركة فيه، ولا ينتفع المتصرِّف به، لذا عبِّر عن أكل الحرام بأكل السحت.
4- صور أكل المال الحرام المنتشرة هذه الأيام :
أولاً : الغلول من الغنيمة :
وهو من الكبائر من الذنوب، وهو السرقة من الغنائم ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : كان على ثَقَلِ النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كِركِرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو في النار ، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها. ( رواه البخاري)
(الثَقَل : العيال ومايثقل حمله من الأمتعة،والمقصود أنه كان موكلاً بحفظ هذه الأمتعة )
وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أدُّوا الخيطَ والمِخيَط، وأكبرَ من ذلك وأصغر، ولا تغُلُّوا؛ فإن الغُلُول نارٌ وعارٌ على أصحابِه في الدنيا والآخرة» ( رواه الإمام أحمد)
لذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ بعِفَّة اليدِ، وخطبَ في الناس عقِبَ غُنمِهم لغنائِم حُنين، مُحذِّرًا إياهم من الافتِتان بما يرَون من أموالٍ قد تكونُ سببًا في الغُلُول، فقال لهم عليه الصلاة والسلام : «من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يركَب دابَّةً من فَيءِ المُسلمين، حتى إذا أعجفَها ردَّها فيه، ومن كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يلبَس ثوبًا من فَيءِ المسلمين، حتى إذا أخلقَه ردَّه فيه» (رواه أبو داود)
ثانياً : سرقة بيوت المهجّرين والمجاهدين :
وهذا من دناءة النفس وخستها، كما قال العلامة ابن القيم : "فالنفس الشريفة العلية لاترضى الظلم،ولا بالفواحش، ولا ولا بالسرقة والخيانة، لأنها أكبر من ذلك وأجلّ؛ والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها" .
عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة،فقال رجل : وإن كان شيئا يسيرا يارسول الله ؟ فقال : وإن قضيبا من أراك .( رواه مسلم )
وعن عائشة رضي الله عنها : من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين .
ثالثاً : أكل مال اليتيم :
قال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (النساء:10)
بل عدّها صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ، حيث جاء في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها (أكل مال اليتيم ) ( رواه البخاري ومسلم )
5- عقوبة أكل المال الحرام :
أولاً : عدم قبول الدعاء :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ". ( رواه مسلم )
قال ابن رجب رحمه الله :" أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به سببٌ موجبٌ لعدم قبول إجابة الدعاء". ( جامع العلوم والحكم )
ثانياً : عدم قبول العمل الصالح :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم : (من جمع مالا حراما ، ثم تصدق به ، لم يكن له فيه أجر ، وكان إصره عليه "). (رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني)
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ . ( رواه مسلم )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "بل من أنفق من الحرام فإن الله تعالى يذمه ويستحق بذلك العقاب في الدنيا والآخرة "
وقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: لا يقبل اللّه صلاة امرىء في جوفه حرام. ( جامع العلوم والحكم )
و قال سفيان الثوري رحمه الله: من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهّر الثوب بالبول؛ والثوبُ لا يطهِّره إلا الماء ، والذنبُ لا يُكفِّره إلا الحلال ، كيف يُقبل من آكل الحرام عمل أو يُرفع له دعاء والله تعالى يقول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ) المائدة: ٢٧
وقال وهب بن الورد : لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام . ( جامع العلوم والحكم )
وقال الغزالي رحمه الله :" العبادات كلها ضائعة مع أكل الحرام وإنّ أكل الحلال هو أساس العبادات كلها " وقال أيضاً:" العبادة مع أكل الحرام كالبناء على أمواج البحار" . (إحياء علوم الدين)
ثالثاً : أكل المال الحرام سبب من أسباب عذاب القبر :
جاء في صحيح البخاري في رؤياه صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي رآها في عذاب أصحاب المعاصي في قبورهم قال صلى الله عليه آله وسلم : ( فأتينا على نهرٍ حسبتُ أنه كان يقول أحمر مثل الدم ، وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح ، وإذا على شِطِّ النهرِ رجلٌ عنده قد جَمع حجارةً كثيرة ، وإذا ذلك السابحُ يسبحُ ما سبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغَرُ فاه ، فيلقمه حجراً ، فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر فاه فألقمه حجراً )
قال الإمام الذهبي: " وجاء في حديث فيه طول : أنّ آكل الربا يُعذَّبُ مِن حينِ يموتُ إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقَمُ الحجارةَ وهو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا، يُكلَّفُ المشقةَ فيه ويلقَمُ حجارةً مِن نارٍ كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا، هذا العذابُ له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنةِ الله له" . ( الكبائر )
وهذا مجاهدٌ قُتلَ في سبيلِ الله، فقال الصحابةُ - رضي الله عنهم- هنيئاً لهُ الشهادةِ يا رسول الله , فقال صلى الله عليه آله وسلم : كلاَّ والذي نفسي بيده إنّ الشملةَ, لتلتهبُ عليه ناراً, أخذها يوم خيبر من الغنائم، لم تُصبها المقاسم ، قال: فَفَزِعَ الناسِ فجاءَ رجلٌ بشراكٍ أو شراكين، وقال: أخذتهما يوم خيبر فقال رسولُ الله صلى الله عليه آله وسلم : شراكٌ أو شراكان في النار. (متفق عليه )
رابعاً : أكل المال الحرام ماحقٌ لبركة المال وسببٌ لحلول النقم وزوال النعم وفشوّ العاهات:
عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال : (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب ).(رواه البخاري ومسلم(
قال ابن حجر الهيتمي : وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا التُّجَّارُ وَالْمُتَسَبَّبُونَ وَأَرْبَابُ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الظَّلَمَةَ فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَهَتَكُوا حَرِيمَهُمْ ، بَلْ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارَ فَأَسَرُوهُمْ وَاسْتَعْبَدُوهُمْ ، وَأَذَاقُوهُمْ الْعَذَابَ وَالْهَوَانَ أَلْوَانًا ، وَكَثْرَةُ تَسَلُّطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْحَرِيمِ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمَّا أَنْ أَحْدَثَ التُّجَّارُ وَغَيْرُهُمْ قَبَائِحَ ذَلِكَ الْغِشِّ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ وَعَظَائِمِ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَادَعَاتِ وَالتَّخَيُّلَاتِ الْبَاطِلَةِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِأَيِّ طَرِيقٍ قَدَرُوا عَلَيْهَا ، لَا يُرَاقِبُونَ اللَّهَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهِمْ ، وَلَا يَخْشَوْنَ سَطْوَةَ عِقَابِهِ وَمَقْتِهِ ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِالْمِرْصَادِ : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )غافر: ١٩
خامساً : أكل الحرام سببٌ في سوء الخاتمة :
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى :" ومهما ضعُف الإيمانُ ضعُف حبُّ الله تعالى وقوي حبُّ الدنيا، فيصير بحيث لا يبقى في القلب موضعٌ لحب الله تعالى إلا من حيث حديث النفس، ولا يظهر له أثرٌ في مخالفة النفس والعدول عن طريق الشيطان فيورثُ ذلك الانهماكَ في اتباع الشهوات حتى يٌظلمَ القلبُ ويقسوَ ويسودَّ وتتراكمِ ظلمةُ النفوسِ على القلب، فلا يزال يُطفئ ما فيه من نور الإيمان على ضعفه حتى يصير طبعاً ورَيناً، فإذا جاءت سكراتُ الموتِ ازداد حبُّ الله ضعفاً لما يبدو من استشعار فراقِ الدنيا وهي المحبوبُ الغالبُ على القلب، فيتألمُ القلبُ باستشعار فراقِ الدنيا وينقلبُ ذلك الحبُّ الضعيفُ لله بغضاً؛ فإنِ اتفق زهوقُ روحِه في تلك اللحظة التي خطرت فيها هذه الخطرةُ فقد خُتم له بالسوء وهلك هلاكاً مؤبداً".
قال الهيثمي :" وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يَخْتِمَ اللَّهُ لَهُ بِسُوءٍ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اعْتِيَادُ الرِّبَا وَالتَّوَرُّطُ فِيهِ عَلَامَةً عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ ، إذْ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَيْفَ يُخْتَمُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ بِخَيْرٍ ؟ وَهَلْ مُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ إلَّا كِنَايَةٌ عَنْ إبْعَادِهِ عَنْ مَوَاطِنِ رَحْمَتِهِ وَإِحْلَالِهِ فِي دَرَكَاتِ شَقَاوَتِه" .
6- لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها :
عن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هلُمُّوا إليَّ»، فأقبَلوا إليه فجلَسُوا. فقال: «هذا رسولُ ربِّ العالمين جبريلُ نفثَ في روعِي أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكمِلَ رِزقَها وإن أبطَأَ عليها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلنَّكم استِبطاءُ الرِّزق أن تأخذُوه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنالُ ما عندَه إلا بطاعتِه» (أخرجه البزار في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ (
(وأجمِلوا في الطلبِ ) أي: في طلبِ الرِّزق والسعي لتحصيل الدنيا والمكاسِب .