التحذيرمن الشائعات والإرجاف
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 27 نوفمبر 2014 م
عدد الزيارات : 5741
التحذيرمن الشائعات والإرجاف

 عناصر الخطبة :
1- مفهوم الشائعة .
2– تحذير الشريعة من نقل الشائعة .
3– فوائد وحكم في سبب نزول قوله تعالى :(يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَـٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ )(الحجرات-6) 
4- خطورة الشائعات .
5– نماذج عبر التاريخ .
6- الموقف الشرعي في التعامل مع الشائعات.
(وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ ۗ)(التوية-47)
...................................................................
قال تعالى :( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)(النور-15 ) لسان يتلقّى عن لسان بلا تدبر ولا تروٍّ ولا فحصٍ ولا إمعان نظر، حتى لكأنَّ القول لا يمر على الآذان، ولا تتملّاه الرُّؤوس، ولا تتدبّره القلوب!  (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)  لا بوعيكم، ولا بعقلكم، ولا بقلبكم! إنما هي كلمات تقذف بها الأفواه قبل أن تستقر في المدارك وقبل أن تتلقاها العقول...)
 
1-               مفهوم الشائعة  :
هي نبأ مجهول المصدر سريع الانتشار، ذو طابع استفزازي في الغالب، وقيل: هي معلومة ضَالَّة مُضَلِّلة تَصْدُر من فردٍ، ثم تنتقل إلى أفراد، ثم إلى المجتمع، فهي محمولة على الضلال، وهي مجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس. وقيل: هي رواية مُصْطَنَعة يَتِمُّ تَناوُلُها بأيِّ وسيلة متعارف عليها، دونَ النظر لمصدرها.
وقيل أيضاً :هي أقاويل وأخبار يتناقلها الناس بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرَ صحيحةٍ.
 

 

2-               تحذير الشريعة من نشر الشائعة:

 

أ‌-                   الإشاعة نوع من الكذب :قال صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع )(رواه مسلم )
قال المناوي رحمه الله تعالى: (أي إذا لم يثبت لأنه يسمع عادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب، والكذب الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه، وإن لم يتعمد. لكن التعمد شرط الإثم...)( فيض القدير )
ومن ذلك قوله أيضًا قوله :( بئس مطية الرجل زعموا) (رواه أحمد و أبو داود - السلسلة الصحيحة 866)
قال الخطابي: (... وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما هو شيء حُكي عن الألسن على سبيل البلاغ ، فذم النبي صلّى الله عليه و سلّم من الحديث ما كان هذا سبيله، وأمر بالتثبت فيه، والتوثّق لما يحكيه من ذلك فلا يرددونه حتى يكون معزيًا إلى ثبت، ومرويًا عن ثقة ) ( معالم السنن )
ب‌-             السعي بالشائعة في الغالب من الإرجاف :والإرجاف هو الخوض في الباطل وذكر الفتن،وإشاعة الكذب بقصد خلق الفتنة وإحداث الاضطراب بين الناس؛ وهو من فعل المنافقين، قال تعالى : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً )(الأحزاب:60-61
ت‌-              الساعي بالإشاعة فاسق : قال تعالى :  (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَـٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ) (الحجرات-6) فسمّى الله ناقل الشائعة فاسقاً .
ث‌-              وكره لكم قيل والقال :فكثرة الكلام ونقل الأقاويل أصل الإشاعات، لذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فعن المغيرة بن شعبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)(أخرجه البخاري)
 قال الحافظ ابن حجر:قَوْله :  ( وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ )  قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : . . . وفي معني الحديث ثلاثة أوجه:
أولها : الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ. . .
ثَانِيهَا : إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا لِيُخْبِر عَنْهَا فَيَقُول : قَالَ فُلان كَذَا وَقِيلَ كَذَا , وَالنَّهْي عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوص مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الْمَحْكِيّ عَنْهُ.
ثَالِثهَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين كَقَوْلِهِ : قَالَ فُلان كَذَا وَقَالَ فُلان كَذَا , وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يُؤْمَن مَعَ الإِكْثَار مِنْ الزَّلَل , وَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ يَنْقُل ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَثَبُّت , وَلَكِنْ يُقَلِّد مَنْ سَمِعَهُ وَلا يَحْتَاط لَهُ . قُلْت : وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الصَّحِيح  ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ )  (أخرجه مسلم) ( انظر فتح الباري )
 
3-               فوائد وحكم في سبب نزول قوله تعالى :
(يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓا۟ أَن تُصِيبُوا۟ قَوْمًۢا بِجَهَـٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُوا۟ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ) (الحجرات-6):
عن الحارث بن ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه، وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته فيرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً لأبان كذا وكذا –أي لوقت وموعد معلوم- ليأتيك ما جمعت من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسولُ فلم يأته، فظنَّ الحارث أنه قد حدث فيه سخطةٌ من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقّت لي وقتاً يرسل إليَّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبَسَ رسوله إلا من سخطةٍ كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الوليدَ بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق(خاف)-وذلك لأنه رأى الحرث وقومه خارجين-فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إنّ الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي- قال ذلك ظنّاَ منه وتخميناً -  فضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث-ليستيقنوا الخبر-فأقبل الحارثُ بأصحابه إذِ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بُعثتم؟ قالوا: إليك قال: ولم؟ قالوا: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمدا بالحق! ما رأيته بتة ولا أتاني!.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلتُ إلا حين احتبس عليّ رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيتُ أن تكون كانت سخطةً من الله  عز وجل ورسوله قال: فنزلت
الحجرات: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(الحجرات:6 )  (الإمام أحمد والطبراني - السلسلة الصحيحة 3085  )
الفائدة الأولى :خطورة القول بالظن والتخمين والتحليل :حيث حكم الوليد أن الحارث وقومه أرادوا قتله لمجرد أن رآهم خارجين تجاهه ، فكاد ذلك أن يؤدي إلى مقتلة لولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تثبّت ولم يتعجل .
الفائدة الثانية : التثبت وعدم التعجل :ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسارع إلى غزوهم وقتالهم وإنما بعث بعثاً للتثبت من حقيقة الموقف . يقول الحسن البصري : "المؤمن وقاف حتى يتبين" .
الفائدة الثالثة : قطع الشك باليقين : ذلك أن الحارث ندب قومه وسارع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ليعرف سبب تأخر رسوله عليه، وفي ذلك قطع لسبيل الإشاعات التي تستغل هذه الفجوات .
الفائدة الرابعة : الأصل حسن الظن بالمسلمين :حيث ظنّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحارث وقومه خيراً لذا بعث من يتثبت.
 

 

4-               خطورة الإشاعات :

 

كم من دماء سُفكت، وكم من جيوش هُزمت، وكم  من نكبة حلّت،وكم من فتنة أوقِظت، وكم من أعراض انتُهكت، وكم من بيوت هُدمت، وكم من زوجة طُلقت، وكم من وشائج قربى قُطعت، وكم من أخيار أطهار هُجروا..... كلُّ ذلك بسبب إشاعة يسعى بها الناس جهلا وحُمقاً، فتبلغ ماتبلغ من الخطر والضرر في المسلمين.
قال سيد قطب رحمه الله تعالى عند كلامه على قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ...)(النساء-83): "والصورة التي يرسمها هذا النص هي صورة جماعة في المعسكر الإسلامي، لم تألف نفوسهم النظام، ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر.وفي النتائج التي تترتب عليها وقد تكون قاصمة؛ لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث ولم يدركوا جدية الموقف وأن كلمة عابرة وفلتة لسان قد تجر من العواقب على الشخص ذاته وعلى جماعته كلها ما لا يخطر له ببال، وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال! أو –ربما –لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعسكر، وهكذا لا يعنيهم ما يقع له من جراء أخذ كل شائعة والجري بها هنا وهناك وإذاعتها حين يتلقاها لسان عن لسان سواء كانت إشاعة أمن أو إشاعة خوف فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة" (في ظلال القرآن )

5-              
نماذج وأمثلة عبر التاريخ :
المثال الأول :حين أُشِيع بأنَّ مشركي مكة قدْ أسلموا، رجَع مَن رجَع مِن المهاجرين هِجرةَ الحبشة الأولى، وقبل دُخولهم عَلِموا أنَّ الخبر كذب، فدخَل منهم مَن دخل، وعاد مَن عاد، فأمَّا الذين دَخلوا فأصاب بعضهم مِن عذاب قريش ما كان هو فارًّا بدِينه منه.
المثال الثاني :في معركةِ أُحد عندَما أشاع الكفَّارُ أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قُتِل، فَتَّ ذلك في عَضُد كثيرٍ من المسلمين، حتى إنَّ بعضهم ألْقَى السلاح وترَكالقتال
المثال الثالث :شائعة الإفْك، التي أطلقَها رأسُ النِّفاق عبدالله بن أُبيِّ بن سلول - لعَنَه الله - فراجتْ وماجتْ في المجتمع المدني؛ ونالت من بيت النبوة ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كاملاً وهو في حَيْرة من أمره، حتى نزل الوحي من السماء يُبَرِّئ أُمَّنا عائشة رضي الله عنها من هذه الفرية التي خاض فيها البعض
المثال الرابع :بعدَ عهْد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانتِ الشائعةُ السببَ الأول والرئيس في قتْل الخليفة الراشد المهدي عثمانَ بنِ عفان - رضي الله عنه - تَجمَّع أخلاطٌ من المنافقين ودَهْمَاء الناس وجَهَلَتِهم، وأصبحتْ لهم شوكة، وقُتِل عُثمانُ  خليفة المسلمين رضي الله عنه على إثْرها، بعدَ حِصاره في بيته وقَطْعِ الماء عنه.
 
6-               الموقف الشرعي في التعامل مع الشائعات :
هناك منهج واضح بينته الشريعة في التعامل مع الشائعات لدرء خطرها عن الأمة؛ وتعتبر حادثة الإفك التي ابتلي بها بيت النبوة نموذجاً واضحاً في كيفية التعامل مع الشائعات ؛ وتتلخص طرق التعامل مع الشائعات في ستة أمور :
الأول : حسن الظن بالمسلمين :قال الله تعالى: ( لَّوْلاإِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـاذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ )(النور:12)
وقال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾(الحجرات : الآية 12)
فإحسان الظن واجب، وإساءة الظن بالناس حرام، وسوء الظن أكثر ما يُذكي نار الشائعة ويؤججها .
الثاني : التثبت وطلب الدليل والبرهان :قال الله تعالى:  (لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (النور:13)
وقال تعالى : (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)وهذا عام في جميع الأخبار، ويتأكد في الشائعات، قال الشيخ العلامة عبدالرحمن السعديُّ رحمه الله: "والتثبُّت في سماعِ الأخبار وتمحيصها ونقْلها، وإذاعتها والبناء عليها  أصلٌ كبير نافِع، أمَر الله به رسولَه؛ قال  تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾( الحجرات: 6) فأمر بالتثبُّت، وأخبر بالأضرار المترتِّبة على عدم التثبُّت، وأنَّ مَن تثبت لم يندمْ، وأشار إلى الميزان في ذلك في قوله - تعالى-:  ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ ،وأنَّه العِلم والتحقُّق في الإصابة وعدْمه، فمَن تحقَّق وعَلِم كيف يسمع، وكيف ينقُل، وكيف يعمل، فهو الحازِم المصيب، ومَن كان غير ذلك فهو الأحمقُ الطائش الذي مآلُه النَّدامة"(تفسير السعدي )
الثالث :عدم التحدث بما بكل ماسمع وعدم نشره:فإنّ المسلمين لو لم يتكلموا بأية شائعة لماتت في مهدها، قال الله تعالى: ( لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـاذَا إِفْكٌ مُّبِين  (النور:12)
الرابع : رد الأمر إلى أولي الأمر :قال الله تعالى: ( وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (النساء:83)
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى: "هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا ما فيه مصلحة ، أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه.ولهذا قال (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْأي يستخرجونه بفكرهم، وآرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة" (تفسير السعدي )
الخامس : التفكر في عظم آثار الشائعة بين المسلمين: قال تعالى( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) . (النور-15 )
قال السيد قطب في ظلال القرآن: (وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام. (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)لسان يتلقى عن لسان بلا تدبر ولا ترو ولا فحص ولا إمعان نظر، حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره القلوب! (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) لا بوعيكم، ولا بعقلكم، ولا بقلبكم! إنما هي كلمات تقذف بها الأفواه قبل أن تستقر في المدارك وقبل أن تتلقاها العقول...) (في ظلال القرآن)
السادس : عدم مجالستهم أو السماع لهم :ينبغي على المسلم عدم مجالسة المرجفين في الأرض أو الاستماع إليهم عبر القنوات والإذاعات أو قراءة كلامهم في المنتديات أو الصحف والنشرات، فهم حريصون كل الحرص على أن يصلوا إلى من يسمعهم. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ (الأنعام-68)  وقال تعالى: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا ﴾ (الأحزاب -60)
 
7-              (وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ ۗ)(التوية-47)
 وأخيرا مما يجب التنبيه عليه أنّ مما يزيد في انتشار الشائعة ويُعظِم خطر المرجفين أن يكون من المؤمنين سمّاعون لهم،قال تعالى
(
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾    (التوبة : 47)
فيعظُم البلاء حين يكون في المسلمين جهلةٌ بسطاء، يَسمعون لهؤلاءِ المنافقين المفتونين،فيتأثَّرون بإشاعاتهم،ويَستجيبون لتخويفاتهم،ويُصبحون أبواقًا لهم، وببغاوات يُردِّدون أراجيفهم، ويَنشرون فِتنتَهم؛ فيتولَّد من سعْي أولئك المنافقين، وقَبول هؤلاءِ الساذجين، مِن الشرِّ والبلاء، وتوهين عزائمِ المؤمنين و إرْعابهم ما هو مِن أعظمِ البلاء على أُمَّتهم، وأكبر المَدد لأعدائهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله تعالى:"فأخْبَر أنَّ المنافقين لو خَرَجوا في جيْش المسلمين ما زادوهم إلاَّ خبالاً، ولكانوا يَسْعَون بينهم مسرِعين، يطلبون لهم الفِتنة، وفي المؤمنين مَن يقبل منهم ويستجيب لهم: إمَّا لظنٍّ مخطئ، أو لنَوْعٍ من الهوى، أو لمجموعهما"(مجموع الفتاوى ) .

 


http://shamkhotaba.org