فقه الانتصارات في سورة الفتح
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 1 أبريل 2015 م
عدد الزيارات : 4485

فقه الانتصارات في سورة الفتح


مقدمة:
ما أجمل هذه الانتصارات التي تمر بالأمة بين الفينة والأخرى, والتي يرسلها الله بشرى لعباده، فترفع المظالم النازلة عن الأفئدة الكسيرة، وتطفئ الآلام المبرحة التي تحُلُّ بالمظلومين والمستضعفين، وترد على الأمة روحها البائسة, وتنفث فيها روح العزة والإباء الذي يلزمها لمواصلة طريقها إلى هدفها المنشود .
سبب نزول السورة:
عن أنس قال : لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله عز وجل : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) (الفتح: 2) الْآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ: (مُسْتَقِيمًا)(النساء: 68) ، أوْ كَمَا شَاءَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا ) (مستخرج أبي عوانة / 6809)

عناصر الخطبة :
1- النصر والفتح من عند الله ( سلوى للمؤمنين, وعقوبة للمجرمين ) .
2- من أبرز أسباب النصر:
           الأسوة الحسنة والقائد الفذ.
           وحدة الصف واتحاد الكلمة.
           - العبادة والتضرع.
3- الرحمة بالمؤمنين
4- في دروب النصر .. لا التفات للمثبطين .

1- النصر والفتح من عند الله ( سلوى للمؤمنين, وعقوبة للمجرمين ):
افتُتِحت هذه السورة بقوله تعالى : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً )( الفتح: 1) , فالفضل لله سبحانه وتعالى في كل نصر وفتح , وحين تحمرُّ الحَدَقُ وتلتحم الصفوفُ ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )( الأنفال: 17)
وفي القرآن الكريم كثير من الآيات الكريمة تضيف النصر إلى الله تعالى، فيقول ربنا عز وجل :
﴿إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾( البقرة: 214) ,
 ﴿َمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ (آل عمران: 126)
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ (التوبة: 25)
 إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
 وهذه الإضافة - إضافة النصر إلى الله - تعني أنّ النصر يحتاج إلى مدد إلهيّ , وليس بعدد ولا قوة ولا فصيل ولا سلاح, ويترجم هذا المعنى الصديقُ أبو بكر رضي الله عنه حين قال : إنا لا نقاتلهم بعدد ولا عدة " , فلله الحمد أولاً وآخراً .
إن هذه الانتصارات المباركة التي شرَّف الله بها عباده وأكرمنا بها , تأتينا بين كل فينة وأخرى منارات على الطريق, وبشارات للمؤمنين، (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)( الانفال: 10)
واستراحات في درب طويل ألا وهو قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) (الفتح: 28 ).
كما أنها عذاب للمجرمين وخزي لهم في الدنيا والآخرة..
وشفاءٌ لصدور المؤمنين المكلومين، وذهابٌ لغيظ قلوبهم الصابرة..
التي صابرت الجراح والقتل والتشريد والتعذيب على مدى أربع سنوات، (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( التوبة: 14:15)

2-من أبرز أسباب النصر:
  أ-  الأسوة الحسنة والقائد الفذ:
قال تعالى: (لتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ) (الفتح: 9)
وقال تعالى:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)( يوسف:108)
 وقال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
قال ابن كثير : (هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله – صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمِرَ الناسُ بالتأسي بالنبي – صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه –عز وجل-)( تفسير القرآن العظيم لابن كثير).
إذا نحن أدلـــــــجنا وأنـــــت إمَامُنـا ***   كفى بالمطايا طِيبُ ذِكراكَ حاديا
وإن نحن أضلَلْنَا الطريقَ ولم نجـــدْ ***   دليلا كفَانَا نُورُ وَجْهِكَ هَاديــــــــا
( الفوائد لابن القيم الجوزية/41).
هذه الأسوة التي صدحت بالولاء لها حناجرُ الأبطال في كل ساح وعند كل نصر في كل أنحاء سورية الحبيبة ( قائدنا للأبد ... سيدنا محمد ) -صلى الله عليه وسلم - ففازوا وسادوا ونالوا الأماني بفضل الله تعالى .

ومن هذه الأسوة التي ينبغي أن يتخذها المجاهدون من رسول الله:
 ب - توحيد صفوفهم تحت قيادة واحدة: هي مصدر الأمر والنهي والإقدام والإحجام؛ لا أن تتعدد القيادات وتختلف الوجهات وبالتالي تتشتت الجهود ويحل النزاع ويكون الفشل،
وإليكم هذه الصورة الفذة في وحدة القيادة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، التي سجلت نصراً عظيماً سماه الله: (يوم الفرقان)
فقد كان صلى الله عليه وسلم في مقدمة أصحابه وقال لهم :
1901  مسلم/ ( لَا يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ )
وأمر صلى الله عليه وسلم جنوده برمي الأعداء إذا اقتربوا منهم؛ لأن الرمي يكون أقرب إلى الإصابة في هذه الحالة (إن دنا القوم منكم فانضحوهم بالنبل).
و نهاهم عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف، (ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم).
كما أمرهم بالاقتصاد في الرمي،  فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: ( إِذَا أَكْثَبُوكُمْ - يَعْنِي كَثَرُوكُمْ - فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ) (البخاري/3984)
ما أعظمه من قائد فذٍّ عالم بتكتيكات الحروب من غير أن يدرس في كلية حربية ولا محاضرات عسكرية، وهذا الذي كان يرمي إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو ما يعرف حديثًا بكبت النيران إلى اللحظة التي يصبح فيها العدو في المدى المؤثر لهذه الأسلحة، وهذا ما قصده صلى الله عليه وسلم في قوله: «واستبقوا نبلكم».
وإذا كان رسول الله قد أمر أصحابه بكبت نيرانهم والمحافظة على ذخيرتهم في حال المعركة والعدوُّ أمامهم فكيف يضيِّعُ بعض المجاهدين اليوم كثيراً من ذخيرتهم فرحاً وابتهاجاً بالنصر بعد انتهاء القتال من إطلاق للرصاص في الهواء،
ألم تذكروا أيها المجاهدون يوم كنا نبحث عن الرصاصة فلا نكاد نجدها، ويوم كنا نشتريها بأغلى الأثمان؟! فاتقوا الله في أموال المسلمين.

جـ - وحدة الصف واتحاد الكلمة:
عباد الله :إن وحدة الصف واتحاد الكلمة من أعظم أسباب النصر بعد توفيق الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يكون المجاهدون على قلب رجل واحد ويداً واحدةً على عدوهم  كما قال ربنا :
( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)( الفتح :10 ).
وقد جاء التأكيد في القرآن الكريم على مراعاة هذا الأصل مرات ومرات ، ومن ذلك:
قال عز وجل:
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا ) .(آل عمران: 102 - 103)
وقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)( الصف: 4)
ولقد حذر الله من التنازع وبين أنه طريق الفشل، فقال:( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46)
وقال: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ)( آل عمران: 152)
فبسبب تنازعهم واختلافهم صرفهم الله عن عدوهم ليبتليهم ويبين لهم عقوبة الاختلاف.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)/ مسلم.
قال النووي حول حديث: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تفرقوا» فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام» (صحيح مسلم بشرح النووي).
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها..... الحديث، وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمسٍ اللهُ أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة؛ فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يرجع...)( أحمد والترمذي).
قال الطحاوي رحمه الله: «ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً»/ متن العقيدة الطحاوية.
يقول الإمام البغوي: «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة»/ معالم التنزيل.
هذا الذي فهمه أبطال إدلب فأذاقوا بجيش الفتح المبارك زبانية النظام كؤوس الذل والصغار وتحررت إدلب في غضون ثلاثة أيام – بفضل الله تعالى –
وأبطال حوران الذين اجتمعوا جنباً إلى جنب فكان النصر المبين في بصرى.
والبشارات قادمة بإذن الله تعالى من ريف دمشق قريباً بعد تشكيل المجلس العسكري في دمشق وريفها.
بالأمس إدلب وغداً سوريا
وبالأمس بصرى وغداً الشام كلها
 فلله دركم يا أسود الوغى وأبطال الميدان.

د - العبادة والتضرع:
قال تعالى عن أصحاب رسول الله :( تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح: 29)
وقال تعالى بعد أن اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم وبشرهم بأنه قبل بيعهم ( فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) ذكر بهدها صفاتهم فقال : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)( التوبة: 112)
فهذا حال المجاهدين مع العبادة.
أما التضرع، فقد قال تعالى:
(وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )وبعد هذا الدعاء، كانت النتيجة:﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ﴾( البقرة:251)
كان النصر حليفهم حين دعوا الله تعالى وتوكلوا عليه حق التوكل وفعلوا أسباب النصر وأخذوا بها.
قال- صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) (أخرجه النسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع /2388).
- وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائد العظيم.. هو أعظم من حقق ذلك وضرب المثل الأعلى، ففي غزواته كلها يستغيث بربه ويبتهل إليه ويتضرع بين يديه ويمد كفيه حتى إنه لينكشف رداؤه ويسقط ويرى بياض إبطيه من كثرة مناجاته، فقد بات في غزوة بدر في ليلتها قائما يصلي إلى جذع شجرة، ويطيل سجوده ويقول: (يا حيُّ يا قيوم) يكرر ذلك - صلى الله عليه وسلم - ويسأل الله النصر.( البداية والنهاية).
- وحين رأى رسول الله جند قريش قال: ( اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة)( السيرة النبوية لابن هشام)
- وكذلك صحابته الكرام عليهم من الله الرحمة والرضوان اقتدوا به فاستغاثوا بربهم ورفعوا أكفهم وألحوا عليه بأن ينصرهم ويمدهم بجند من عنده فقال عنهم سبحانه واصفًا حالهم في غزوة بدر: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ (الأنفال: 9).
- ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة قال كان محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم في جيش وكان صاحب خراسان وكانت الترك خرجت إليهم فبعث إلى المسجد ينظر من فيه فقيل له ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعًا أصبعه فقال قتيبة أصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف عنان.. ويذكر أن قتيبة قال: أصبعه تلك أحبُّ إلي من ثلاثين ألف شاب طرير".( صفة الصفوة 2/15)
- ويذكر الإمام الذهبي عن قتيبة بن مسلم: تلك الأصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير "(سير أعلام النبلاء 6/121)

3- الرحمة بالمؤمنين:
أيها المجاهدون ويا أيها المسلمون: لقد ذكر الله في ختام سورة الفتح أية عظيمة في صفات من رضي عنهم من الصحابة الأخيار الأطهار الأبرار، هذه الصفة وهذه الآية تغيب عن كثير منا اليوم، وهي قوله تبارك اسمه :
 (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)( الفتح 29)
إنه ما إن تنشرح صدورنا وتفرح قلوبنا بتوحد المجاهدين وبتلك الانتصارات التي يجريها الله على أيديهم حتى نسمع بخبر اقتتال بين فصيل وفصيل، وتنازع واختلاف ورمي للتهم فتضيع علينا فرحة النصر ونغري أعدائنا بنا وننشغل عن مواجهة ألد أعداء الأمة اليوم،
ألا نخشى من الاستبدال عباد الله ؟! ألا نخشى من أن يذهب الله بنا ويأت بقومٍ هم أهل لهذه المرحلة؟! نعيذكم بالله أن تكونوا كذلك
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)( المائدة: 54:56)
إنه متى كان الله وليكم ورسولُه والمؤمنون فالغلبة لكم كما أخبر الله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).

4- في دروب النصر .. لا التفات للمثبطين:
كان هذا حال المثبطين زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم:
يتعذرون بالمال والأهل( شغلتنا أموالنا وأهلونا)، والله يقول لهم: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا)( الفتح :11)
كانوا يظنون أن الرسول ومن قاتل معه سيموتون في الغزوات، والله يقول لهم: (بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا )( الفتح: 12)
كانوا يسألون ما إذا كان هناك غنائم حتى يذهبوا ويأخذوا منها، فقال الله عنهم: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلا ) (الفتح: 15)
ثم وعدهم الله بالأجر العظيم إن هم صدقوا وقاتلوا، وبالعذاب الأليم إن تخلفوا، فقال: (*  قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )( الفتح :16)
كما هو حال المنافقين والمثبطين اليوم، اختلفت الأزمان والأسماء وتشابهت الأفعال.
ويكفي المثبطين أن الله كرههم وكره أعمالهم وقتالهم فأقعدهم وخلَّفهم مع النساء والأطفال والمرضى، قال تعالى:
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة: 46)
ومن أسباب تثبيط الله لهم أنهم ضرر على المجاهدين وأصحاب فتنة وتخذيل، قال تعالى:
( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) (التوبة: 47)

 


http://shamkhotaba.org