شعبان شهرٌ يغفلُ الناسُ عنه ورمضانُ يا خيرَ وافد
الأربعاء 20 مايو 2015 م
عدد الزيارات : 3184
شعبان شهرٌ يغفلُ الناسُ عنه
ورمضانُ يا خيرَ وافد
 
مقدمة:
يا من تبحث عن عفو الله ومغفرته:
هذه جنة الخلد تمشي على الأرض بين يديك، ورحمات ربك المنزلة تعرض نفسها عليك، وصوت الحادي ينادي: قد جاءك شهر شعبان تُرفع فيه الأعمال إلى الله، ويُغفَرُ فيه لكل مؤمن أو مسلم إلا لمشرك أو مشاحن.
يا من ترجو الجنان، وتأمل العتق من النيران:
الرحلة لا تمرُّ على طريق الكسل، والقافلة ليس من زادها طول الأمل، ها قد أظلّكَ شهر رمضان، تفتَّح فيه أبواب الجنان وتغلّقُ أبواب النيران، وتصفّدُ الشياطين، فيه ليلة خير من العمر كله؛ فهيا كحل عيونك بالسهر، وأسرج جوادك للسفر، واعلم أن هجر الوسادة ثمن السيادة، اصدق مع الله ولو مرة وسترى العجب، أنت مدعو على موائد الكرم الإلهي والأجر الرباني وحقٌ على المزور أن يكرم زائره.
( تقرأُ في هذه المادة كيف أن الله تفضلَّ على عباده بشهر شعبان يرفع فيه أعمالهم بحسناتها وسيئاتها فيغفر فيه ذنوبهم التي أثقلتهم طوال العام حتى يدخلوا رمضان خفيفي الأحمال والأثقال ويبدأوا عهداً جديداً معه لكن بشرطين، أحدهما: أن يصلحوا ما بينهم وبينه فلا يشركوا به، وثانيهما: بأن يصلحوا ما بينهم وبين الناس فلا عداوة ولا بغضاء،
 كما تقرأ فيها فضيلة ليلة النصف من شعبان وكيف أن الله يطلع فيها إلى خلقه،
 وتقرأ فيها أيضاً كيف ينبغي على المسلم أن يستعد لاستقبال شهر الصيام ويعقد العزم على التوبة وعلى استغلال الشهر أحسن استغلال وأكمله، فاللهم اغفر لنا في شعبان وبلغنا رمضان..
عناصر الخطبة:
1- فضل الله على هذه الأمة بمواسم الطاعات.
2- ليلة النصف من شعبان هديةٌ حَرَمَ اللهُ منها صنفين.
3- إصلاح ذات البين.
4- تهيئة النفس لاستقبال رمضان.
 
1- فضل الله على هذه الأمة بمواسم الطاعات
- أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أسامة بن زيد قال: ( قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).(حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:1022)
- وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ)
(البخاري: 1969، ومسلم:1156)
- وأخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )( مسلم: 1156)
ولنا مع هذه الأحاديث وقفات :
- الوقفة الأولى: ( شهر يغفل الناس عنه ):
إن العبادة والإقبال على الله عز وجل في وقت غفلة الناس وانشغالهم بالحياة الدنيا له أجر عظيم ومكانة رفيعة عند الله تبارك وتعالى، وإليك أخي المسلم بعض الأحاديث التي توضح ذلك:
- عن عَمْرُو بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَ: ( أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِعُكَاظَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ مِنْ دَعْوَةٍ أَقْرَبُ مِنْ أُخْرَى، أَوْ سَاعَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) (صحيح ابن خزيمة: 1147، وقال الألباني: إسناده صحيح ).
- عن عائشة، قالت:( أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء والصبيان، فخرج، فقال: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم»، قال: ولا يُصلَّى يومئذ إلا بالمدينة، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول)( البخاري:569، ومسلم:638).
- عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) (رواه ابن ماجة والترمذي، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره/3172)
     وزاد أبو داود:( قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال بل أجر خمسين منكم).
- وروى مسلم وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ )(مسلم:145).
وزاد أحمد: (قيل: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: " الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) (أحمد: 16690)
- وفي صحيح مسلم من حديث مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) (مسلم: 2948)
والهرج معناه: الفتنة واختلاط أمور الناس.
فكل هذه الأوقات التي وردت في الأحاديث السابقة هي أوقات تكثر غفلة الناس فيها عن رب العالمين، ولا يكاد يقبل على الله فيها إلا الأفراد من الناس فكان هذا أجرهم، 
وشعبان من بين هذه الأوقات التي يغفل فيها الناس عن العبادة والإقبال على الله فتجدهم يتحدثون عنه رجب الذي انقضى ورمضان الذي سيأتي وينشغلون عن فضل الشهر الذي هم فيه؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من العبادة في هذا الشهر.
فلا تفوِّت على نفسك هذه الأيام الفضائل فتكون مع الغافلين، بل أقبل وجدَّ وسارع، واقرأ ما يلي من وقفات عن هذا الشهر العظيم
- الوقفة الثانية: ( شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله ):
ورفع الأعمال إلى الله له ثلاث صور:
أ– كل يوم وليلة:
فقد روى مسلم من حديث أبي موسى، قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: " إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - وفي رواية أبي بكر: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)( مسلم:179).
ب – كل اثنين وخميس:
فعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له، فقال: " إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس - أو: كل يوم اثنين وخميس - فيغفر الله عز وجل لكل مسلم - أو: لكل مؤمن - إلا المتهاجرين، فيقول: أخرهما)( رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4804 ).
جـ – في شهر شعبان:
فهو بمثابة تصفية حسابات لكل العام، وقد جاء في حديث أسامة السابق: (وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين).
 
الوقفة الثالثة: ( وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم):
فالنبي كان يحب أن يرفع عمله إلى الله وهو متلبس بطاعة، والصيام من أجلِّ الطاعات وأعظمها عند رب العالمين، كيف لا وقد خصّه الله عز وجل بنفسه فقال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به..)( البخاري:5927، ومسلم:1151)
وفي هذا إشارة للمسلم بأن يكون دائماً متلبساً بطاعة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لا سيما وقت رفع الأعمال إلى الله.
 
2- ليلة النصف من شعبان هدية حرم الله منها صنفين
- الصنف الأول: مشرك:
إن الشرك من موانع قبول العمل، ومن موانع المغفرة للعبد، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)( المائدة: 72)
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر: 65)
ومن صور الشرك: الرياء، والحلف بغير الله، والطيرة، والخرزة الزرقاء، والذبح لغير الله، وحذوة الحصان، وتعليق الحذاء على السيارات، وغيرها كثير، فليحذر العبد من كل أنواع الشرك سواء كان أصغراً أو أكبراً، ولا تأمن على نفسك من الشرك فإبراهيم عليه السلام هو من كسَّر الأصنام وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم: 35)
فأخلص العمل لله، ونقِّه من شوائب الرياء والهوى والعُجب.
- الصنف الثاني: مشاحن:
- عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) (رواه الترمذي:2320، وصححه الألباني)
فإذا كانت الدنيا كلها بهذه المنزلة عند الله فكيف يرضى العبد على نفسه بأن يخسر مغفرة الله في ليلة النصف من شعبان من أجل لعاعة من الدنيا تشاحن عليها مع أخيه؟! 
أليس من الأفضل له والأنفع بأن يعفو ويصفح ويبادر هو إلى الصلح حتى ينال ذلك الخير العظيم من مغفرة الله ورحمته؟
أم يتمسك بشحنائه فيبوء بإعراض الله عنه؟ ( ويدعُ أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه ).
- أخرج ابن حبان، والبيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)( السلسلة الصحيحة:1144) وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري، وأخرجه البزار في مسنده عن أبي هريرة.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في الكبير، وحسنه الألباني من حديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه)( صحيح الجامع الصغير: 368)
- بل روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)( مسلم:2565)
يا لخسارة المفرطين!! 
كم من السنين دعاك الله فيها لمغفرته؟!
كم ليلة نصف من شعبان مرت عليك؟!
كم يوم اثنين وخميس مرَّ عليك؟!
وأنت لا تزال مصراً على بغضائك وعداوتك!!
فهيا اعف و اصفح ألا تحب أن يغفر الله لك؟!
( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(النور: 22)
ولنا مع هذه الأحاديث وقفات أيضاً:
- الوقفة الأولى: محبة الله لعبادة ورحمته بهم، فرغم ذنوبهم الكثيرة على مدار أيام السنة إلا أنه يتفضل عليهم بمغفرة هذه الذنوب ليلة النصف من شعبان، فسبحانه ما أرحمه وما أكرمه.
- الوقفة الثانية: إن الذنوب التي يغفرها الله تعالى في هذه الليلة هي الذنوب الصغائر، أما الكبائر فتحتاج منك توبة صادقة مع الله ليغفرها لك، فتب أخي المسلم مهما عظم ذنبك فالله يغفر الذنوب ولا يبالي.
الوقفة الثالثة: أن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولا يميز أحداً عن أحد، وإنما يطلع إلى قلوب خلقه، فمن وجده مخلصاً مقبلاً صافياً لا غلَّ فيه ولا حقد ولا حسد غفر له ذنوبه.
تنبيه : مع ما ورد من فضيلة ليلة النصف من شعبان إلا أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصها بعبادة معينة، فلا يجوز تخصيص ليلتها بعبادة.
3- إصلاح ذات البين
روى البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )( البخاري:6237، ومسلم:2560)
إن الله عزوجل يدعو عباده للمغفرة وذلك بأن يعفوا ويصفحوا عن بعضهم، ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(النور: 22)، بينما الشيطان يدعوهم إلى العداوة والبغضاء التي تمنع تلك المغفرة، ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ )(المائدة 91)
فمغفرة العبد للناس وعفوه وصفحه عنهم يقابله الله بمثل جنس العمل الذي قام به، فكما عفا عن الناس يعف الله عنه، وكما غفر لهم يغفر الله له، وكما صفح عنهم يصفح الله عنه، فالجزاء من جنس العمل.
قال تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )(الأنفال:1)
- إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة:
روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني من حديث أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) وفي رواية قال: ( هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين )(أبو داود:4919، والترمذي:2509)
وروى البخاري ومسلم من حديث  أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )(البخاري:6076، ومسلم:2558)
وصاحب القلب النقي من خيار الناس بل هو أفضل الناس فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن  عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: ( كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد )(ابن ماجه:4216)
-  رجل من أهل الجنة:
روى أحمد وغيره عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيتُ أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلتَ؟ قال: نعم.
 قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعارَّ وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر، حتى يقوم لصلاة الفجر. 
قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحقر عمله، قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق )(أحمد: 12697، وهو على شرط البخاري ومسلم كما قال ابن كثير).
كن واصلا حتى لو قطعك الناس:
عن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال:
( لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) (مسلم:2558)
 (ويجهلون علي) أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم (تسفهم المل) المل هو الرماد الحار أي كأنما تطعمهموه (ظهير) الظهير المعين والدافع لأذاهم.
وروى البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا )(البخاري: 5991)
 
4- تهيئة النفس لاستقبال رمضان:
ما أشبه الليلة بالبارحة، هذه الأيام تمرّ سريعة و كأنها لحظات، بالأمس استقبلنا رمضان الماضي ثم ودعناه، وما هي إلا أشهر مرت كساعات فإذا بنا على أبواب هذا الشهر من جديد، وكم عرفنا أقواماً أدركوا رمضان أعواماً وهم اليوم من سكان القبور ينتظرون البعث والنشور، وربما يدرك بعضنا رمضان هذا وبعضنا لا يدركه.
إن إدراكنا لرمضان نعمة ربانية ومنحة إلهية، فهو بشرى تساقطت لها الدمعات وانسكبت لها العبرات، في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ) (البخاري: 3277، ومسلم: 1079)، وفي رواية مسلم ( فتحت أبواب الرحمة).
كان الصالحون يعدون إدراك رمضان من أكبر النعم، فكان رمضان يدخل على أحدهم ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء،
كان رمضان يدخل عليهم وهم يترقبونه وينتظرونه، يتهيئون له بالصلاة والصيام والصدقة والقيام، أسهروا له ليلهم، وأظمئوا له نهارهم، فهو أيام معدودات فاغتنموها، ولو تأملت حالهم لوجدتهم بين باكٍ غُلِبَ بعبرته، وقائم غصَّ بزفرته، وساجد يتباكى بدعوته، كان يدخل على أقوام صدق فيهم قول الله ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )(السجدة: 16)
لذلك كان من دعائهم ( اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً )(كما قاله يحيى بن أبي كثير/ أبو نعيم في الحلية 30/69).
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبشر أصحابه بشهر رمضان، فقد روى أحمد من حديث أبي هريرة، قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم )(أحمد: 8991)
ما ينبغي على المسلم أن يقدمه بين يدي شهر رمضان:
أ‌- ينبغي على المسلم أن ينوي استغلال رمضان على أكمل الوجوه التي يستطيعها، فرمضان ( أيام معدودات ) سرعان ما ينقضي ويترك خلفه حسرة المقصرين وفرحة الطائعين المقبلين، وما قول الله عنه: ( أياماً معدودات) إلا إشعاراً لنا بقرب رحيله وسرعة انتقاله.
ب‌- إن أهل التجارة في الدنيا يحرصون على استغلال مواسم التجارة فيكِّدسون فيها بضاعتهم ويبذلون رؤوس أموالهم ويُجهدون أنفسهم ابتغاء كسب الأرباح،
 وحريٌّ بالمؤمن في تجارته مع الله أن يكون أكثر إقبالاً من أهل الدنيا على دنياهم، وأكثر بذلاً لرأس ماله -وهو وقته- من بذلهم لرؤوس أموالهم، فالتجارة مع الله لا تخسر، ورمضان من أعظم تلك المواسم فمن خسر فيه متى يربح؟! ومن أعرض فيه متى يُقبِل؟!
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: ( آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدرك أحدَ والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين
 قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين 
قال: ومن ذكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين )(رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 73)
وروى البخاري عن ابن عباس قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة )(البخاري:6)
قال ابن حجر في فتح الباري: في هذا الحديث فوائد: منها " تعظيم الشهر، واختصاصه بنزول القرآن فيه، ومدارسته فيه، وكثرة نزول جبريل وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات مالا يحصى، ومداومة التلاوة توجب زيادة الخير، واستحباب تكثير العبادة في أواخر العمر" (فتح الباري9/45)
جـ- الفرح والسرور بقدوم رمضان: فالنبي كان يفرح حيث كان أجود ما يكون في رمضان، والجود صفة مقترنة بالفرح والسرور، ألا ترى إلى من يحصل له أمر يسرّه كيف يسارع إلى الإنفاق أو الهدية.
د- استقباله بالدعاء: فلا أحد يعينك على الطاعة إلا الله.
هـ- استقباله بصفحة مشرقة: مع الله بالتوبة، ومع النبي بالاتباع والطاعة، ومع الأرحام بالصلة، ومع الناس برد الحقوق والإحسان.
حـ- ومن أهم ما تستعد به لرمضان: التخطيط والعزم الصادق على استغلاله من خلال برنامنج يومي مكتوب/ ورد قرآني، صدقة، صلة، صلاة الجماعة، الدعاء، درس للأهل، حلقة تحفيظ في البيت، تفطير صائم.. /

http://shamkhotaba.org