مقدمة:
إن كان المؤمنون يستعجلون النصر والتمكين والتغيير، فإن سنن الله لا تعرف التبديل والتغيير، فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يظل عشرين سنة من الدعوة والاضطهاد والطرد والهجرة ومحاولات الاغتيال وغزوات وسرايا وبعثات ورسل، ثم يأتيه التمكين وفتح مكة المكرمة بعد أكثر من عشرين سنة من البعثة النبوية؛ فسنة الله ماضية حتى مع حبيبه صلّى الله عليه وسلم .
فيا أيها المؤمنون: لا تستطيلوا الطريق، فالطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضجع للذبح إسماعيل ’ وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ، وزاد على المقداد بكاءُ داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنكم تستعجلون.
قالت العرب: (من أسرع كثر عثاره)
وقالت (العجلة أم الإخفاق)
عناصر الخطبة:
1- فطرة بشرية.
2- مفهوم الاستعجال.
3- صور معاصرة.
4- الاستعجال المحمود.
5- بعض الأدوية.
1-فطرة بشرية
فطرةٌ فطر الله سبحانه الإنسان عليها، مذمومةٌ بأصلها , كريهةٌ بطبعها, الخطأ والزلل زاد المتخلق بها, قالت العرب فيها أنها أم الإخفاق !! ومن هذبها وزكى نفسه على نقيضها أحبه الله ورسوله، فطرةٌ توحي بمجملها بعدم فهم سنة الله سبحانه في كونه , وحِكَمته في خلقته .. ألا وهي ((الاستعجال)) هذه الفطرة التي أخبرنا ربنا سبحانه أنه خلق البشر عليها فقال: ( خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ) (الأنبياء:37)
ويقرر هذه الحقيقة بصورة جلية فيقول: ( وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا )(الإسراء:11)
إذاً فمن طباع الإنسان حب العجلة فيقدم العاجل على الآجل، وإن كان في العاجل شر له، ويؤثر قطف الثمار لأعماله وإن لم يحن موعد الحصاد، ولم يبد للثمرة نضج.
2-الاستعجال ,مفهومه , وآثاره
الاستعجال طلب العجلة، والعجلة خلاف البطء والتأني.
قال المناوي في التوقيف: "العجلة: فعل الشيء قبل وقته اللائق به.
وقال الراغب في المفردات: "العجلة: طلب الشيء وتحرّيه قبل أوانه.
(والتأني يعني عدم ارتجال القرارات والتصرفات، ويعني التريث لإمعان النظر في الآثار والعواقب الناجمة عن فعل الفعل أو قول القول أو تركهما، ويعني وضع الشيء في موضعه الصحيح)
ومن هذه المعاني يتوضح لنا أن الاستعجال بأصله مذموم , وأن المتصف بهذه الصفة أخطأ في قصد سبيل الوصول إلى مقصده .
ولقد قرر علماء المسلمين قاعدة عظيمة فقالوا: من تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه [الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي ص439، القاعدة الخامسة عشرة].
ولذلك عندما تعجل سيدنا موسى عليه السلام في سؤال الخضر مستنكراً عليه، لأنه لم يجد القدرة في نفسه السكوت على ما يرى، انتهت الرحلة العجيبة بفراق موسى الخضر عليهما السلام، ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر لرأى من صاحبه العجب ) (صحيح مسلم /2380، والبخاري /4727).
واستعجل أبونا آدم فطلب الخلد فأكل من الشجرة المحرمة، فكان أن أُهبط هو وذريته إلى الأرض، قال تعالى: ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) (سورة طه:115).
فأصبح ضبط هذا الخلق – الاستعجال – دلالة جليةً على الحزم، ووُصِف أهلها بأولي العزم فقال تعالى: ( فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ) [الأحقاف:35].
ومن عجلة الإنسان، أنه ربما يستعجل في سؤال الله ما يضره كما يستعجل في سؤال الخير، ولو استجاب له ربه لهلك بدعائه، ولهذا قال سبحانه: ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (سورة يونس:11).
هذه العجلة التي ربما أودت بصاحبها لترك مندوب إليه من الأفعال كما في حديث فضالة بن عبيد رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد اللَّه تعالى ولم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ( عجل هذا ) ثم دعاه فقال له أو لغيره: ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، ثم يدعو بعد بما شاء ) (المستدرك على الصحيحين وصححه الألباني).
وربما وصل الحال لترك الواجبات أو التهاون فيها كما حصل من بعض الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن عبد الله بن عمرو قال:( تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثاً ) (أخرجه البخاري/ 163ومسلم/ 496 وغيرهما).
وربما كان هذا الاستعجال لأسبابٍ عديدة: منها النفسي وهو الأمر الفطري الذي تكلمنا عنه، وربما طبيعة الحياة المعاصرة حتى أنه يحلو للبعض أن يسمي عصرنا بـــــ (عصر السرعة)، إلى غيرها من الأسباب التي بمجملها وعند التمحيص لا تعدو أن تنضبط.
وعلى المسلم أن يتخلق بما يحمد من الأخلاق كالحلم والأناة اللتين يحبهما الله ورسوله : كما في الصحيح من حديث ابن عباس في وفد عبد قيس الذين كان فيهم الأشج وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: ( إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ) (مسلم:17)
3-صور الاستعجال
وتكاد صور الاستعجال في مجتمعاتنا وحياتنا لا تنتهي، فتجد من يتعجل:
- استعجال النصر والتمكين:
إن كنا نحن الآن نستعجل النصر للأمة وللإسلام، فقد استعجله الصحابة من قبلنا.. فهذا خباب بن الأرت يستعجل النصر من رسول الله بعد أن ضاقت الأرض بالمسلمين، واشتد تعذيب مشركي قريش للمسلمين؛ فقد روى البخاري بسنده عن خباب قال:( أتيت النبي وهو متوسد بُرْدَةً وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"). (رواه البخاري)
وكأن الله عز وجل يريد بنا أن نعرف مغزى الحياة، ومن ثم فلا بد من استكمال التربية أولاً، إذ التمكين فتنة؛ فتمكين بلا تربية فتنة كبيرة في الأرض، فيأبى الله أن يمكِّن للمسلمين إلا بعد أن يجتازوا مراحل ومراحل من التربية.
إن نصر الله عز وجل للمسلمين لا يأتي للكسالى والخاملين بل للعاملين والمجاهدين، وإن من رحمة الله عز وجل أنه يعطي للمؤمنين الأجر والثواب على العمل لا على النتيجة؛ فقد يموت المسلم وهو عامل مجاهد، غير أن الله لا يُريه التمكين والنصر، فيأجره الله على ذلك، وإن الأمثلة على ذلك من تاريخ الصحابة والسلف الصالح كثيرة.
وطلب استعجال النصر من الله جائز إذا كان على سبيل الطلب والتمني لا الشك والارتياب
قال الألوسي في روح المعاني عند تفسيره قوله تعالى:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ )(البقرة:214)، قال: زلزلوا أي أزعجوا إزعاجاً شديداً بأنواع البلايا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه أي انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بما يليق به تعالى وما تقتضيه حكمته والمؤمنون المقتدون بآثاره المهتدون بأنواره (متى يأتي) نصر الله طلباً وتمنياً له، واستطالة لمدة الشدة لا شكا وارتياباً. انتهى.
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة، قال: وكما تكون الشدة ينزل النصر مثلها.
- آداب الحرب والتعامل مع الأسرى: حين تعلمنا غزونا من شرعنا العظيم الذي ينادي (اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً)(مسلم:1731).
فلا نستعجل النصر من غير الله وحده سبحانه، فجهادنا باسمه وفي سبيله.
ولا تدفعنا الحمية أو الغضب للدين أو النفس، فنتعجل في حساب عدونا بغير ما شرع الله من التمثيل أو الغدر أو قتل من لم يستحق القتل.
- استجابة الدعاء: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).(البخاري:6340)
وفي روايةٍ لمسلمٍ: ( لا يَزالُ يُسْتَجَابُ لِلعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ ، أَوْ قَطيعَةِ رحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ ) قيل : يَا رسولَ اللهِ مَا الاستعجال ؟ قَالَ: (يقول: قَدْ دَعوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يسْتَجِبُ لي، فَيَسْتحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) (مسلم/2735). يستحسر : ينقطع عن الدعاء.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم 9/46:( في الحديث أنّه ينبغي إدامة الدعاء ، ولا يستبطئ الإجابة ) .
- حياتنا الاجتماعية: فيتعجل الشاب في اختيار رفيقة عمره ودون المواصفات الشرعية التي حث النبي صلى عليه وسلم عليها كما في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .(رواه البخاري 4802، ومسلم/1466). وتكون نتيجة ذلك الطلاق وجفاء الأسر وتقطيع الصلات الاجتماعية.
وكم من كلمةٍ متعجلةٍ خرجت من فم زوج طائش هدمت بيتاً كانت السعادة عنوانه، ثم هو يطرق الأبواب ليجد من يفتيه ويعيدها إليه!!
وكم من شاب تحمس بكلام أصحابه وتشجيعهم له فسلك طريق الغواية – والعياذ بالله – !!
وكم من شاب استعجل تحصيل لذاته عن طريق الحرام , فكان عاقبة أمره الخسران !!
- الحكم على الأشخاص أو الجهات والعاملين: فما أن نسمع أن فلاناً قد أخطأ، إلا ونسارع لاتهامه وربما استباحة عرضه دون تثبت , والله يخاطبنا ويوجهنا فيقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات/6).
وكم توقف من أهل الخير عن خيرهم وعملهم بسبب كلام طائش قيل فيهم بدون تثبت ولا دليل !؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله
4-الاستعجال المحمود
ومع كل ما ذكرنا من الاستعجال وآثاره , فلابد من الإشارة أن الاستعجال المذموم ما كان في أمور الدنيا , أما أمور الآخرة فالأصل فيها المسارعة والمبادرة ولا يعدّ ذلك استعجالاً ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) (مسلم /118)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة). (صححه الألباني في صحيح الجامع/3009)
وقد قال نبي الله موسى عليه السلام : ( قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) (طه 84)
وعلى ذلك فمن الأمورٌ التي لا تعدّ المبادرة إليها عجلةً :
أ- التوبةُ إلى الله عز وجل: قال تعالى: ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّت للمتقين)
آل عمران133
ب- المبادرة بالفطر في الصوم والمبادرة في الصلاة لأول وقتها: قال عليه الصلاة والسلام: (عَجّلوا الإفطار وأخروا السُّحور )(صحيح الجامع:3989) , وقال في الصلاة عندما سئل عن أحب الأعمال : (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها)(البخاري/527) .
جـ- رد حقوق العباد التي في عنق الشخص (المادية والمعنوية): وكلنا يحفظ حديث رسول الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) (مسلم /1886).
قال النووي رحمه الله:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلَّا الدَّيْن) فِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى من شرح مسلم 29/13.
فحريٌ بنا المبادرة إلى تسديد ما في أعناقنا وذممنا للآخرين من معاملات مادية وكذلك المعنوية من غيبة أو نميمة أو خطأ بحق الآخرين إدامة للود والمحبة بين المسلمين.
هـ- الرجوع للأهل بعد السفر: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلةَ إلى أهله فإنه أعظم لأجره )(الصحيحة :1379)
5-علاج الاستعجال
أ- التخلق بالحكمة والأناة:
وهو أخذ الأمور بحكمة وبهدوء وبرويّة حتى لا تغلبنا نزعة الاستعجال والعاطفة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج: ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة) (رواه مسلم). وذلك عبر:
(إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه )( رواه الدارقطني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع/ 2328)
ب- التأمل في سنن الله في تغيير الأنفس وفي تغيير المجتمعات:
فينبغي أن نقرأ التاريخ فنأخذ منه العبرة والفطنة، كيف غيّر الله سبحانه وتعالى الأحوال؟! لقد جعل الله سبحانه وتعالى سنناً للتغيير، فلا ينبغي استباقها، ومنها قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) الرعد:11
جـ- دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفقها: ففيها منهج متكامل لحياة المسلم قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )(الأحزاب/21)
د- الاطلاع على سير الصالحين في تعاملهم مع الأمور التي تعترضهم:
روي أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال لأبيه رحمهما الله: (يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل غداً لربك إذا سألك فقال: رأيتَ بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟ فقال: يا بني أشيء حملك الرعية إليَّ، أم رأي رأيته؟ قال: بل رأي رأيته من قـِـبَل نفسي، وعرفت أنك مسؤول فما أنت قائل؟ فقال له أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيراً، فإني والله لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير. يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أريد مكابدتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن ينفـتــقوا عليَّ فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا عندي أهون علي من أن يهراق في سبيلي محجمة من دم، أو ما ترضى أن يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين) (سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص224).
وفي رواية أن عبدالملك قال لأبيه: (مالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي أن القدور غلت بي وبك في الحق! قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة).
هـ- مجاهدة النفس على التؤدة: وهذا متاح كما أخبرنا ربنا سبحانه بقوله:(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس 9-10
و- إمعان النظر في عواقب الاستعجال.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأفعال , واصرف عنا سيء الأخلاق والأفعال , وانصرنا نصراً عزيزاً قريباً , مولانا رب العالمين.
http://shamkhotaba.org