لمن سأل:أين المخرج؟
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 11 نوفمبر 2015 م
عدد الزيارات : 4923
لمن سأل:أين المخرج؟
 
مقدمة:
لمن ضاقت به الدنيا، واشتدت عليه  الكروب.. فسأل أين المخرج؟  كان حقاً عليه أن يتأمل قول الله جل وعلا وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) (الطلاق: 2).
 
عناصر الخطبـــة:
1- التقوى أعظم وصية. 
2- صفات المتقين.
3- ثمرات التقوى.
4- ليعلم الله من يخافه بالغيب.
5- كيف تتقي الله؟
 

1- التقوى أعظم وصية
كلمة عظيمة ما أكثر ما تقال في الخطب، وما أكثر مانسمع الأمر بها، وما أكثر ما نقرؤها، وإنها لكلمة بفقدها حلول العقوبة والنكال، ودمار البلاد وتلف النفوس والأموال، وكأنها كلمة عابرة لاتشير إلى معنى عظيم، كأنها ألفاظ جوفاء لاتحقق مطلوباً ، ولاتنجي من مرهوب،مع أنها الأمر الكبير، والشأن الخطير، ألا وهي وصية الله لخلقه أجمعين الأولين منهم والآخرين.
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )(النساء: 131).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالتقوى فيقول:« عليكم بتقوى الله » فالتقوى درجة من أعلى درجات الإيمان، وكلمة عظيمة جمعت وجوه الخير والإحسان، وهي شعور في القلب يحمل المرء على اتقاء ما يخاف ويحذر، وتقوى الله هي أن تجعل بينك وبين غضبه وسخطه وعقابه وقاية، ولن ننال هذه الوقاية إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فقد سئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن تقوى الله فقال: [ التقوى أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر ].
ليست التقوى مجردَ كلمة تُفتتح بها الخطب أو تذكر في طيات المواعظ فحسب، بل هي كلمةٌ عظيمةٌ جامعةٌ ذات معنى كبير، من تدبره وعمل به أفلح وفاز وحاز على سعادة الدنيا والآخرة.
وأصل التقوى أن يجعل الإنسان بينه وبين الله الذي يخافه ويخشاه وقاية تقيه منه، فتقوى الله أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه سبحانه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، فإذا سمعت قول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ) فاعلم أن معنى ذلك: اتقوا غضب الله وسخطه، فهو سبحانه أعظم من يتقى كما قال عز وجل: ( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) (المدثر: 56)، 
فهو أهلٌ لأن يُتقى، فإذا اتقاه العبد فهو أهلٌ لأن يغفر له ويصفح عنه بمنه وكرمه سبحانه.
ويدخل في التقوى الكاملة فعلُ الواجبات وتركُ المحرمات، ويدخل فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات وتركُ المكروهات، وهو أعلى درجات التقوى، قال طلق بن حبيب: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ".
إن المؤمن عندما يسمع أوامر الله ورسوله  بلزوم التقوى وثواب المتقين تتوق نفسه إلى أن ينضمّ إلى تلك الفرقة الناجية والجماعة الطيبة، وأن يكون واحدًا من المتقين ليحيى حياة سعيدة في دنياه وآخرته، وعند ذلك يتساءل المسلم:
كيف أكون من المتقين؟ وكيف ألتحق بركب عباد الله الصالحين؟
وللجواب على هذا السؤال نستعرض شيئًا من صفات المتقين وأعمالهم وأحوالهم:
 
2- صفات المتقين
إن أول صفة من صفات المتقين التي ذكرها الله في سورة البقرة أنهم يؤمنون بالغيب،
والإيمان بالغيب أمر عسيرٌ إلا على من استسلم لله وأخلص قلبه لمولاه وعلم أن الله وحده هو ربه وأنه علام الغيوب وأنه لا راد لحكمه ولا معقب لكلماته وهو السميع العليم.
فهذا هو المؤمن الحق، فهو يؤمن بالله عز وجل وإن لم يره؛ لأنه رأى من آيات الله وعجائب مخلوقاته وبديع صنعه ما بهر العقول، وآمن بأن هناك ربًا عظيمًا هو الخالق البارئ المدبر لتلك المخلوقات، وأنه واحد أحد فرد صمد سبحانه وبحمده، وكذلك لأنه سمع آيات الله الشرعية المنزَّلة على رسوله محمد  فآمن بربه وأيقن أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
وهذه العبادة تقتضي توحيد الله وأن لا يشرك العبد به شيئًا، فمن صرف شيئًا من العبادة لغير الله فقد ظلم نفسه، ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (لقمان: 13).
ويجب على المسلم أن يحذر من صرف العبادة بأي نوع منها لغير الله، سواء أكان ذلك عن طريق الدعاء أو الاستعانة أو الذبح أو النذر أو ما سوى ذلك؛ فإن صرْفَ ذلك أو شيء منه لغير الله شرك بالله عز وجل حتى ولو كان المدعو نبيًا أو وليًا أو صالحًا، فإنه لا يجوز له من ذلك شيءٌ، بل إن خير البرية وأفضل البشرية وأحبّ خلق الله إلى الله هو نبيّنا وحبيبنا محمّد ، ومع ذلك لا يجوز دعاؤه ولا الاستعانة به ولا الحلف به؛ لأن ذلك مما انفرد الله به فلا يجوز صرفه لغيره سبحانه.
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بكل ما أخبرنا به ربنا وأخبرنا به رسولنا الكريم من غير شك ولا ريبة ولا جدال، ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )(الإسراء: 85).
الصفة الثانية من أوصاف المتقين: أنهم يقيمون الصلاة،
وهذا يدل على شدة عنايتهم بهذا الركن العظيم من أركان الدين، والصلاة أعظم الأعمال على الإطلاق، فمن حافظ عليها واهتمّ بها رُجي له الخير والفلاح، ومن تهاون بها وتكاسل عنها كان من الخاسرين، قال :( من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاةً يوم القيامة، وحُشر مع فرعون وقارون وأبي بن خلف) (أخرجه أحمد: 6576، وغيره، وحسنه الألباني في الثمر المستطاب). 
وإقامة الصلاة تكون بإقامة شروطها وأركانها وواجباتها، ومن أهم ذلك إحسان الوضوء وأداؤها في أوقاتها، فيجب على المسلم أن يحرص على أداء الصلوات في أوقاتها؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها من عظائم الذنوب، وأن يجتهد فيما يحصل به قبول صلاته، فإن كان لا يحسن ذلك تعلم وسأل أهل العلم حتى يعبد ربه على بصيرة وعلم لا على غفلة وجهالة. وعلى المسلم أن يعمل بوصية الله عز وجل إذ يقول: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (طه: 132)، فيجب على المسلم أن يأمر أهله وأولاده بالصلاة وأن يعلمهم أحكامها ويحذرهم من التهاون بها ويخبرهم بأن ذلك قد يؤدي إلى الخروج من الملة، نعوذ بالله من ذلك.
الصفة الثالثة من صفات المتقين: أنهم مما رزقهم الله ينفقون،
فهم يؤدون الزكاة الواجبة، ويتصدقون من أموالهم صدقة ترفع درجاتهم وتقربهم إلى مولاهم، ينفقونها في خدمة بيوت الله ونشر دين الله ومساعدة إخوانهم المسلمين من المحتاجين.
الصفة الرابعة: أنهم يؤمنون بما أنزل إلى النبيّ  وما أنزل من قبله، ويؤمنون بالقرآن وأنه كتاب الله أنزله على محمد رسول الله، فجمعوا بين الإيمان بكتب الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم.
والإيمان بالكتب والرسل من أعظم أركان الإيمان، فيؤمن العبد أن القرآن كتاب الله المنزل على محمد ، وأنّ الإنجيل كتاب الله المنزل على عيسى عليه السلام، وأن التوراة كتاب الله المنزل على موسى عليه السلام، وهكذا في كل ما أخبرنا الله به من الكتب والرسل.
الصفة الخامسة والأخيرة من صفات المؤمنين المذكورة في سورة البقرة: أنهم بالآخرة يوقنون،
فالمتقون يعلمون علم اليقين أنهم سيموتون ثم سُيبعثون ثم سيجازون بما كانوا يعملون؛ ولذلك فإنهم يُعِدُّون العدة ويحسنون العمل ويتزودون بالصالحات؛ علَّهم أن يُبَشَّروا بروح وريحان ورب راض غير غضبان.
 
3- ثمرات التقوى
1 ـ التقوى سبب لنيل العلم:
قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ (البقرة: 282).
 فالعلم نور ولايكرم الله عزوجل بهذا النور إلا المتقين، لأن المعصية تطفىء نور العلم.
2 ـ التقوى سبب لدخول الجنة:
 قال الله تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (آل عمران: 133).
فقد أخبر الله تعالى أنه قد خلق الجنة وهيأها للمتقين وقال الله تعالى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) (الرحمن: 46).
3 ـ التقوى سبب لرعاية الله تعالى لك بالحفظ والتأييد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ (الحديد: 28).
 يتكفل الله لك بسلامة الدنيا وسلامة الآخرة، وسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، قال تعالى:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾( محمد: 6).
 ماأعظمها من كفالة تكفّل بها ملك الملوك ومن بيده الأمر كلّه.. فلا تقلق .
4 ـ التقوى سبب لأن يمدك الله بالنور:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾ (الحديد: 28).
بنص القرآن الكريم، الذي يتقي الله عز وجل، الذي يؤمن بالله، يقذف الله في قلبه النور، فيرى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، ويرى الخير خيراً والشر شراً.
5 ـ التقوى سبب لإصلاح العمل وغفران الذنوب
 فإذا كان الإنسان صادقًا مع نفسه قال قولاً سديداً، وهذا مما يسرع الخطى إلى التقوى، فينبغي ألا نكذب، ينبغي ألا نقول إلا الحق، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا *﴾(الأحزاب: 71).
وهذا مايطلبه الانسان المسلم ويبتغيه، أن يغفر الله ذنوبه وأن يصلح له شأنه في الأمر كله.
6- التقوي مخرج من كل ضيق:
آية واحدة مفتاح كلّ شيء: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) (الطلاق: 2).
كلنا يرى محنة المسلمين اليوم والضيق والكرب الذي أصابهم ويتطلع الى نصر وفرج عاجل ويتساءل ما العلاج ؟وما الحل؟
 إن معاناة الناس في شتى بقاع الأرض معاناة كبيرة جداً، يعانون من الفقر، يعانون من القهر، يعانون من الضيق، من الأزمات النفسية، من التعسير، الطرق مسدودة، آية واحدة، ونرجوا من الله أن تكون هذه الآية واضحة عندنا جميعاً، بل أن تكون منهجاً لنا، قال تعالى:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) (الطلاق: 2).
ماذا تعني الآية ؟ تعني أن الأبواب كلها مغلقة، يطرق الانسان باب العمل فيسد في وجهه،يطرق باب الزواج فيغلق في وجهه، يطرق باب العلم فيجده مغلقاً، يطرق باب النصر فيجده مغلقاً... 
حينما تستحكم الحلقات، حينما تسد المنافذ، حينما يضيع الأمل، حينما يقع الإنسان في الإحباط، حينما يقترب من اليأس، عندئذ يأتي الفرج والمخرج من خلال أمر واحد ألا وهو التقوى.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..) (الطلاق: 2).
لكن هذا الجزاء يتحقق بعد تحقيق الشرط وهو تقوى الله عزوجل بصدق وإخلاص ولكن المؤسف الذي تبكي له العيون والقلوب أننا نجد ونتلمس من واقعنا المعاصر رغم كل الكروب والمحن والمصائب خلاف ذلك إلا مارحم ربك وقليل ماهم.
ومصداق ما نقول: أن كثيرا من الناس يرى نعم مولاه وخالقه تتكرر عليه كل وقت، نعماً خاصة ونعماً عامة، نعماً ظاهرة ونعماً باطنة، ومع ذلك يبارز مولاه بالعصيان، لايتبع أمره ولايجتنب نهيه؟!
- هل من التقوى أن يرى المنكر ويقدر على تغييره ولا يغيره؟!
- هل من التقوى أن يرى الرجل أهله وأولاده يفرطون في طاعة الله ولا يأمرهم ولايحذرهم؟!
- هل من التقوى أن نعلم عظم قدرالصلاة في دين الله، وأنها عمود الإسلام، ولاحظَّ في الاسلام لمن ترك الصلاة ونتهاون فيها ولانؤديها مع الجماعة، ولانقيم قيامها وقعودها، ولا ركوعها ولاسجودها؟! إن أداها نقرها نقر الغراب، وإن صلاها مع الجماعة سابق الامام فخسر وخاب، فلا وحده صلّى ولا بإمامه اقتدى.هل من التقوى أن يغش البائع في تجارته وينفقها بالأيمان الكاذبة ؟!! هل من التقوى أن تخرج البنت كاسية عارية إلى السوق والشارع والمدرسة أمام أعين والديها وبرفقتهم ربما ؟!
فأين الالتزام وأين الخوف من الله عز وجل ياعباد الله؟!
وأين التقوى ياعباد الله؟!
 
4- ليعلم الله من يخافه بالغيب
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ) (المائدة: 94).
قد يبلوك الله بشيء من الحرام ويجعله بين يديك وأنت قادر على فعله ليعلم الله صدقك وتقواك وهل تخافه بالغيب وتخشاه؟
قد يبلوك الله بامراة تكون قادراً عليها..
وقد يبلوك بمالٍ لا يحلُّ لك يكون بين يديك ولا رقيب عليك..
وقد يبلوك بخلوة مع نتٍ تستطيع أن تنتهك فيه حدود الله..
وقد يبلوك بنضرة لا تحلُّ لك ولا أحد يراك سواه..
قد يهيء لك أسباب الوقوع في الحرام ويجعله بين يديك سهلاً..
وذلك؛ ليعلم الله من يخافُه بالغيب
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليم.
إنه صراعٌ يعيشه المؤمن بالله لدقائق وربما لساعات، صراع بينه وبين نفسه ورغباته، صراع بينه وبين شيطانه، صراع بينه وبين بطانته السيئة، ولكن من سيغلب في حلبة الصراع هذه؟!
مدة يسيرة وتنتهي الجولة وتعلن النتائج، وينزل قول الله برداً وسلاماً على من جاهد وصبر، وعانى آلام الصراع ثم فاز:
( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) (الملك: 12).
 
5- كيف تتقي الله؟
كيف يتقي الله من لا يعرفُه؟
كيف يخشى الله من لايعرف صفاته؟
كيف يخاف من الله من لا يعرف شدته وبطشه؟
وكيف يتقي الله ويرجو رضاه من لا يعرف رحمته وعلمه ورقابته؟
إن أعظم وسيلة لتحقيق التقوى هي معرفة الله بأسماء جلاله وصفات كماله،
أن تعرف بأن الله معك يراك ويراقبك ويعلم سرك وجهرك ولا يخفى عليه شيء من أمرك.
أن تعلم أن نظر الله إليك أسبق إليك من نظرك..
وأنه أقرب إليك من حبل الوريد..
أنه إذا شاء أن يأخذك أخذك
وإذا شاء أن يرحمك رحمك
وإذا شاء أن يصلك وصلك
وإذا شاء أن يقطعك قطعك
وحسبنا أن نذكر شيئاً واحداً فقط عن قرب الله من خلقه واطلاعه عليهم وإحاطته بأمورهم:
جاءت خولة بنت حكيم تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أوس بن الصامت فقالت:
يا رسول الله، زوجي أوس ظاهر مني، قال لي: أنت علي كظهر أمي،
يا رسول الله: لي أولاد إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، ورسول الله يقول لها: ما أراك إلا قد طلُقتِ،
ثم انصرفت وهي تبكي، فأنزل الله قوله:
( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة: 1).
تقول عَائِشَةَ: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول: فأنزل الله عز وجل:قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) (المجادلة: 1) إلى آخر الآية.
(رواه احمد: 24195، والبخاري: 117 وغيرهما).
فعائشة رضي الله عنها في ناحية البيت ويخفى عليها بعض كلام خولة، والله السميع البصير سمعها من فوق سبع سموات، جلَّ الله في علاه.
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ: ( ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا )(البخاري: 7386).
فإذا استشعر العبد قرب الله منه واطلاعه على سرّه وعلانيته كان أجدر بأن يتقي الله ربه.
 

http://shamkhotaba.org