وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً
مقدمة:
لقد ثبت الشعب الأعزل أمام أعتى قوة في الأرض، حيث لا يمكن في حساب البشر الثبات،
واستقبل الموت المرتقب، منتصبَ القامة، شامخَ الرأس، باسمَ الثغر، لا يركع ولا يخضع إلا لله عز وجل،
عندما يحصل ذلك كله فهو حدث جلل، ومثال حيّ مؤثّر، ودرس بليغ للمؤمنين.. هزَّ الاتحاد الروسي المخيف، وسلطان المادة والسلاح.
عناصر الخطبة:
1- وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً.
2- الأمم الظالمة أمم هالكة.
3- متى يسقط النظام؟
4- سنة الله في الاختبار( يبلغ ذروته ثم يأتي الفرج).
5- خذوا حذركم فانفروا جميعا.
1- وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً
وينتصر الشعب الضعيف في جولة من أقسى جولات الصراع في هذه الثورة، لقد ثبت حيث لا يمكن في حساب البشر الثبات، و استقبل الموت المرتقب، منتصبَ القامة، شامخَ الرأس، باسمَ الثغر، لا يركع ولا يخضع إلا لله عز وجل.. عندما يحصل ذلك كله فهو حدث جليل، ومثال حيّ مؤثّر، ودرس بليغ للشعوب.. هزَّ الاتحاد الروسي المخيف، وسلطان المادة والسلاح.
لو استطاع الروس الحسم ما انسحبوا.. فمتى كان القادر على الحسم العسكري يتركه وينسحب؟! خابوا وخسروا فشامنا تحرسها الملائكة، ومجاهدونا هم أحفاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصدق ربي: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) (الأنفال: 36).
عندما دخل الروس أرض سوريا ظن كثير من الناس أن الشام قد ذهبت، فهذه روسيا مبتكرة السلاح المتطور وصاحبة سياسة الأرض المحروقة فمن يقف في وجهها؟!
ولكن أما دروا أن الله أشد منهم قوة؟!
قال الله عن عاد: ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ) (فصلت: 15–16)
كبروا وهللوا وتفاءلوا، فوالله إن دعوات الأمهات الثكالى، والشيوخ الذين فقدوا أولادهم، والمرضى الذين فقدوا أطرافهم، وجميع من تشرد وذاق الويلات من العذاب، دعوات هؤلاء جميعاً لن تضيع عند الله.
فدعوة المظلوم ( تحمل على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 117
وها هم الروس أصحاب القوة والهيمنة والسلاح بعد ستة أشهر يخرجون أذلة لم ينالوا خيراً
ضربوا المدن الصامدة.. وضربوا مداخلها ومخارجها وضواحيها وأحياءها بالطائرات والمدافع والدبابات والصواريخ، وحوَّلوها إلى خراب وحطام وألسنة من اللهيب، وشرّدوا أهلها في هذا البرد القارس، وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ بقصفهم الوحشي.. ولكنهم لم يستطيعوا حتى الآن أن يزلزلوا ثبات هذه الحفنات المؤمنة.. الجائعة.. الظامئة.. المجْهَدة.. من المجاهدين الصامدين ومن الشعب الأعزل، ولا أن يكسروا إرادتهم ويُوقِعوا في قلوبهم الوهن!
إن ثبات أهل الشام المذهل، وتصميمهم القاطع على الموت؛ دفاعًا عن دينهم وهويتهم وحريتهم واستقلالهم وكرامتهم.. هو حدث يتجاوز حدود القوانين الأرضية؛ ليسمو إلى قوة عليا هي قوة رب البشر ومدبر أمر الممالك، وسامع دعوات الملهوفين والمشردين والمظلومين، الذي قال في كتابه: ( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (آل عمران: 196-197).
والذي قال: ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (البقرة: 249).
2- الأمم الظالمة أمم هالكة
إن الأمم الظالمة المعادية للمسلمين أمم هالكة لا محالة، وهذه سنة إلهية ماضية، قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ ) (السجدة: 26).
فأمريكا وروسيا وإيران وكل من ساندها من دول الكفر والظلم هي أمم هالكة لا محالة؛ لأنها جمعت كل أسباب الهلكة التي جاءت في كتاب الله عز وجل، وكلما أهلك الله عز وجل أمة ذكر لنا أسباب هلاكها، وقد تجمعت هذه الأسباب جميعاً في هذه الأمم، فقد اتصفت بالكبر والظلم والترف والذنوب والبطر والعنصرية، وهي صفات لا تقوم مع وجودها الأمم، وهو مفهوم لا بد أن يفقهه كل المسلمين، فلا يغرركم تقلبهم في البلاد، متاع قليل.
3- متى يسقط النظام؟
إن للأمم الظالمة أجل مقدَّر، وموعدٌ محدد، لن تسبقه ولن تتأخر عنه، ولن يهلكها الله حتى تبلغه، مثل من سبقهم من الأمم..
قال الله: ( وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ) (الحجر: 4-5).
فالموعد بيد الله لا بيد روسيا ولا أمريكا ولا غيرها من أمم الكفر، بل بيد الله مالك هذه الدول ومسيرها،
قال الله: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) (الكهف: 59).
فكما سمعتم خبراً عاجلاً عن انسحاب روسيا وفرحتم به أشد الفرح، فستسمعون خبراً عاجلاً بسقوط نظام الظلم والإجرام، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، فثقوا بالله الواحد الأحد.
4- سنة الله في الاختبار( يبلغ ذروته ثم يأتي الفرج)
إن الله إذا وعد لا يخلف وعده، ولكنه يصل بالامتحان إلى آخر رمق، ويصل بالاختبار إلى ذروته،
والرأيُ إنْ تَمْضِ اللَّيالِي دُونَهُ وافَى عَلَى جَنَبَاتِهِنَّ صَبَاحَا
إن الاختبار وصل بأم إسماعيل -عليه السلام- أن رأت وليدها يكاد يقتله الظمأ، فماذا تصنع؟ لقد قالت لزوجها إبراهيم -عليه السلام- آلله أمرك أن تتركنا هنا؟
فأشار برأسه أن نعم، قالت: إذا لن يضيعنا!
لكنها الآن تواجه الهلاك ويكاد اسماعيل يموت في شدة حرارة الصحراء،
نعم.. حتى يصل الاختبار منتهاه، ويفوز به من صبر..
فعندما كانت أم إسماعيل تجرى هنا وهناك تطلب الماء لولدها الذي يكاد يهلك من العطش كان رب العالمين يعلم أن الولد سيكون أمَّة، سيكون منه شعب، ستكون منه نبوة خاتمة، ستكون منه حضارة تظلل الأرض بأعظم ما ازدانت به الإنسانية من قيم، كان يعلم هذا، ولكنه ينزل أقداره بحكمة: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (الحجر: 21).
فخزائن النصر بيده ينزلها حسب ما يشاء، في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء.
ويسوق القرآن الكريم ألوانا من الصراع بين الحق والباطل ينظر الإنسان إليها متأملا:
جاء موسى -عليه السلام- إلى فرعون يقول له: هذه الأرض لا تحتمل فوق ثراها شعبين يأكل أحدهما الآخر، فلنرحك من شعب إسرائيل: ( فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (الأعراف: 105).
حلٌ معقول، لكن الطاغية لا يعرف الحل المعقول، بل تلتوي الأمور في نفسه، فعندما يرى أن سحره تلاشى يقول: ( إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (الأعراف: 123).
وخرج موسى وقومه، وتبعه فرعون وجنده، هنا يبلغ الامتحان درجة خطيرة، فأتباع موسى رأوا أن الجبار الذي استباح دماءهم، واستحيا نساءهم، وتجبر في الأرض على أنقاضهم، يوشك أن يضع يده عليهم، وأن تعود الأمور سيرتها الأولى في الذل النازل بهم، والهوان الواقع عليهم، كما هو حال كثير من الناس اليوم، يظنون أن حكم الظالم سيرجع فإن من ورائه دول كبرى تسانده!!
قال الله: ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ* وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) (الشعراء: 61-66).
لابد من اختبارات إلهية، واختبارات شديدة، قد تكون قاسية، ولكن نتيجتها ناضرة تبيض بها وجوه المؤمنين، وتسود بها وجوه الظالمين.
لابد من أن يشرق الفجر مهما اشتدت الظلمة، ولابد أن تطلع الضحوة الكبرى مهما طال الليل، لكن الصبر مر، والتحمل لابد منه،
5- خذوا حذركم فانفروا جميعاً
ولكن ومع كل ذلك، ومع انسحاب الروس من أرض المعركة، ينبغي علينا أن نعلم علم اليقين أن
أعداء الإسلام لهم من اليقظة، والمنعة والقدرة، والمكر والذكاء، ما جعلهم يصنعون الكثير
لضرب الإسلام، والنيل منه،
فالمخطط الغربي في بلاد المسلمين مخطط مسبق وقديم، وليس تدخلهم هو لمكافحة الإرهاب كما يدعون اليوم في سوريا أو لإنقاذ الشعب المظلوم، وليس بسبب أسلحة دمار شامل كما ادعت أمريكا في العراق، وليس وليس..
ولكن إن ما أصاب الأمة الإسلامية لعله بعض النار التي تشتعل في الحديد كي يتطاير ما في الحديد من أخلاط وأوشاب؛ حتى يبقى المعدن صافيا، ويتلاشى ما هنالك من دَخَن.
يا أيها المجاهدون في الشام: تعلموا من تاريخ الأمم قبلكم أن الحق الذي اعتنقتموه، وأن اللواء الذي رفعتموه، لا بد له من جيش محتسِب يبذل دون كلل، ويكافح دون ملل، وهكذا قيل للمؤمنين: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) (البقرة: 214).
( وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (النساء: 104).
لسان حالكم:
اقتلونــــي مزقونـــــــي أغرقوني في دمائــي
لن تعيشوا فوق أرضي لن تطيروا في سمائي
أنتمو رجــــس وفســـق أنتمو ســــر البــــــلاء
أنتمـــو كفـــــــر وغــــدر نهجكم حَجْبُ الضــياء
سمكـم ما زال يســــري كأفـــــاع في خفـــــاء
http://shamkhotaba.org