بين الشعار والعمل
أمّا بعد:
إن من مصائبنا ومقاتلنا أننا نحب من يَكذبنا ويدغدغ عواطفنا ومشاعرنا ويرضي أوهامنا وأحلامنا، ولو أضلنا وأهلكنا ؛ ونُعرض عمن يَصدُقنا ويصدمنا ولو قادنا وأرشدنا إلى النجاة والفلاح.
فما أشد حاجتنا الآن وعلى الدوام إلى رجال أحرار صادقين مبصرين شجعان وما أغنانا عن الكذبة والإمعات.
فالتحدي الديني والأخلاقي والإنساني الكبير: أن تكون قويا وتكون عادلا في الوقت نفسه؛ فالقوة إن انفصلت عن الحق والعدل، والإحسان والرحمة، تحول أصحابها إلى طغاة ومجرمين، وفراعنة وقوارين؛ والعدل إن ملك القوة وحكمها وسخرها كان به للبشر الحرية والكرامة والسلامة والأمن والخير والازدهار. ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )[المائدة:8].
والواجب أن نتذكر أننا لا نحكم على الناس بشعاراتهم وأقوالهم وحدها، ولكننا ننظر معها إلى واقعهم وسلوكهم؛ وما أبعد التباين أحيانا بين الشعارات والأقوال والواقع والسلوك. ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )[التوبة: 105].
و لنتذكر أيضا، أن الأهداف الطاهرة الشريفة لا تقبل الوسائل القذرة الخسيسة، الوسيلة القذرة الخسيسة خيانة للغاية الطاهرة الشريفة، فالغاية عندنا لا تبرر الوسيلة.
فالذين يقتلون الأبرياء بغير حق لم يعرفوا حقيقة الإسلام، ولم يذوقوا طعم الإسلام، وإن رفعوا جهلا أو خداعا شعاراته فوق الرؤوس.
فالضالون المضلون والمضللون المنحرفون الذين يرتكبون أبشع الجرائم والأعمال باسم الإسلام هم من شر أعداء الإسلام؛ لأنهم يشوهون صورة الإسلام، ويقدمون المبررات لأعداء الإسلام في حرب الإسلام.
فلا يمكِنُ خِدْمَةُ الإسلام، ولا يجوزُ خدمَةُ الإسلام، بما يُناقِضُ الإسلامَ وأخلاقَ الإسلام، فذلِكَ يُسيءُ إليهِ أقبَحَ الإساءَة، ويُضِرُّ أبلَغَ الضَّرَرِ بالأمَّةِ والبلاد.
وإن من أخطر الأشياء أن تتحول مقاومة الإرهاب أو دعوى مقاومة الإرهاب إلى إرهاب آخر أقوى وأعتى وأبعد عن الإنسانية والحق والعدل، وأكثر استهانة بالأبرياء، ودماء الأبرياء، وحقوق الأبرياء.
فلربما قال أحدنا فما العمل؟ أقول إذا أردت في حياتك السداد والنجاح، وأن تأمن في دربك العثار والهلاك، فلا تفصل في حياتك العمل عن العلم، ولا تفصل العاطفة عن العقل؛ فالذين يعملون دون علم، ويندفعون دون عقل، يوردون أنفسهم وغيرهم موارد الخسارة والهلاك، ويبوؤون بإثم الدنيا والآخرة.
فالعلم ثم العلم ثم العلم... العلم والفكر والأمانة والصدق سبيلنا إلى التفريق بين حق وباطل، وصواب وخطأ، ونافع وضار، فأخلصوا في طلب العلم، واسألوا ثقات العلماء في كل مجال من مجالات الحياة،
واحذروا أن تلبسوا رداء العلماء وأنتم لستم كذلك، فتهلكون ويهلك بكم الناس، وتخسرون الدنيا والآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ). [متفق عليه].
وما أعظم دور الشعوب الحية الواعية في صنع حاضرها ومستقبلها، وحماية نفسها وحاضرها ومستقبلها من الضلال والانحراف والاستغلال وسائر الأخطار.
فلا يستهن أحد بنفسه ويقعد عن أداء دوره الذي يتقنه، فيجب أن تتضافر جهودنا جميعا حتى نصل للغاية التي نبغي.
ملحوظة: الخطبة مقتبسة من كتابات الأستاذ عصام العطار.
أحمد محمد سنده
http://shamkhotaba.org