أَموَالكُم حَرَامٌ عَليكُم ... فَلا تَظَالَمُوا
مقدمة:
لقد حث الإسلام على الكسب والسعي في مناكب الأرض لطلب الرزق، غير أنه شدد على توخي الطرق المشروعة، وحذر تحذيراً شديداً من أن يحملك حرصك على الكسب على التعدي على أموال الناس وأقواتهم.
وكما أن للمرء أجراً عظيماً في السعي على كسب الحلال لإعالة من يعول، غير أنه يُمنع من إجابة دعوته لو تعدى على حق غيره وظلم.
1) الترغيب في أكل الطيبات والتحذير من أكل الخبائث
مع تزايد ضغط الحاجات وشدة الضيق على الناس بسبب ما يحيط بهم من أزمات ونكبات، صار الكثير منهم لايبالي بإطابة مطعمه ومكسبه من حلال، وقد أخبر النبي أنه يأتي على الناس زمان، مايبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام، ولكن من يسعى إلى اللحاق بركب النبي صَلّى الله عليه وسَلَّم وصحبه لا يتأثر بما يتأثر به الناس، ولا يتابعهم فيما يخالفون فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لم يأكل التمرة لأنه يخشى أن تكون من تمر الصدقة.
إن الله تعالى ينادي على عباده المؤمنين ويأمرهم بمايأمر به المرسلين، فيقول جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].
وينادي على المرسلين فيقول: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]
وتتوالى نداءات الرحمن في القرآن الكريم تترى للعباد بأساليب متعددة رفقا بهم ورحمة بهم أن لا يتجاوزوا الطيبات إلى الخبائث.
إنّ حبّ المال وجمعه مما جُبل عليه المرء، وارتكز في فطرته التي فطره الله عليها، وفي ذلك يقول الله تعالى {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20].
لكن تلكم الغريزة بحب المال والتعلق به، لم يدعها الشارع الحكيم دون انضباط، بل أقام لها معالم ورسم لها حدوداً، ووضع لسالكها طريقا يبتعد فيها مما حُرِّمَ عليه لتنتهي به إلى ساحل السلامة من الحرام.
وقد صان الشارع الحكيم دم المسلم وماله وعرضه ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما :أن رسول الله صَلّى الله عليه وسَلَّم خطب الناس يوم النحر (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا)
والتشديد من النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الموقف المهيب لدليل على خطورة أكل أموال الناس بالباطل.
2) صور أكل المال الحرام
أ- السرقة والتعدي على ممتلكات الآخرين:
وهي فعل شنيع مستقبح، لا يقدم عيه إلا من رخصت عليه نفسه وهانت عليه آخرته. قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].
والاعتداء على ممتلكات الآخرين وأموالهم، من صنوف أكل المال الحرام، والذي جاء الوعيد النبوي الشديد لمن أقدم عليه، فعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ).
فليتق الله من استولى على بيوت إخوانه المسلمين، ونهب ممتلكاتهم، وسرق مقتنياتهم، مستغلا ظروف سفرهم وهجرتهم، أين أنت ممن لا تخفى عليه خافية؟ أم جعلت الله أهون الناظرين إليك؟!!
تأمل معي الوعيد الشديد في حق من ظلم أخاه قيد شبر، فكيف بمن سرق بيته، أو نهب ثروته، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).
- وإن من أنماط التكسب بالحرام التحايل على المؤسسات الإغاثية والخيرية، بغية الحصول على المعونات تكثراً من غير عوز ولا فاقة، وبغير وجه شرعي، وكذلك تقديم البيانات والمعلومات المغلوطة للقائمين على شؤون المحتاجين، ولقد جاء الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن سلك هذا المسلك الوعر، ففي الحديث: (لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ).
وفي الحديث الآخر: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرَةً فَلْيَسْتَقِلَّ مِنْهُ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ).
قال ابن القيم رحمه الله : "فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة، لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها".
ب- الغلول من الغنيمة:
والغلول هو السرقة من الغنائم، ويعد من كبائر الذنوب قل أو كثر، لأنه أكل لأموال المسلمين بالباطل، قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (كَانَ رَجُلٌ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ فِي النَّارِ» فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَلَيْهِ كِسَاءً قَدْ غَلَّهُ).
قال ابن رشد رحمه الله: "اتفق المسلمون على تحريم الغلول".
وعقوبة الغال من الغنيمة أنه يأتي يوم القيامة بماغل، يحمله معذبا به وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد،وأنه يحرم الفوز بالشهادة ،ويعذب في النار إن لم يتب ويتحلل قبل موته.
جـ- أكل مال اليتيم:
ومن صور أكل المال الحرام الاعتداء على أموال اليتامى وقد حرم الله ذلك أشد التحريم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10].
بل واعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم إحدى المهلكات الموبقات فقد جاء في الحديث الصحيح: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).
ولو تأملنا في التعبير القرآني والنبوي في الوعيد المترتب على أكل مال اليتيم لوجدنا أنه ذو مدلولات تحمل في طياتها الوعيد الشديد وما ذاك إلا لحرمة مال اليتيم لضعف حيلته وحداثة سنه.
بل إن القرآن الكريم أمر بعدم الإسراف في مال اليتيم من قبل وليه ومن يقوم على رعايته حال يتمه، اقرأ معي قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء:6].
وهذا الخطاب القرآني موجه لولي اليتيم بأن يدفع إلى اليتامى أموالهم بعد بلوغهم واختبارهم بحسن تصرفهم بالمال فبعد هذا الوعيد القرآني الشديد والتبيان المفصل في أدق أمور مال اليتيم يتجرأ بعض أولياء الأيتام على أخذ شيء من أموالهم بغير حق سواء مما ورثه هذا اليتيم أو من المبالغ والعطايا التي تصله من قبل الكافلين والمحسنين فيسطو عليها ولي اليتيم.
د- ومن صور التكسب بالحرام واكل أموال الناس بالباطل:
الرشوة والربا والغش والغبن في التجارة وبيع المحرمات كالمسكرات وما في حكمها والتحايل في الخصومة عند القاضي ونحو ذلك.
3) آثار أكل المال الحرام
إن المال الحرام والمكاسب المحرمة تقسي القلب، وتطفئ نور الايمان، وتذهب البركة، وتعمي البصيرة، وتوهن الدين، وتظلم الفكر، وتقعد الجوارح عن الطاعات، وتوقع المرء في حبائل الدنيا وغوائلها، وسنفصل في بعض عواقب أكل المال الحرام وآثاره على آكله في الدارين:
أولا: الحرمان من إجابة الدعاء:
وكفى بها من عقوبة أن يحرم المرء إجابة الدعاء، فيقطع حبله مع الله بأكله أموال الناس بالباطل، فكيف يهنأ عيش لعبد قطع الصلة بينه وبين سيده، فأنى لحوائجه أن تقضى، ولمطالبه أن تستجاب، وقد قطع حبل العلاقة بينه وبين من يقضي تلك الحوائج وهو الله سبحانه وتعالى.
تأمل معي أخي المسلم هذا الحديث وأرعه سمعك وقلبك، فعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "بالورع عما حرم الله يُقبل الدعاء والتسبيح".
وقال ابن رجب رحمه الله: "أكل الحرام وشربه ولبسه سبب موجب لعدم إجابة الدعاء، فكيف نرجو إجابة لدعاء قد سددنا طريقها بالذنوب".
ثانيا: اللعن والطرد من رحمة الله تعالى: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ).
فالمراد من الحديث أن السارق يسرق الجليل فتقطع يده، ويسرق الحقير فتقطع يده، فكأنه باع يده بالقليل من الثمن، واستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.
ثالثا: الخشية من بطلان الأعمال:
لا يقبل العمل الصالح ولا يزكو إلا بأكل الحلال، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وقد ذكرنا عقوبة منع إجابة الدعاء كنتيجة لأكل الحرام، وتتسع دائرة العقاب الإلهي على آكل الحرام، حتى ليخشى عليه بطلان أعماله وعدم قبولها :يقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما : "لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام".
ومن جميل قول وهب بن الورد: "لو قمت في العبادة مقام هذه السارية لن ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك حلال هو أم هو حرام".
وإن الأمر ليس مقتصرا على هذه الآثار مع شدتها وعظم التضرر بها، بل إنه ليربو على ذلك ويبلغ الغاية حين ينتهي بصاحبه إلى نار الجحيم يوم القيامة ،كما جاء في الحديث: (يا كعبُ بنَ عُجرةَ إنَّهُ لا يدخلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبتا على سحتٍ، النَّارُ أولى بِهِ. يا كعبُ بنَ عُجرةَ النَّاسُ غاديانِ فغادٍ في فِكاكِ نفسِهِ فمعتقُها وغادٍ موبقُها. يا كعبُ بنَ عجرةَ الصَّلاةُ قرباتٌ والصَّومُ جُنَّةٌ والصَّدقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يذهَبُ الجليدُ على الصَّفا، وفي روايةٍ: كما يطفئُ الماءُ النَّارَ).
والسحت: هو الحرام في كل صوره وأشكاله، من أكل مال اليتيم أو الرشوة أو الربا والسرقة والغلول ونحو ذلك.
وإنها لبداية محزنة في حياتك البرزخية أن يتمتع أبناؤك وأهلك من بعدك بما ورَّثتَه لهم، وأنت تحاسب عليه في قبرك حسابا عسيرا.
إنها لبداية محزنة في قبرك أن يكون ما ينتن من جسدك، هو بطنك الذي أشبعته بالحرام، فقد قال عليه السلام: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ) البخاري/7152
تذكر أخي المسلم عرصات يوم القيامة يوم تقف أمام الله تبارك وتعالى حافي القدمين وتسأل عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته. اقرأ معي حديث المفلس، قال صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
4) وقفة عن أثر المعاصي في تأخر النصر
عندما لحقت الهزيمة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، لم يتأخر الوحي في توضيح الحقيقة الشرعية في سبب تلكم الهزيمة التي نزلت بهم، فأنزل الله في ذلك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].
إن الذنوب والمعاصي سبب في الهزيمة والتشرذم وتسلط الكفار، فإذا كان هذا البلاء نزل بالمسلمين يوم أحد بسبب مخالفتهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم وهم خير القرون، فكيف بنا اليوم نرجو نصرا على عدونا ونحن لم ننصر دين الله تعالى في أنفسنا؟!
كيف نرجو نصراً من السماء وقد قطعنا مدده بأكل الحرام؟!
فالطمع في الغنائم وهي حلال، ومخالفة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام بعدم النزول من جبل الرماة أدت إلى هزيمة المسلمين في أحد، وهذا كله من شؤم المعاصي وأثرها في تأخر النصر، فكيف إذا كانت تلكم المعاصي من كبائر الذنوب، كأكل أموال اليتامى ظلما والغلول واستحلال أموال الناس وممتلكاتهم لغياب الرقيب من البشر.
إن المخرج من واقعنا المؤلم أن نقيم دين الله في قلوبنا وأنفسنا أولا، حتى يتنزل النصر والتمكين، فالمنهج القرآني واقعي في تبيان أسباب الهزيمة وموانع النصر، لا يحابي أحدا ولا يجامله، لأن جيل النصر الذي يريده الإسلام هو ذلك الجيل الرباني المؤمن بالله، الوقاف عند حدوده، يسأل ذلك الجيل عن سبب هزيمته في أحد {أَنَّى هَذَا} يأتي الجواب من الوحي بواقعية تامة وشفافية واضحة {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}.
5) صور من الورع عن أكل الحرام
لقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في التورع عن أكل المال الحرام، وذلك لعلمهم بفناء هذه الدار، وحذرهم أن يدخل إلى جوفهم لقمة من حرام، وقدوتهم في ذلك نبيُّ الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول:(إني لأَنْقَلِبُ إلى أهلي ، فأَجِدُ التمرةَ ساقطةً على فراشي ، فأَرْفَعُها لآكُلُهَا ، ثم أَخْشَى أن تكونَ صدقةً فأَلْقِيها)
ولقد قال عمر رضي الله عنه: "كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام".
وقال عبد الله بن المبارك: "لأن أرُدَّ درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف".
ورحم الله القائل :
المال يذهب حلـــه وحرامـــه يومـــا وتبقـــى في غد آثامـــه
ليـــس التقي بمتَّقٍ لإلهـــه حتـــى يطيب شرابـــه وطعامــه
ويطيب ما تحوي وتكسب كفُّه ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبــي لنا به عن ربـــه فعلــى النبـــي صلاتــه وسلامـــه
أخي المسلم:
بادر بالتوبة النصوح إلى الغفور الرحيم، ورد المظالم والحقوق إلى أهلها، فرحمة الله واسعة، وأبوابه مشرعة، ولا يتعاظم ذنب عن عفوه ومغفرته، فلقد جاء النداء الرباني إليك بقوله: {يَا عِبَادِيَ}، فاقرأ معي قول الله تعالى:[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
http://shamkhotaba.org