مقدمة:
نُسِجَ في عقول الكثيرين أن ما يحدث في هذا العالم من حوادث وأزمات وقلاقل وحروب إنما هو وفق تخطيط خبيث من الغرب، حتى أن مصير ثورتنا -التي بذلنا لها أغلى الدماء- مرهون أيضا بالمخطط الخبيث الذي يحاك لنا، فما علينا سوى الانتظار حتى يبرم وينفذ المخططون قرارهم فينا.
أمام هذا التصور غير الدقيق تغيب حقيقة أن إرادتنا هي أساس المعادلة، وقبل ذلك أن أمر الله وقدرته فوق كل أمر وقدرة.
1- الله أشدُّ منهم قوة
إن الدول العظمى مهما بلغت قوتها وجبروتها فهي في سلطان الله، وقوة الله أشد من قوتهم، {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15].
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14]
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].
2- الله أسرع مكراً
قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 46-47].
هذا المكر العظيم الذي كادت أن تزول منه الجبال الشاهقة مكتوب عند الله، بل إنه لم ينفذ إلا بإرادة الله جل في علاه، ولكن الوعد الإلهي حاضر فلا تحسبوا الله مخلفَ وعدِه عبادَه إنه عزيز ذو انتقام، يبلو الناس بعضهم ببعض، ألم نسمع قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24].
وقول نبيّنا عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)
أيها الناس: إن القلوب التي في أمريكا وروسيا وإيران وكل دول الظلم والضلال بيد الله كقلب رجل واحد يقلبه كيف يشاء، أفعسير على الله إذا أراد نصرنا أن يقلب قلوبهم ويتراجعوا؟!
أو يقذف الرعب في قلوبهم فينهزموا؟!
أو يغير أهدافهم فيختلفوا؟!
إنه الله خالق الخلق وهو المتحكم فيهم، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
إن الدول الكبرى الظالمة لها يوم ستزول فيه، ولها موعد محدد ستنتهي فيه، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف: 59].
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 13-14].
إن المكر الذي يمكره القوم لن يكون أسرع من مكر خالقهم فهو الذي يسيِّرُ الأمور وبيده مقاليدها، {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ * هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر} [يونس21-22].
والله يدبر لنا ويمكر لنا ونحن لا نشعر، غافلين عن ذلك، ولكن رعايته لا تغادرنا طرفة عين، اسمع إلى آياته تتلى عليك: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 50-53].
3- الله يفعل ما يريد
قال الله عزوجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].
ولكنه شاء، شاء ليدفع الكفر بالإيمان وليقر في الأرض حقيقة العقيدة الصحيحة الواحدة التي جاء بها الرسل جميعاً، فانحرف عنها المنحرفون، وقد علم الله أن الضلال لا يقف سلبياً جامداً، إنما هو ذو طبيعة شريرة، فلا بد أن يعتدي، ولا بد أن يحاول إضلال المهتدين، ولا بد أن يريد العوج ويحارب الاستقامة، فلا بد من قتاله لتستقيم الأمور.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ} مشيئة مطلقة، ومعها القدرة الفاعلة.
ألم نسمع قول الله عز وجل: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} [النساء: 76].
وقال سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، على تقدير حرف جرّ محذوف: يخوف بأوليائه.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وقال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم، وهي بشرى لحملة الدعوة من بعده: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
4- يقيننا بالظفر لا يعني الكسل
وإن يقيننا بأن تخطيط ومكر العدو لنا أمره إلى فشل وإلى زوال وأن الشام في كنف الله وكفالته، لا يعني أن نمشي هملا، دون تبصر ودراية، بل الواجب إعداد الخطط المناسبة لتفادي ما يمكر لنا، وهذا داخل ضمن دائرة الإعداد الواجب {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضع الخطط الحربية في كل المعارك والغزوات التي خاضها، ويخطط لرحلة هجرته متخذا كل أساليب الحذر من مكر عدوه.
وإن يقيننا بأن تخطيط ومكر العدو لنا أمره إلى فشل وإلى زوال، وأن الشام في كنف الله وكفالته، لا يعني أنه مسموح لنا أن نخالف سنن الله جل جلاله، فسنن الله لا تحابي أحداً، ولا تحابي حتى الأنبياء ولن تحابينا نحن، إن الظلم الذي نكيله لبعضنا البعض أمر حاجب للنصر، وليس من سنن الله أن ينصر ويمكن من حاله كذلك: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 105، 106].
وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40،41].
وإن يقيننا بأن تخطيط ومكر العدو لنا أمره إلى فشل وإلى زوال، وأن الشام في كنف الله وكفالته، لا يعني أن نغفل العناية بلغة إعلامنا التي تحلق في خيال امبراطوري لا يمت إلى الحقيقة بحال، مما يعود علينا بمزيد من الأعداء، وربما يحصل الكثير من هذا اللغط في مضمار المزاودة على بعضنا البعض.
http://shamkhotaba.org