نُصرَةُ المُستضعَفين
الكاتب : عبد الرحمن محمود الضحيك
الجمعة 11 نوفمبر 2016 م
عدد الزيارات : 2651
#منابر_سوريا    #خطبة_الجمعة
العنوان: {نُصرَة المُستضعفين}
الخطيب: عبد الرحمن الضحيك
المكان: #حمص_المحاصرة  #سوريا
#استمع للخطبة من قناتنا على يوتيوب:
قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}.
عباد الله، ينبغي أن يَعلم كل مؤمن أن من الواجب عليه موالاة أولياء الله ومناصرتُهم والذبُّ عن أعراضهم، وذلك مقتضى قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال (تمنعه من الظلم فإن ذلك نصرُه).
وفي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟) فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ، مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا، فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟).
كم تلجلَجَتْ في تاريخنا من أصواتٍ لمنكوبين، وكم انهالت في ماضينا من دمعاتٍ لمظلومين، وكم تعالت في حياتنا من استغاثاتٍ لمقهورين؛ ولكنّها لم تكن مجرّد صيحاتٍ في الهواء، أو أنَّات محبوسةٍ في القلوب، بل كان لها أثرُها ووقْعُها في تهييج الأمّة، وإشعال الغيرة الإسلاميّة فيها، وتحريك النّخوة العربيّة بين أهلها.
لقد حفظ لنا التاريخُ مواقفَ وضَّاءةً لأسلافنا، حرَّكتهم صيحاتُ المستغيثين، وألهبتهم آهاتُ المكلومين.
فيومَ أن كنّا خير أمَّة، كانت تتكافأ دماؤنا، ويسعى لذمَّتنا أدنانا، ونحن يدٌ على من سوانا.
يوم أن كنّا خير أمَّة، فكَكْنا العاني، وأجبْنا الداعيَ، وأغثنا الملهوف، ونصرْنا المظلوم.
يوم أن كنّا مستجيبين لله وللرّسول صدقًا، تمثَّلْنا قولَ الله حقًّا: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}.
لقد حفظ لنا التّاريخُ مواقفَ وضَّاءةً لأسلافنا؛ أجّج روحَ الثّأر في كوامنها صيحاتُ المستغيثين، وآهاتُ المكلومين.
إنّ أولى تلك الاستغاثات التي حفظها لنا الزمانُ هو خبر تلك المرأة الأنصاريّة المسلمة في سوق بني قينقاع: يوم أن دخلت تلك المرأة السّوقَ وهي في كامل حشمتها وسترها، وحيائها وعفافها، فوقفت عند صائغٍ يهوديٍّ تساومه على بضاعة أرادتها، فالتفَّ حولها مجموعةٌ يهوديّةٌ قذرةٌ جعلوا يراودونها على كشف وجهها، والمرأة تأبى وتتمنَّع، فما كان من أحدهم إلّا أن عمد إلى ثوبها -وهي قاعدةٌ غافلةٌ- فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سَوْءتها، فتضاحك اليهود وتمايلوا، فصاحت المرأة المقهورة: يا أهل الإسلام، فقام رجلٌ من المسلمين فقتل اليهوديّ، فتنادى اليهود وتمالؤوا عليه حتى قتلوه.
ويصل الخبر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابتِه، ويقع هذا الحدث في قلوبهم موقعاً عظيماً، لتّتَفق كلمتهم على نصرة الدّم المسلم، وكرامة العِرض المسلم، فعقد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لواء الجهاد، وأعطاه لعمّه حمزة بن عبد المطّلب، وما إن سمع اليهود بمقدم لواء الحمزة حتى هربوا خلف أسوارهم، واختبئوا في حصونهم، ويحاصرهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ويقذف الله في قلوبهم الرّعبَ, فلما أيقنوا بالهلاك، وعلموا أن لا مناص لهم ولا محيص؛ أسلموا أمرهم واستسلموا، ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينها حكم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم أن يُكتَّفوا، وأن تضرب أعناقهم.
فما كان من رأس النّفاق عبد الله بن أُبيّ بن سلول إلّا أن تدخّل، ودافع عنهم ونافح، وقال: أحسِنْ في مواليَّ يا محمّد، فأعرَضَ عنه النّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأعاد ابن أُبيٍّ مقالته، وجعل يُدخِل يدَه في جيب درع النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى تغيَّر وجهُ النّبيّ عليه الصلاة والسلام، وعُرِف منه الغضب، وهو يقول: (أرسلني) فيقول المنافق: أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟ إنّي امرؤٌ أخشى الدوائر. فطاوعه النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ غير أنّه حَكَم بإجلائهم من المدينة مع نسائهم وذراريهم، وأنّ للمسلمين ما سيتركونه من أموالهم وأسلحتهم، وأنزل الله في إثر ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}.
فتأملوا كيف انتصر المسلمون لهذه المرأة العفيفة الطّاهرة يوم استغاثت بأهل الإسلام، فكان الجواب في سرعة النّداء. واليوم استغاثات نساء المسلمين وأطفالهم تملأ الآفاق فأين أهل الإٍسلام، وأين أرباب الزّعامات من آلاف الصّرخات التي انطلقت من مناطق الحصار في حلب وغيرها من أرض الشّام؟
رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم.
ورحم الله القائل:
ملكنا هذه الدنيا قرونا     وأخضعها جدود خالدونا
وسطّرنا صحائف من ضياء     فما نسي الزمان ولا نسينا
حَملناها سيوفا لامعاتٍ     غداةَ الروعِ تأبى أن تلينا
إذا خرجت من الأغماد يومًا     رأيت الهول والفتح المبينا
وكنَّا حين يأخذنا ولِي     بطغيان ندوس له الجبينا
وكنّا حيِن يرمينا أناس      نؤدّبهم أباةً قادرينا
وما فتِئ الزمان يدور حتى     مضى بالمَجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي     وقد عاشوا أئمته سنينا
أيها الإخوة: يظن البعض أن واجب نصرة الضعفاء إنما هو موجه إلى من هو خارج مناطق الحصار، ويظن أنه لا علاقة له بنصرة إخوانه ما دام هو محاصر في هذه المناطق ويرمي بالمسؤوليّة على فلانٍ أو فلانٍ، مع أننا كلُّنا مطالبون بنصرتهم وإغاثتهم، كلٌّ حسب قدرته ومكانته؛ 
فالقادة مطالبون أن يتَّقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وأن يتحركوا لتوحيد صفوفهم. 
والتّجار مأمورون ببذل المال في سبيل الله؛ والجهادُ بالمال مقدَّم في مواضعَ كثيرةٍ من كتاب الله على الجهاد بالنّفس. 
والعلماء مطالَبون بجهاد الكلمة والنّصرة بالقلم واللسان، وأئمَة المساجد مأمورون بالدّعاء وإحياء سنّة القنوت عند النّوازل، وكلّ غيورٍ على دينه وأمَّته مطالَبٌ بإحياء قضيّة إخوانه في بيته وعمله وسائر مجلسه.
فالجميع مطالَبٌ بحمل السّلاحِ الذي نيط به؛ سلاحِ الدّعاء، وسلاح المال، وسلاح الكلمة، وسلاح الشِّعر والقصيدة، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ).
واعلم أن أمتنا أمة منصورة بإذن الله عز وجل، وتسلط الكفار في هذا الوقت هو تسلط مؤقت، ودين الله غالب لا شك في ذلك عندنا، وهو جزء من عقيدتنا، ولا بد أن يتحقق قول الله عز وجل: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله.
 

http://shamkhotaba.org