إشارات مهمة للميدان <<ثورة الشام>>
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 25 يناير 2017 م
عدد الزيارات : 2948
مقدمة:
بين كل حين وآخر من عمر ثورة أهل الشام تنزل نازلة تشغل الناس بل والعالم، وهذه النوازل تحتاج إلى فقه وربط بشريعة الله على نور وبصيرة، ولا بد بين كل حين وآخر من تذكير بالثوابت التي خرجنا من أجلها حتى لا تزداد البوصلة في الانحراف فتضيع التضحيات، وتذهب الدماء هدراً، ويتفوق الظالم، ونرجع سنوات كثيرة إلى الوراء.
وهذه بعض الاشارات المهمة على هذا الطريق الطويل الشاق عسى أن تصحح المسار ونتدارك الأخطاء.
1- جهاد السيف جزء من الجهاد لا كلُّه.
نعم إذا أطلقت كلمة الجهاد فهي تعني قتال الكفار، وينبغي علينا أن لا نميع معنى الجهاد بالإسفاف في ذكر أنواع الجهاد الأخرى متناسين المعنى الأساسي للجهاد، كما يفعله اليوم من ينظرون إلى الجهاد على أنه إرهاب وأعمال عدوانية.
الجهاد بمعناه القتالي هو ذروة سنام الإسلام، والمجاهد من أعظم الناس بذلاً فقد أرخص الروح لله، والشهيد جزاؤه أعالي الجنان.
ولكن ينبغي علينا أن نفقه أن الجهاد ليس غاية بحد ذاته، وإنما هو وسيلة لغاية أعظم، وهي نشر دين الله في الأرض، فالغاية هي تعبيد الناس لله بنشر دينه، والجهاد إحدى وسائل نشر هذه الدعوة لا أنه الوسيلة الوحيدة، والجهاد نفسه - الذي هو قتال الأعداء - له ما يخدمه ويعتبر من صلبه كالهدن والصلح والمفاوضات وغيرها، بل قد تجدي المفاوضات مع الأعداء أكثر من القتال كما رأينا في صلح الحديبية.
والجهاد باللسان والجهاد بالإغاثة والجهاد بالإعلام والجهاد بالسياسة كلها مكملات للجهاد بالسيف وخوادم له، بل إن جهاد البيان قد يفوق جهاد السنان.
قال ابن القيم: "الجهاد نوعان: جهاد بالسيف والسنان، وهو جهاد العامة، وأنصاره كثير، وجهاد بالحجة والبيان وهو جهاد الخاصة من أتباع الرسل وهو جهاد الأئمة، وأنصاره قليل، وهو أفضل النوعين، لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه" مفتاح دار السعادة 70/1
لذلك فإن حصر الجهاد بالسيف هو ضيق أفق وجهل بدين الله، فهذا مفهوم ينبغي تصحيحه.
2- هل فاوض النبي أعداءه إلى جانب جهادهم؟
كان صلى الله عليه وسلم يفاوض في كل ما يحتمل التفاوض، وكان يُقدِّر وضعه وقوته قبل أن يُصدر أي قرار يترتب عليه نتائج مهمة.
هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدخول في مفاوضات مع أعداءه هو تنازل من قِبَلِه؟ أو خيانه لدين الله وللمسلمين؟ أو أنه دليل على ضعفه وتراجعه عن هدفه؟
هل كان رسول الله يعتبر أن الجهاد هو الجهاد بالسيف وحسب؟ أم أن الجهاد مفهوم كبير يدخل فيه أنواع كثيرة من الجهاد منها جهاد السيف؟
لو تصفحنا كتب السير لوجدنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام دخل في مفاوضات كثيرة مع أعداءه، في صور تنبئ عن مدى حنكته وحكمته، ورحمته كذلك، ونظرته الاستراتيجية البعيدة.
ومن تلك المواقف لا كلُّها:
موقفه في غزوة الخندق مع غطفان ونيته للصلح معهم وذلك عندما استحكم الخناق على المسلمين، فلقد همَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة، وقد عدل الرسول عن ذلك بعد استشارة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا له: يا رسول الله، أمراً تحبه فنصنعه؟ أم شيئا أمرك الله به لابد لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال: بل شئ أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم (غالبوكم) من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما.
فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن و هؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون منها ثمرة إلا قِرَىً أو شراءً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له و أعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنت وذاك.
ومنها: قبوله لمفاوضات المشركين عندما عرضوا عليه الملك والمال فأبى. 
ومنها: قبوله مفاوضاتهم عندما قالوا له نعبد إلهك يوماً وتعبد إلهنا يوماً فأبى وقرأ عليهم سورة الكافرون.
وفي كل هذا ليس معنى قبول المفاوضات أن يقبل بما يجيء فيها، وإنما هو إيجاد مخارج لتعظيم حرمات المسلمين ودمائهم وأعراضهم، وإبداء لمرونة الإسلام في قبول الطرف الآخر وسماع رأيه وليس بالضروة قَبوله.
ومنها أيضاً بل من أشهرها وأعظمها: مفاوضات الحديبية: وهو موقف رأى فيه المسلمون أنه إذلال لهم وهزيمة رغم قدرتهم على القتال، وكان على رأسهم الفاروق رضي الله عنه، ولكن الرسول الكريم كان يعلم أين الحكمة، كما علم نتائج الحروب والغزوات المستمرة، التي قد لا تأتي بثمار الدعوة المرجوة بنشرها ودخول أكبر عدد من الناس في الإسلام، فالأوقات العصيبة المشحونة تهيج العواطف والعصبيات لِتُهيمن على صوت العقل الذي يهدي بدوره إلى الحق. 
إذا راجعت شروط الحديبية، تجد أنَّ رسول الله قد أنجز ما أراد دون سفك للدماء، وحتى إن تأخر ما أراده عاماً كاملاً، إلاَّ أنه أنجزه بالفعل.
فرسولنا عندما تفاوض على شروط الحديبية لم يتنازل عن هدف التفاوض الإستراتيجي بأداء مناسك العمرة، بل تنازل عن رتوش وصغائر دون أن يُغير الثوابت، فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مشكلة في كتابة «باسمك اللهم» بدلاً من «بسم الله الرحمن الرحيم»،كما أنه لم يجد أي مشكلة في كتابة «محمد بن عبد الله» بدلاً من «محمد رسول الله»؛ لأن الثوابت باقية، فهو لم يكتب مثلاً بسم آلهة قريش، كما أنَّ هذا التغيير في الخطاب لم يُخسر المسلمين الهدف التفاوضي الأساسي كما ذكرنا آنفاً -أداء مناسك العمرة بأمن وسلام وحراسة كاملة-، أضف إلى ذلك أنَّ المسلمين كانوا بحاجة إلى هدنة مدتها عشرة أعوام بدون حروب للتفرغ للدعوة بأمان ونشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وقد أجمع علماء المسلمين على أنَّ هذه الفترة كانت الفترة الذهبية للدعوة.
لقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء وجه قريش بهذا الصلح وضمن أموراً كثيرة لم يستوعبها المسلمون في بادئ الأمر.
وقد شاهدنا في كل ذلك حفاظه على مبادئه وثوابته، ولا ضير في التنازل عن بعض الجزئيات التي لا تضر بالدين وثوابته.
من كل ما سبق يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينأَ بنفسه عن سياسة المفاوضات إلى جانب الدعوة والجهاد، بل إنه طوَّع الجهاد والمفاوضات جميعا لخدمة الدعوة إلى الله.
واهمٌ من يظن أن الجهاد هو جهاد السيف وحسب، بل جهاد السيف وإن كان ذروة السنام إلا أنه جزء من الجهاد ككل.
3- حرمة الدماء.
إن الله عظَّم شأن النفس حتى كان قاتل النفس كقاتل الناس جميعا .
قال عز وجل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.[المائدة:32].
قال مجاهد: "من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها، كما يصلاها لو قتل الناس جميعا".
وقال قتادة: "أعظم الله أجرها، وعظم وزرها".
فقد كثر في هذه الأيام استخفاف بعض الناس وبعض الفصائل بالاعتداء على الآخرين.
فتسمع بين حين وآخر: اعتداء بالسلاح، وإصابة برئ لخلاف أو شجار، وسفك دم، وترويع آمن، وسلب مقرات وأموال وممتلكات.. وهذا لا يصدر من مؤمن، إلا عن طريق الخطأ، إذ لا يقتل إلا ضعيف إيمان، أو من سلب الإيمان.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً}. [النساء:92].
فالمؤمن لا يقتل عمداً ؛ لأن الإيمان يحجزه، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان قيَّدَ الفتكَ، لا يفتك مؤمن). رواه الإمام أحمد:1426 وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر: "لأن الإيمان شأنه منع صاحبه من كل ما حرم عليه إذا صاحَبَهُ التوفيق، فهو مقيد بالإيمان يردعه عن الكذب والفجور والآثام..".
وقال ابن الجوزي : "الفتك: أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله، والغيلة: أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي.
وما أكثر ما يحصل الفتك والغيلة اليوم بأناس أبرياء ليس لهم ذنب، بل قد يكونوا من أفاضل الناس وأكثرهم خدمة للأمة، وأكثرهم إثخاناً في العدو".
فهل من يفتك اليوم بإخوانه قد انسلخ من الإيمان؟!
هذا سؤال نوجهه لمن يعتدي اليوم على إخوانه المجاهدين بغير ذنب ولا خطيئة توجب ذلك.
لقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأن الدماء، حتى جعل دم المسلم أعظم من الدنيا بأسرها، فقال عليه الصلاة والسلام: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِم). رواه الترمذي: 1395 وغيره، وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام : (لنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا). رواه البخاري: 6862).
مِن أجل ذلك كانت الدماء أوّلَ ما يُقضى به بين الناسِ يومَ القيامة.
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ). رواه البخاري: 6533، ومسلم: 1678.
وقد تَبَرّأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن خَرَج على أمتّه يَضْرِبُ بَرَّها وفَاجِرَها ، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ). رواه مسلم: 1848.
وحرس الإسلام دماء المؤمنين، ومنع كل وسيلة تفضي إلى ذلك؛ فمنع العداوات والبغضاء والإحن ، وما يكون سببا للاعتداء .
ففي الحديث: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ ،وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ). رواه مسلم: 2616. وشدد السلف في شأن الدماء، حتى جعلوا سفك دم المسلم أعظم من  نقض الكعبة حجرا حجرا.
نظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال: (مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ). رواه الترمذي:2032، وقَالَ الألباني حسن صحيح.
ونَظَرَ ابنُ عباسٍ إلى الكَعبةِ فقال: "مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك، وَلَلْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سوءٍ". رواه ابنُ أبي شيبة: 27754.
وقال سَعيدُ بنُ مِينَاء: "إني لأطوفُ بالبيت مع عبدِ الله بن عمروٍ بعد حَريقِ البيت إذْ قال: أيْ سعيد! أعْظَمْتُم ما صُنِع بالبيت؟ قال: قلت: وما أعْظَمَ منه؟ قال: دمُ الْمُسْلِمِ يُسْفَكُ بِغِيرِ حَقِّه". رواه عبد الرزاق: 9186.
كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما : أن اكتب إلي بالعلم كله.
فكتب إليه : "إِنَّ العِلمَ كَثِيْرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيْصَ البَطنِ مِنْ أَمْوَالِهِم، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِم، لاَزمًا لأَمْرِ جَمَاعَتِهِم، فَافعَلْ".
4- يا جبهة فتح الشام أليس لكم في رسول الله أسوة؟
 إن الله تعالى تعبدنا بالوسائل كما تعبدنا بالغايات، فليس لك أن تسلك إلى الغاية التى شرعها الله لك إلا الطريق المعيَّنة التى جعلها الله وسيلة إليها، و للحكمة و السياسة الشرعية معان معتبرة، ولكن فى حدود هذه الوسائل المشروعة فقط.
عندما عرض المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك والرياسة على أن يترك دعوته كان من المتصور فى باب الحكمة و السياسة الشرعية أن يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بالزعامة و الملك على أن يجمع فى نفسه اتخاذ الملك و الزعامة وسيلة الى تحقيق دعوة الإسلام فيما بعد، خصوصاً وأن للسلطان والملك وازعاً قوياً فى النفوس، وحسبك أن أرباب الدعوات و المذاهب ينتهزون فرصة الإستيلاء على الحكم كى يستعينوا بسلطانه على فرض دعوتهم و مذاهبهم على الناس .ولكن النبى صلى الله عليه وسلم لم يرض مثل هذه السياسة و الوسيلة إلى دعوته، لأن ذلك ينافى مبادىء الدعوة نفسها.
لو جاز أن يكون مثل هذا الأسلوب نوعا من أنواع الحكمة و السياسة الرشيدة، لانمحى الفرق بين الصادق الصريح فى صدقه و الكاذب الذى يخادع فى كذبه ولتلاقى الصادقون فى دعوتهم مع الدجالين و المشعوذين على طريق واحدة عريضة إسمها: الحكمة و السياسة.
إن فلسفة هذا الدين تقوم على الصدق فى كل من الوسيلة و الغاية، فكما أن الغاية لا يقوّمها إلا الصدق وكلمة الحق، فكذلك الوسيلة لا ينبغى أن يخطّها إلا مبدأ الصدق و كلمة الحق.
يا جبهة فتح الشام:
إنَّ مما يُمدَحُ به العاقل: أن يتورّعَ عن الدماء، ولو كان مُقابِلَ أن يَحكمَ الدنيا كلِّها.
خَطب الحسنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما فقال: "إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَإِنَّ أَمْرَ اللهِ وَاقِعٌ وَإِنْ كَرِهَ النَّاسُ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ ألَي مِنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِنُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ يُهْرَاقُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ مُنْذُ عَلِمْت مَا يَنْفَعُنِي مِمَّا يَضُرُّنِي". رواه ابن أبي شيبة: 37358.
وقال الحسن : "لما كان من اختلاف الناس ما كان، أتوا عبد الله بن عمر فقالوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا ، وَابْنُ سَيِّدِنَا، اخْرُجْ يُبَايِعْكَ النَّاسُ، وَكُلُّهُمْ بِكَ رَاضٍ، فَقَالَ : لاَ وَاللَّهِ لاَ يُهْرَاقُ فِي سَبَبِي مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ مَا كَانَ فِيَّ رُوحٌ، ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ فَخَوَّفُوهُ فَقَالُوا: لَتخْرجَنَّ أَوْ لَتُقْتَلَنَّ عَلَى فِرَاشِكَ، فَقَالَ: مِثْلَهَا، فَأُطْمِعَ وَأُخِيفَ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا اسْتَقَلُّوا مِنْهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
ومَن كَفّ غضبه سَلِم ، ومَن أتْبَع نفسَه هواها نَدِم .
5- ملئ كف من دم حرام يغلق أبواب الجنة دون العبد.
جاء في الحديث: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يُصِيبَ دَمًا حَرَامًا، وَلا مِحْجَمَةً مِنْ دَمٍ حَرَامٍ - لا يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَهَا). رواه البيهقي في شُعب الإيمان: 5370.
وقال الحسن: "لما كان من اختلاف الناس ما كان، أتوا عبد الله بن عمر فقال :مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَحُولَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمٍ يُهْرِيقُهُ، كُلَّمَا تَقَدَّمَ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ". رواه الطبراني في الكبير: 1662.
وقال جُنْدُبُ رضي الله عنه : "مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ". رواه البخاري: 6733.
قال ابن حجر: "وهذا لو لَم يَرِد مُصَرَّحًا بِرَفْعِه لَكَانَ في حُكْمِ المرفوعِ، لأنه لا يُقال بالرأي، وهو وَعيدٌ شديد لِقَتْلِ المسلمِ بِغيرِ حَقّ".
ألا ما أعظم شأن الدماء، وما أعظم التشريعات التي شرعها الله لصيانته من السفك.
وهذا إذا كان الدم المسفوك حراماً، أي بغير حق.
أما القتل بحق فلا يدخل في هذه الأحاديث، بل إن الله أوجب قتل النفس إذا كان بحق، كما إذا كان قصاصاً من القاتل، أوقتالاً للخوارج، أو تصدياً للبغاة، أو رداً للصيال.
ولقد عقد الإمام مسلم في صحيحه باباً فقال: "بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَانَ الْقَاصِدُ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قُتِلَ كَانَ فِي النَّارِ، وَأَنَّ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
ثم ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ). متفق عليه.
وأخرج مسلم أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتِلْهُ) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: (فَأَنْتَ شَهِيدٌ)، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: (هُوَ فِي النَّارِ). مسلم/140
وإذا كان المال المعتدى عليه سلاحاً وخاصة في وقت الحروب كان الدفاع عنه أوجب ومن لم يدافع عن سلاحه فلا يحسن به حمله.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. [الحجرات:9].
6- انحباس المطر بسبب ذنوبنا.
إن نزول المطر رحمة من رحمات الله بعباده، فإذا ما انحبس فلشيء أحدثه الناس وعصوا به إلههم، فيمنعه الله تنبيهاً لهم عسى أن يرجعوا ويتضرعوا، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}. [الروم:41].
قال عطية في الآية: ولا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلكُ الحرث بمعاصيكم. 
وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتد الجدب وأمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية ابن آدم. 
وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنعنا القطر بذنوب بني آدم، فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له. 
 إن ذنوبنا ومعاصينا هي سبب تأخر رحمة الله بنا أيها الناس..
الذنوب والمعاصي بأنواعها وأصنافها, كبائر وصغائر، تبرج وسفور, وشرب للمخدرات, وأخذ للربا الحرام, وأكل لمال الأيتام, واستماع للأغاني, ومعاقرة للزواني, ومشاهدة للأفلام الخليعة, وحضور للحفلات والأعراس الماجنة الفظيعة, وغيبة ونميمة وبهتان, وكذب وزور في الأيمان, وعقوق للوالدين, ومماطلة بالدين, وشرب للدخان, وغيرها الكثير من المحرمات, المغضبة لرب البريات..
ومنع الزكاة على وجه الخصوص، قال عليه الصلاة والسلام: (لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا). المعجم الكبير للطبراني/ 13619 وصححه الألباني في صحيح الجامع/5024.
وانتشار الظلم الذي خيَّم بظلماته على الناس، لدرجة أن المظلوم لا يكاد يستطيع تحصيل حقه.
قال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). رواه مسلم:2577.
وإن الظالم يعود شؤم ذنبه وظلمه عليه وعلى غيره من الناس والدواب, فيهُلِك الحرث والنسل. 
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم ". 
أيها الناس لسنا بأغنياء عن رحمة الله، فلنتب إليه ونستغفره مما اقترفته أيدينا، لننعم برحمة الله ونزداد قوة نحن اليوم بحاجة إليها أكثر من ذي قبل، قال الله: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}. [هود:52].
 وقال أيضا: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}. [نوح:10-12].
 

http://shamkhotaba.org