بادر قبل أن يغادر
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 22 يونيو 2017 م
عدد الزيارات : 3233
مقدمة:
تمضي هذه الأيام والليالي سريعة ولا ندري أندركها مرة أخرى أم سنكون بين أطباق الثرى.
هل كُتبنا من المقبولين في هذا الشهر؟
هل أُعتقنا من النار؟
هل غفر الله لنا؟
هنيئا لمن أدركته مغفرة الله ورحمته، وما زال في الوقت متسع لمن قصر وأساء بأن يرجع ويؤوب.
1- بادر قبل أن يغادر
اعلموا أيها الصائمون أن من قصر في الأيام الأولى من رمضان وأحسن في أواخره أفضل ممن أحسن في أوائله وقصر في خواتمه، فالأعمال بالخواتيم كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر تكون في العشر الأخير.
بالأمس القريب كنا نستقبل رمضان، وها نحن نودِّعه وها هي أيامه ولياليه الأخيرة تمشي مسرعة تطوي علينا هذا الشهر المبارك، فإن لم تتعرض لرحمات الله في رمضان فأخبرني بالله عليك متى ستفعل، إن لم تتب إلى الله في رمضان فأخبرني بالله عليه متى ستفعل، إن لم تسكب العبرات في أسحار رمضان فبالله عليك متى ستفعل، إن لم تتغلب على نفسك وشهواتك حيث الشياطين ومردة الجن مقيدة فأخبرني بالله متى ستفعل.
تذكر أخي في الله أنك ما زلت في العشر المباركات العشر الأواخر من مضان تلك الأيام التي كان من شأن النبي عليه الصلاة والسلام فيها كما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله". صحيح البخاري: 2024.
و(شد مئزره) كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد لها زيادة عن المعتاد مما كان قبل ذلك.
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده". صحيح البخاري: 2026، صحيح مسلم: 1172.
شمر أخي في الله وجدّ في الطاعة فيما بقي من رمضان بالقدر الذي ينجيك من دعوة أمين الوحي جبريل عليه السلام وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم هو المؤَمِّنُ على دعوته، كما في الحديث قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقي عتبة قال: (آمين) ثم رقي عتبة أخرى فقال: (آمين) ثم رقي عتبة ثالثة فقال: (آمين) ثم قال: (أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين، قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله، قلت: آمين، فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل آمين فقلت: آمين). صحيح ابن حبان: 409، المعجم الكبير للطبراني: 649.
اعمل فيما بقي من رمضان لتغنم هدية في حر يوم القيامة مع من يغنم، قال الله تبارك وتعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]. 
قال مجاهد وغيره: "نزلت هذه الآية في الصائمين؛ وذلك أنَّه إذا كان يوم القيامة وبلَغ الناس من الكرب والغمِّ ما لا يعلَمُه إلا الله من العطَش والجوع والحرِّ قِيل للصائمين ذلك".
واحذر أخي في الله أشد الحذر وأنت على أبوب وداع رمضان أن تكون ممن حُرِمَ ليلة القدر، التي قال عنها المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كما في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم). سنن النسائي: (2106)، مسند أحمد بن حنبل: 7148.
وقال عنها النبي صلّى الله عليه وسلّم كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: (من قَامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه). صحيح البخاري: 1901.
فاحذر وانتبه فما زالت أمامنا فرصة اغتنام هذه الليلة من ليالي هذا الشهر المبارك الذي قد لا ندري أندركه مرة أخرى أم لا؟
وكأني برسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحثنا على اغتنام الفرص ومن ذلك ما بقي من رمضان وهو يقول كما في الحديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك). رواه النسائي في السنن الكبرى: 11832، والحاكم في المستدرك: 7846، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ورحم الله القائل حين قال:
وَأَصْبَحَ الغَافِلُ المِسْكِينُ مُنْكَسِرًا مِثْلِي، فَيَا وَيْحَهُ يَا عَظِيمَ مَا حُرِمَ
مَنْ فَاتَهُ الزَّرْعُ فِي وَقْتِ البِذَارِ فَمَا تَرَاهُ يَحْصُدُ إِلاَّ الهَمَّ وَالنَّدَمَ
طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ التَّقْوَى بِضَاعَتُهُ فِي شَهْرِهِ وَبِحَبْلِ اللهِ مُعْتَصِمَا
تذكر أخي الحبيب أنك لاسيما في موقفك هذا في وداع رمضان تذكر أنك مخاطَب بنداء رب الأرض والسماء {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148].
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. 
فأين المسارعون؟ كيف لا نسارع ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من رمضان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة). سنن الترمذي: 682.
قُلْ لِلَّذِي أَلفَ الذُّنُوبَ وَأَجْرَمَا وَغَدَا عَلَى زَلاَّتِهِ مُتَنَدِّمَا
لا تَيْأَسَنْ وَاطْلُبْ كَرِيمًا دَائِمًا يُولِي الجَمِيلَ تَفَضُّلاً وَتَكَرُّمَا
يَا مَعْشَرَ العَاصِينَ جُودٌ وَاسِعٌ مِنَ الإلَهِ لِمَنْ يَتُوب وَيَنْدَمَا
يَا أَيُّهَا العَبْدُ المِسيءُ إِلَى مَتَى تُفْني زَمَانَكَ فِي عَسَى وَلَرُبَّمَا
بَادِرْ إِلَى مَوْلاكَ يَا مَنْ عُمْرُهُ قَدْ ضَاعَ فِي عِصْيَانِهِ وَتَصَرَّمَا
2- زكاة الفطر طهرة للصائم وطعمة للمساكين
ومما شرعَ الله في خِتامِ شهرِكم زكاةَ الفطرِ قبْلَ صلاةِ العيدِ، وهيَ فريضةٌ على الكبيرِ والصغيرِ والذكرِ والأُنثى من المسلمينَ، عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين". سنن الترمذي: 676، وقال: حديث حسن صحيح.
وأما عن آخر موعد لأدائها فعن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات". سنن أبي داود: 1609، سنن ابن ماجه: 1827.
أي قبل صلاة العيد. 
3- وقلوبهم وجلة
أيها الناس: إن الله عز وجل امتدح صنفاً من عباده، قلوبهم وجلة خائفة مشفقة، من أي شيء يا ترى؟
هل لأنهم لم يعملوا صالحاً؟
هل لأنهم أسرفوا على أنفسهم؟
هل لأنهم قصروا في جنب الله؟
بل والله إنهم من العاملين العابدين، قدموا أعمالهم، واجتهدوا جهدهم، قاموا الليل، وصاموا النهار، واستغفروا بالأسحار، ولكنهم يخافون أن لا تقبل أعمالهم، لم يحملوا همَّ العمل بل حملوا همَّ القبول، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ: (لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَأحمد / 25263 وغيره
اللهم اجعلنا من المقبولين، ولا تجعلنا من المحرومين.
اللهم تقبَّل منَّا الصيام، والقيام، وتقبَّل منَّا سائر الأعمال، واجعلنا من عتقائك من النار، وأَعِد اللهم علينا رمضان مرات وكرات ونحن على طاعةٍ واستقامةٍ، والحمد لله ربَّ العالمين.
 

http://shamkhotaba.org