خطبة عيد الفطر 2017-2018 م
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 22 يونيو 2017 م
عدد الزيارات : 8455
مقدمة:
رمضان مدرسة تربوية ربانية، تُفتح أبوابها كل عام، فيدخلها جموع أبناء الأمة الإسلامية ممن عقد العزم وبيّت النية على التعرض لنفحاتها والاستفادة من ثمارها الروحية والأخلاقية والصحية، ونيل فضائلها الدنيوية والأخروية.
1- الافتتاحية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، الحمد لله الذي سهّل لعباده طريق العبادة ويسّر، وأشكره سبحانه وحق له أن يُشكر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ذو الوجه الأزهر.
 أما بعد: عباد الله فإن يومكم هذا يوم شريف فضلّه جل وعلا وشرّفه وجعله عيداً سعيداً لأهل طاعته، يفرح به المؤمنون لأن الله وفقهم لإكمال الصيام وأعانهم على صنوف العبادات في شهر رمضان {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة البقرة: 185].
2- معاني العيد
والعيد يا عباد الله معناه؛ العودة إلى الله، ثم العودة إلى كتابه ثم العودة إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
العيد يا عباد الله ليس بصف الموائد الشهية، ولا بركوب المراكب الوطية ولا بسكنى الدور البهية.
العيد لمن خاف يوم الوعيد، ولمن استعد للعرض على العزيز المجيد، العيد لمن اتقى الله سبحانه وعمل من الخير المزيد.
العيد لمن استعرض صحيفته فاستغفر من السيئات، وسأل الله التوفيق للأعمال الصالحات.
العيد لمن وصل ما بينه وبين الله، وما بينه وبين العباد، العيد لمن عمر بيته بالقرآن، وكان سلوكه فيما يرضي الرحيم الرحمن.
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك      لا أنت تجر به مستكبراً حُلَلَكْ
كم من جديدِ ثيابٍ دينُه خَلِق     تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مُرَقَّعِ الأطمار ذي ورع     بكت عليه السماء والأرض حين هلك
‌أ. العودة إلى الله والرجوع إليه سبحانه:
أيها المؤمنون: من معاني العيد أنه عودةٌ إلى الله ورجوع إليه سبحانه، واعتصامًا بحبله المتين، واستمساكًا بشرعه القويم؛ وذلك كفيل أن يكشِف الله عن المسلمين ما هم فيه من الغم والهم والظلم، ولتعود لهم العزةُ والسيادة والأمن والتمكين، وليفوزوا بعد ذلك بالجنة ورِضوان الله، وذلك الفوزُ العظيم، وهذه العودة ينبغي أن تكون فراراً إليه سبحانه {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].
واعلموا أن الله يفرح بهذه العودة فرحاً ثبت في الصحيحِ وصفُها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح) صحيح مسلم2747.
‌ب. بالعودة لأخلاق رمضان بعده والاستفادة من دروس مدرسته الإيمانية:
عباد الله: وكما تعلمون فإن رمضان مدرسة تربوية ربانية، تُفتح أبوابها كل عام، فيدخلها جموع أبناء الأمة الإسلامية بهدف جني ثمارها الروحية والأخلاقية، ونيل فضائلها الدنيوية والأخروية.
شروط الالتحاق بالمدرسة الرمضانية:                                                                  
يشترط لولوج مدرسة رمضان جملة شروط تضمنها القانون الأساسي لهذه المدرسة، وهي: الإسلام، البلوغ، العقل، الاستطاعة البدنية، من حيث خلو الجسم من الأمراض المزمنة وغير المزمنة والطهارة من الحيض والنفاس إضافة إلى الإقامة…
مدة التربية في هذه المدرسة:
يستغرق التكوين والتربية في هذه المدرسة الجليلة مدة محدودة ومعدودة، وهي مدة شهر قمري كامل، لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما ولا يزيد عن ثلاثين يوما.  يقول الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185].
مواد التربية في المدرسة الرمضانية:
يتربى المسلم في المدرسة الرمضانية خلال شهر كامل، على جملة من المواد والبرامج التربوية، نكتفي بذكر أهمها فيما يلي:
مادة القرآن الكريم: فرمضان شهر القرآن، فيه أنزل القرآن الكريم وفيه كان السلف يختمون القرآن الكريم ختمات متعددة.
مادة الإخلاص والتقوى: حيث يتربى المسلم على مراقبة الله في السر والعلن، فهو يمتنع عن شهواته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طاعة لله تعالى وخوفا منه سبحانه.
مادة الصبر: فإن المسلم يتدرب في مدرسة رمضان على تقوية الإرادة وشحذ الهمة، بالصبر والتصبر على الجوع والعطش.
مادة الجود والكرم: إن الجود خلق يزين العبد ويمهد له الطريق إلى محبة الخالق والمخلوق، فيكون قريبا من الله قريبا من الناس.
جوائز ربانية للمجتهدين الناجحين في مدرسة رمضان:
إنها جوائز: الرحمة، والمغفرة، وكفارة الذنوب، والنجاة من النار والفوز بالجنة، كما أعلن عنها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) صحيح مسلم/ كتاب التراويح 175
حفل الاختتام:
وبعد موسم إيماني حافل بالجد والاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات، يأتي يومكم هذا الذي جعله ربنا عيدا يلبس فيه المسلمون أحسن الثياب، ويخرج فيه الرجال والنساء والصبيان إلى المصلى تلهج ألسنتهم بالتكبير والدعاء، ويتزاور فيه الأحباب، ويتصالح فيه الخصوم وتُنسى الأحقاد، وتذوب الفروق بين الناس… إنه عيد الفطر الذي خصنا الله به نحن المسلمين دون غيرنا من الأمم. فبشرى للناجحين في مدرسة رمضان، وعلامة النجاح...هي المداومة على الأخلاق التي تربى عليها المسلم في هذه المدرسة فيما بعد رمضان.
‌ج. العودة بثورتنا لسيرتها الأولى (موحدة-خالصة-طاهرة):
ومن معاني العيد في ثورتنا المباركة أن نعيدها سيرتها الأولى، حيث كانت خالصةً لله سبحانه لا شائبة فيها لفخر أو سمعة، أو تعصب لفصيل.
وإن الله لا يقبل من العمل ما لم يكن له خالصاً {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [سورة البينة: 5].  
ثورةً موحدةَ الحشود والأهداف كما كانت واضحةً وضوح الشمس في كبد السماء، فلا نزاعات ولا بغضاء ولا شتات، ولا يزال الوحي فينا منادياً {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [النساء: 103].
ثورةً طاهرةً نقيةً لا إملاءات فيها ولا خضوع إلا لما يرضي الله عز وجل وليكن نداؤنا فيها {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولى} [طه:21].
 
الخطبة الثانية:
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر
الله أكبر.. 
الله أكبر.. كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر كلما لمع نجم ولاح، الله أكبر كلما تضوع مسك وفاح، الله أكبر كلما غرد حمام وناح.
الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب، الله أكبر كلما رجع عبدٌ وأناب.
الحمد لله معيد الجمع والأعياد وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد وسلم تسليماً كثيرا. 
3- وصايا العيد
سنن يوم العيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
"كان من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا العيد أنه كان يؤخر صلاة عيد الفطر، وكان يأكل تمرات كما أخبر أنس عنه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: يأكلهن وتراً". صحيح البخاري 953
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج لابساً أحسن ملابسه، متطيباً بالمسك، يمشي بسكينة ووقـار، يكبر ربـه تبارك وتعالى.
وكان عليه الصلاة والسلام يخرج للعيد من طريق ويعود من طريق آخر.
قال جابر بن عبد الله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق". البخاري/ 986
وذكر العلماء لذلك حكماً جليلة، منها أنك تمر على أكبر عدد من المسلمين فتسلم عليهم، ومنها قضاء حوائج من له حاجة من المسلمين، ومنها أن يشهد لك الحفظة والملائكة الذين يقفون على الطرق.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من الصلاة، وقف على راحلته مستقبلاً الناس، وهم صفوف جلوس، فخطبهم بخطبة جليلة، يبين فيها أحكام الدين الحنيف، ويأمر المسلمين بالصدقة، ثم يتوجه إلى النساء فيخطُبُهن، ويذكرهنّ.
إظهار شعائر العيد بالرغم من الجراح:
ولتعلموا يا عباد الله أن إظهار الفرحة من شعائر هذا اليوم العظيم، وكيف لا ... وحق لكم أن تفرحوا ورسولكم صلى الله عليه وسلم قال: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّه).
ففرحنا اليوم بما وفقنا الله من إكمال صيام الشهر، وغداً نفرح الفرح الأكبر برضا الرحمن عندما ندخل من باب الريان إن شاء الله –حسن ظنٍ بربنا سبحانه وتعالى-.     
عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) أخرجه البخاري في كتاب الصوم رقم 1896
نفرح عندما يقول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة في الجنة: (يَا أهلَ الجنةِ فيقولونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق 6094
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
صلة الرحم وإدخال السرور على قلوب الأهل ومن استطعت من المسلمين:
ولنعلم عباد الله أن هذا العيد هو فرصة لصلة الرحم، فرصة للتزاور، لإعادة العلاقات، كل واحد عنده علاقة انقطعت مع قريب أو صديق أو مسلم فليتخذ من هذا اليوم فرصة للصلة والعودة ولنتذكر أن قاطع الرحم ملعون، لعنه الله في كتابه، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما خلق الله الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك) صحيح، أخرجه مسلم: كتاب صلاة العيدين – باب ما يقرأه في صلاة العيدين (891) من حديث أبي واقد الليثي.
ولنسعى جهدنا بإدخال السرور على أرحامنا وأقاربنا ومن استطعنا من المسلمين فإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تنفس له كربة). صحيح الجامع 5773
صيام الست من شوال:
ثم أعلموا أن نبيكم ندبكم لصيام ستة أيام من شوال، أخرج مسلم رحمه الله في صحيحه عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) صحيح مسلم 1164
فبادروا إلى فعل الطاعات وتسابقوا إلى الخيرات وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
نسأل الله العظيم أن يجبر خواطر المسلمين أجمعين، وأن يتقبل أعمالنا وأعمالهم، وأن يجعلنا في هذا اليوم من أهل الجائزة المغفور لهم ذنبهم، وأن يتقبل شهداءنا وينصرنا على عدونا نصراً مؤزراً قريباً إنه سميع مجيب.
 

http://shamkhotaba.org