مقدمة:
إن الثبات على دين الله خلقٌ عظيم، ومعنىً جميل، له في نفس الإنسان الثابت وفيمن حوله من الناس مؤثرات مهمة تفعل فعلها، وتترك أثرها، وفيه جوانب من الأهمية الفائقة في تربية الفرد والمجتمع وخاصة في عصور المحن والفتن.
إن صفة الثبات على الإسلام والاستمرار على منهج الحق نعمة عظيمة يمنحها الله لصفوة خلقه، وامتن عليهم بها، فقال مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: {وَلَولا أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَّ تَركَنُ إلَيهِم شَيئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74].
1- المقصود بالثبات
إن الثبات يعني الاستقامة على الهدى، والتمسك بالتقى، وحمل النفس على سلوك طريق الحق والخير، والبعد عن الذنوب والمعاصي، وهو أيضاً الالتزام بالمبادئ والقيم، والمداومة في سلوك طريق الخيرات... ولو كان قول الحق فضيلة عظيمة -ولا شك- فإن الثبات عليه من أجلّ الفضائل، وهو من نعم الله سبحانه على عباده الثابتين.
قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ثَوْبَانَ رضي الله عنه: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
فهذه الطائفة لا تعبأ بالمتخاذلين ولا المخذّلين، ولا يعنيها أن يقف الواقفون، ما داموا هم في كفة الحق ملازمين له.
وهذا الثبات فضل من الله لعباده المؤمنين، حرامٌ على الظالمين، قال سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الـحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللَّهُ الظَّالِـمِينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
قال قتادة: "أما في الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة (في القبر)"
وقال سبحانه: {وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَّهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا} [النساء: 66].
أي على الحق.
2- مواطن الثبات
ولو علمنا أن الثبات على الحق فضل من الله سبحانه وتعالى ومنّة عظيمة يمتنّ بها على عباده المصطفين كما قال سبحانه: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74].
فلنعلم أن هذا الفضل يتجلى في مواطن عديدةٍ أهمها:
الثبات على الطاعات: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة)
وفي الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)
وفي صحيح مسلم عن عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: (أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)
الثبات على الحق زمن الفتن: وما أكثرها هذه الأيام -اقتتال البعض، تكالب الأعداء، فتاوى رخيصة، اتباع البعض للهوى وسلطان الشهوات- فيكون الثبات في هذه الظروف على أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم، ووفق إجماع أهل العلم الثقات في هذه النوازل، فمن اتقى ربه نجا، ومن لم يتقه هوى.
روى مسلم وأحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) أَسْوَدُ مُرْبَادٌّ؟: «شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ»، الْكُوزُ مُجَخِّيًا أي «مَنْكُوسًا».
الثبات أمام فتن الاضطهاد والطغيان والظلم: وفي سورة البروج أروع الأمثلة في الثبات الجماعي على الحق، قال سبحانه وتعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: 4-9].
وما أعظم ثورة أهل الشام اليوم، التي قامت في وجه ذلك الظالم الأشر، وإذا بها تتحول لاحقاً ثورةً في وجه ظلمةٍ كُثر، فما زادها ذلك إلا ألقاً، وما زاد أهلها إلا إيماناً بحقوقهم وثباتاً على مبادئهم.
الثبات عند ملاقاة العدو: قال ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
روى البخاري من حديث البراء بن عازب: كان النبي ينقل التراب يوما للخندق حتى أغمر أو اغبر بطنه يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينـا إذا أردوا فـتنة أبينـا
3- صورة ناصعة في الثبات من تاريخنا الإسلامي
في تاريخنا الإسلامي العديد من النماذج الفذّة التي ضربت أروع أمثلة الثبات على الحق بعد أن أضحى الحقّ جزءاً من كيانها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد روى ابن كثير وغيره أن عمر بن الخطاب بعث جيشاً لحرب الروم وكان من بينهم شاب من الصحابة هو عبد الله بن حذافة بين المسلمين والروم وعجب قيصر من ثبات المؤمنين وجرأتهم على الموت، فأمر بأن يحضر بين يديه أسير من المسلمين فجاءوا بعبدالله بن حذافة يجرونه والأغلال في يديه وفي قدميه فتحدث معه قيصر فأعجب بذكائه وفطنته، فقال له: تَنَصّر وأنا أطلقك من الأسر! -يدعوه إلى ترك الإسلام واعتناق النصرانية- قال عبد الله: لا، قال له: تنصّر وأعطيك نصف ملكي! فقال: لا، فقال قيصر: تنصّر وأعطيك نصف ملكي وأشركك في الحكم معي، فقال عبد الله رضي الله عنه: لا، والله لو أعطيتني ملكك وملك آباءك وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت فغضب قيصر، وقال: إذاً أقتلك! فقال: اقتلني فأمر به فسحب وعلق على خشبة وأمر الرماة أن يرموا السهام حوله وقيصر يعرض عليه النصرانية وهو يأبى وينتظر الموت فلما رأى قيصر إصراره أمر بأن يمضوا به إلى الحبس وأن يمنعوا عنه الطعام والشراب فمنوعهما عنه حتى كاد أن يموت من الظمأ ومن الجوع فأحضروا له خمرا ولحم خنزير فلما رآهما عبد الله، قال: والله إني لأعلم أني لمضطر وإن ذلك يحل لي في ديني، ولكن لا أريد أن يشمت بي الكفار، فلم يقرب الطعام، فأخبر قيصر بذلك، فأمر له بطعام حسن، فلما يأس منه قيصر أمر بقدر من نحاس ثم أغلى الزيت وأوقف عبدالله أمام القدر وأحضر أحد الأسرى المسلمين، موثقاً بالقيود والقوة في هذا الزيت ومات وطفت عظامه تتقلب فوق الزيت وعبد الله ينظر إلى العظام فالتفت إليه قيصر وعرض عليه النصرانية فأبى فاشتد غضب قيصر وأمر به أن يطرح في القدر فلما جروه وشعر بحرارة النار بكى!! ودمعت عيناه!! ففرح قيصر فقال له: تتنصر وأعطيك وأمنحك، قال: لا، قال: ما الذي أبكاك!؟ فقال: أبكي والله لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القدر ولقد وددت لو كان لي بعدد شعر رأسي نفوس كلها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة فقال له قيصر بعد أن يأس منه: قبل رأسي وأخلي عنك فقال عبد الله: وعن جميع أسرى المسلمين عندك، فقال أجل فقبل عبد الله رأسه ثم أطلق مع باقي الأسرى ...
4- وسائل ناجعة توصل للثبات
الإيمان بالله سبحانه وتعالى واستحضار عظمته: الذي بيده مقاليد كل شيء قال الله جل وعلا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
ويقول سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
جاء في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟)
فهو سبحانه وحده الحاكم في هذا الكون ولا يستطيع غيره مهما بلغ من القوة والبطش أن ينفذ فيك إلا ما كتبه سبحانه، هذا الشعور وهذا اليقين يجعل من المسلم شخصاً فريداً في قول الحق، شجاعاً في الثبات عليه.
الالتزام بتعاليم الإسلام: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 66-68].
وينبغي لمن رزقه الله الطاعة الاستمرار عليها ولو قلّت فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: (أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ)
وعلى رأس هذه المأمورات والطاعات قراءة القرآن الكريم الذي نزل تثبيتاً للأفئدة على الحق: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32-33].
تدبر قصص الأنبياء والصالحين: ولا يخفى على عاقل متدير أثر قصص الثابتين على الحق في القلوب، وأن الله سبحانه قصّ على رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده في ثلث كتابه العظيم قصصاً مثبتةً للفؤاد، وموعظة بالغة، قال سبحانه وتعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
ومن ذلك ثبات إبراهيم عليه السلام {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 68-70].
ومن ذلك ثبات موسى عليه السلام {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61-62].
وثبات سحرة فرعون {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىْ} [طه: 71].
فكان جوابهم مثالاً في الثبات {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72].
الدعاء وسؤال الله الثبات: فلو علمنا أن رسولنا المعصوم صلى الله عليه وسلم كان يكثر من دعاء الثبات على الحق والدين، فكيف بنا نحن؟!
روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)
وقال تعالى في كتابه الحكيم أن المؤمنين يدعوه فيقولوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
الإكثار من ذكر الموت: فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ)
وما ذلك إلا أن كثرة ذكر الموت يزهّد الإنسان في ملذات وأهوال هذه الدنيا، فيطمئنَ قلبه، ويثبت فؤاده، فالدنيا وضيعة لا يملك المؤمن إلا أن يكون فيها مع الحق وفي صفّه ثابتاً عليه.
اللهم إنا نسألك العزيمة على الرشد والثبات على الحق والهمة في أبواب الخير كلها مولانا رب العالمين.
والحمد له رب العالمين
http://shamkhotaba.org