المواساة
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 15 نوفمبر 2017 م
عدد الزيارات : 5398
مقدمة:
صنائع المعروف من علامة الإيمان وعلو الهمة وعنوان الشهامة والمروءة وإنها تقي صاحبها مصارع السوء وتحفظه من المحن والبلايا فاصنعوا المعروف ما استطعتم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
1- رسالة لكل محزون
تمر أمتنا الإسلامية في هذا الزمن بساعات عصيبة ومحن عظيمة ونوازل شديدة ونكبات متلاحقة فلقد تغير حالها وتبدل واقعها.
لقد غدت أمة الأمجاد أمة ضعف وإخلاد، فأضحت فرقا مبعثرة، وأمما متناحرة، فلا تكاد تخرج من نكبة إلا وتصعق بأخرى، وما اغتصاب الأرض وسلب الحقوق وإراقة الدماء في بلدنا وسائر البلاد المنكوبة إلا أكبر شاهد وأبرز عنوان، أمة نسيت خالقها فأنساها الله ذاتها إلا من رحم ربي. 
إن من تفكر في سنة الله عز وجل التي أقامها في هذه الدنيا ليتبين له بجلاء ووضوح أن الله سبحانه وتعالى خلق هذه الدنيا وطبيعتها الشدة والضنك، فيها الكدر والتعب، والكدح والنصب، قال سبحانه مخبراً عن حقيقة خلقة الإنسان: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4].
يكابد ما في هذه الدنيا من النصب والشدة، تعتريه الهموم والأحزان والغموم، وبخلاف ذلك تماما تميزت الجنة عن الدنيا فليس فيها هم ولا غم، وعلى الرغم مما ذكر الله للجنة من الصفات العظيمة الشريفة قال عن أهلها: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48].
وقال عنهم: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34].
وهذا من حكمة الله البالغة أن جعل في الدنيا هذا الكدح والتعب والنصب، وفيها زينة ومتاع، لكن متعتها مخلوطة بهذه الغموم والهموم والأحزان.
فتأمل يا عبد الله لو لم يكن في الدنيا هذا الهم والغم، وهذا النصب والمرض والتعب، كيف سيكون التعلق بها؟
ولذلك فإن من رحمة الله أن جعل فيها هذه الشدائد، حتى يذكر العباد أن هنالك داراً أخرى ليس فيها هذه الشدائد، ليس فيها هموم ولا غموم.
قيل للإمام أحمد رحمه الله: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: "عند أول قدم يضعها في الجنة".
إن الإسلام هو دين الرحمة والمواساة مع جميع الناس على اختلاف عقائدهم وجنسياتهم، ومبادئ الإسلام الربانية المباركة، تسمو على كل المبادئ والقيم التي وضعها الناس من عند أنفسهم؛ لأن الدين الإسلامي تشريع من لدن حكيمٍ عليمٍ، يهدف إلى إصلاح أمور الناس في الدنيا والآخرة، وهذا ظاهر لكل من تأمل أحكام الشريعة الإسلامية المباركة التي تفي بمصالح الناس في كل زمانٍ ومكانٍ.
2- مواساة المحتاجين وصية رب العالمين
قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
 قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البِرُّ، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل". تفسير ابن كثير 2 / 12
قال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يعني: حاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك". تفسير ابن كثير 8 / 70
قال جل شأنه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9].
3- حث النبي صلى الله عليه وسلم على المواساة
روى مسلم أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. مسلم /1728
هذه الجملة الأخيرة ضع تحتها ألف خط وتفكر فيها: حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.
عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) البخاري/2486 – مسلم/2500
هكذا فلتكون المواساة والمودة والرحمة.
روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك بين أصابعه. البخاري/ 2446 مسلم/2585
قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعضٍ، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثمٍ ولا مكروهٍ". مسلم بشرح النووي 16 /139
قال ابن حجر رحمه الله: "قوله: (شبك بين أصابعه) هو بيان لوجه التشبيه أيضًا، أي: يشد بعضهم بعضًا مثل هذا الشد، ويستفاد منه أن الذي يريد المبالغة في بيان أقواله يمثلها بحركاته؛ ليكون أوقع في نفس السامع". فتح الباري 10/ 450
روى الشيخان عن النعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). البخاري/ 6011 - مسلم/ 2586
قال ابن أبي جمرة رحمه الله: "الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف: فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان لا بسبب شيءٍ آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا كما يعطف الثوب عليه ليقويه".
روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلِمه ولا يُسلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة). البخاري/ 2442 - مسلم/ 2580
أمن الرحمة أن تكون في رغد من العيش وسعة من الرزق ومن أخنى عليهم الزمان في شدة من الضيق وألم من الإعسار؟!!
أمن المروءة أن تتمتع بأصناف الغذاء وإخوانك المسلمون في الغوطة وغيرها يتألمون من الجوع في الصباح والمساء؟!!
أمن المروءة أن تتمتع بملابس الزينة وإخوانك المسلمون يقتلهم برد الشتاء؟!!
إن الغني الذي لا يحس بأن عليه للبؤساء والفقراء حقوقا وواجبات لقاسي القلب، خال من الشفقة، بعيد من رحمة الله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
ونبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة في المواساة، قال الله تعالى في وصف مواساة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
روى مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا ناسًا فقراء، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرةً: (من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالثٍ، ومن كان عنده طعام أربعةٍ، فليذهب بخامسٍ، بسادسٍ)، وإن أبا بكرٍ جاء بثلاثةٍ، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرةٍ. مسلم/ 2057
روى الطبراني عن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء (فقراء) المسلمين، ويزورهم، ويعُود مرضاهم، ويشهد جنائزهم". صحيح الجامع/ 4877
ولقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه معنى المواساة والإيثار فضربوا أروع الأمثلة في ذلك وخير مثال شاهد على هذا تلك المواساة التي قام بها الأنصار للمهاجرين رضي الله عنهم جميعا ويشهد لهم قول الله جل جلاله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
4- أنواع المواساة وثمراتها
أنواع المواساة:
قال ابن القيم رحمه الله: المواساة للمؤمنين أنواع، وهي:
أ‌- مواساة بالمال.
ب‌- مواساة بالجاه.
ت‌- مواساة بالبدن والخدمة.
ث‌- مواساة بالنصيحة والإرشاد.
ج‌- مواساة بالدعاء والاستغفار لهم.
ح‌- مواساة بالتوجع لهم.
وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعُف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قَوِيَ قويت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله.
المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه المسلم في المال أو الخدمة أو النصيحة أو غير ذلك، ولكن المواساة تعني أيضًا مشاركة المسلم لأخيه في مشاعره، خاصة في أوقات حزنه، وعند تعرضه لما يعكر عليه حياته، وهنا فإن إدخال السرور على المسلم وتطييب خاطره بالكلمة الطيبة، أو المشاركة الوجدانية هو من أعظم المواساة، وأجل أنواعها، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يواسي أصحابه في جميع أحوالهم.
ثمرات المواساة:
إن لخلق المواساة ثمار طيبة يانعة ولعل من أهمها أن المواساة تكسب المسلم حب الله تعالى، ثم حب الناس.
وتنشر المحبة وتقوي العلاقات بين المسلمين، كما تُذهِب الحسد، وتميت الأحقاد من قلوب الناس.
عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أحسن عليها الثناء، فقلت: ما تذكر منها وقد أبدلك الله بها خيرا؟، قال: (ما أبدلني الله بها خيرا منها، صدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها). الطبراني 23/13
لقد رزق النبي صلى الله عليه وسلم حب خديجة، وأحد أسباب ذلك مواساتها له وقت الشدة..
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: (أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ)، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا). مسلم/2435
وخديجة أيضاً تثني على رسول الله وتثبته وتبين له فضلة مواساته للناس، فقد شكى لها خوفه من الوحي حين أتاه فقال: (قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)، فَقَالَتْ لَهُ: "كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ". البخاري/6982 ومسلم/160
5- صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الحصار والجوع
بعد الجوع سيأتي الشبع، وبعد الظمأ يأتي الري، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد السجن والحصار حرية بإذن الله، فلسوف يصل الغائب ويفك العاني وينقشع الظلام، فيا أيها المؤمن كلما رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع فمع الدمعة بسمة ومع الخوف أمن ومع الفزع سكينة وكله بأمر الله وتقديره فسلم إليه واعبده وتوكل عليه، فصبراً يا أهل الغوطة، يا سكان فسطاط المسلمين يوم الملحمة، قال تعالى:  {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120].
لقد أصاب رسول الله وأصحابه يوم الشعب ما أصابكم فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله،
عن قيس قال: سمعت سعد رضي الله عنه يقول: "إني لأول العرب رمى بسهمٍ في سبيل الله، وكنا نغزو مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضعُ كما يضعُ البعيرُ أو الشاةُ ما له خِلْطٌ _ أي لا يختلطُ بعضه ببعضٍ من شدة جفافه_". البخاري /3728
ويروي لنا  سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه معاناته من شدة الجوع -وكان أحد المحاصرين بالشِّعْبِ-، فيقول: "كُنَّا قَوْمًا يُصِيبُنَا ظَلَفُ الْعَيْشِ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشِدَّتُهُ، فَلَمَّا أَصَابَنَا الْبَلَاءُ اعْتَرَفْنَا لِذَلِكَ وَمَرَنَّا عَلَيْهِ وَصَبَرْنَا لَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَرَجْتُ مِنَ اللَّيْلِ أَبُولُ، وَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ بِقَعْقَعَةِ شَيْءٍ تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا قِطْعَةُ جِلْدِ بَعِيرٍ، فَأَخَذْتُهَا فَغَسَلْتُهَا ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، ثُمَّ اسْتَفَفْتُهَا وَشَرِبْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَقَوِيتُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا". حلية الأولياء 1 /93
وقد صبروا على البرد كذلك، يحدثنا أنس رضي الله عنه فيما يرويه البخاري عما حصل معهم في غزوة الخندق، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ، فلم يكن لهم عبيدٌ يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصبِ والجوع قال:    
اللهم إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة           فاغفرْ للأنصارِ والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:       
نحنُ الذين بايــــــعوا محمــــــداً           على الجهادِ ما بقينا أبداً البخاري/ كتاب المغازي، 4099 – مسلم / كتاب الجهاد، 4676 
بايعوه على الجهادِ ما دامت بهم حياة، ولم يتركوا الجهادَ لأنهم أصبحوا في قلةٍ من العيشِ.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الخندق يربِطُ على بطنِه الحجرَ والحجرينِ من شدةِ الجوعِ.
لقد جاعَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وجلُّ الصحابةِ فصبروا حتى أتاهم الفرج.
 

http://shamkhotaba.org