الطريق إلى القدس
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 14 ديسمبر 2017 م
عدد الزيارات : 2803
مقدمة: 
إن استرداد فلسطين والمسجد الأقصى من أيدي اليهود الغاصبين لن يكون في يوم وليلة، ولن يكون عبر أمنيات وخطابات وشعارات ما تتوج ببرنامج عمل وخطة واضحة يُسار عليها.
إن استرداد القدس لن يكون بجيل آثر الدنيا على الآخرة، وكل همه أن يأخذ لا أن يعطي، بل بجيل عرف الله حق المعرفة، وتعلق قلبه بالله أيما تعلق.
{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
إن تحرير القدس وفلسطين يكون بأيدي رجال نذروا أنفسهم وأموالهم لله، وباعوا الحياة الدنيا واشتروا الآخرة، يأكل منهم مبدؤُهم ولا يأكلون من مبدأهم، ثابتون رغم المحن، عرفوا سنن الله في خلقه وفي كونه، وقد قرأنا عنهم في التأريخ ورأينا منهم في ثورتنا المباركة.
1- مكانة القدس
إن لمدينة القدس أهمية تاريخية وسياسية فائقة ليس على مستوى العالم الإسلامي فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، أما عن أهميتها ومكانتها الدينية والسياسية والتاريخية فهي تتمثل بأهم المحطات التاريخية الآتية:
أولا: القدس عند المسلمين ليست مجرد عاصمة لدولة من الدول الإسلامية، بل هي أعظم من ذلك؛ فهي بمثابة الحاضرة الرئيسة للعالم الإسلامي، وهي الصخرة التي تتحطم عليها الأخطار التي تهدد الحضارة الإسلامية، فعلى أرضها هُزم الصليبيون في حطين في25 ربيع الآخر 583هـ / الموافق 4تموز 1187م، وهزم المغول في معركة عين جالوت في 25 رمضان 658هـ /الموافق 3 أيلول 1260م، وسيهزم ويقتل المسيح الدجال وأتباعه من يهود أصفهان.
وهي أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم نحو ما يزيد عن ستة عشر شهرا بإمامة النبي صلى الله عليه وسلم.
و فيها ثالث الحرمين الشريفين الذي تشد إليه الرحال معهما ولا تشد لغيرها فقال عليه الصلاة والسلام: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) متفق عليه
وكذلك فيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هنا يرتبط ذلك المكان بعقيدة كل مسلم، وقد سجل الله تعالى هذا في كتابه العزيز فقال عز من قائل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وقبل ذلك هي مهبط الأنبياء والرسل ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده، وهذا نابع من احترام الإسلام والمسلمين للشرائع السماوية السابقة وأنبيائها ورسلها.
وأما ما يخص المعالم الإسلامية ففي القدس توجد أبرز معالم الحضارة الإسلامية التي تركت بصمات لا تنسى فيها ومازالت ماثلة أمام التاريخ، كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة والجامع العمري وحائط البراق الذي أوقف النبي صلى الله عليه وسلم براقه عنده ليلة الإسراء والمعراج، وفي القدس مقابر تضم في ثراها أعدادا كثيرة من الشهداء وأبطال المسلمين من عهد صلاح الدين الأيوبي ومن قبله ومن بعده، وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية التي اهتمت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية والإسلامية وغيرها من العلوم، فهي عربية إسلامية من أول عهدها إلى يوم القيامة.
وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالقدس ما لم يحفلْ بمكانٍ آخر بعد المسجد الحرام. 
وقد ربط الله المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في كتابه، فعقيدتنا بالمسجد الأقصى ثابتة ثبوتها في المسجد الحرام.
ثانيا: رحلة الإسراء والمعراج: والتي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، وصلاته وإمامته بكافة الأنبياء في المسجد الأقصى، وفلسطين أرض الأنبياء ولا يقدم على الرجل في الإمامة أحد في سلطانه، فسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أمَّ بكافة الأنبياء في بيت المقدس، ومعراجه كان منها إلى السماوات العلى، كل ذلك كان إعلانًا عن انتقال قيادة وإمامة البشرية من بني إسرائيل الذين كان منهم الأنبياء والملوك إلى الأمة المحمدية.
ثالثا: فتح بيت المقدس: وكان ذلك بعد معارك عديدة مثل مؤتة وأجنادين واليرموك التي هزم فيها الروم شر هزيمة، حيث كان فتح بيت المقدس على يد فاروق الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في 15هـ /636 م، وهي المدينة الوحيدة التي فتحها خليفة من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم جميعا، حيث فتحت سلمًا لا حربًا، ولم تكن آنذاك تحت حكم يهود، بل كانت تحت حكم الروم النصارى، ومنذ ذلك الحين أصبحت القدس وفلسطين إسلامية ودخل أهلها في دين التوحيد.
رابعا: العديد من الصحابة رضي الله عنهم شدوا الرحال إلى بيت المقدس، وأقاموا فيها، وشهدوا فتحها مع الفاروق مثل أبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وبلال بن رباح وأبو هريرة وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري، ومعاوية بن أبي سفيان الذي بويع له بالخلافة في بيت المقدس وسميت بيعة أهل الشام كما قال الليث بن سعد فقيه مصر، بل إن بعض الصحابة رضي الله عنهم ماتوا في بيت المقدس ودفنوا فيها مثل عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما، وكلاهما مدفون في مقبرة الرحمة الإسلامية شرقي سور المسجد الأقصى.
خامساً: تعرض بيت المقدس بعد ذلك للاحتلال الصليبي النصراني في عام 493هـ/ 1099 م  حيث ارتكب أبشع المذابح التي راح ضحيتها أكثر من سبعين ألفا من المسلمين في بيت المقدس، وبعد 88عاما من الاحتلال الصليبي حرَّرها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد معركة حطين في عام 583هـ /  1187م ، وكان فتح بيت المقدس في 27رجب 583هـ / الموافق 2 تشرين الأول1187م، واستمرت بعد ذلك تحت راية التوحيد، وواصلت القدس دورها الحضاري للعالم الإسلامي خاصة وللبشرية جمعاء.
أما في التاريخ المعاصر فقد تعرضت القدس للاحتلال البريطاني الصليبي في25صفر 1336 هـ / 9 ديسمبر1917م حين احتلها الجنرال البريطاني "أدموند أللنبي" وقال مقولته الشهيرة "اليوم تنتهي الحروب الصليبية"، وبدأ منذ ذلك الوقت المشروع الصهيوني لتهويد القدس برعاية بريطانيا، وصولًا إلى عام1367هـ/ 1948م عندما احتل الكيان الصهيوني غالبية فلسطين التاريخية -حوالي 78% من مساحة فلسطين- واحتل أيضا الشطر الغربي من القدس والتي تشكل 84% من مساحة القدس الإجمالية.
ثم تعرض شرق القدس للاحتلال اليهودي بعد حرب حزيران1967م، وعندما دخلها الجنود الصهاينة قال حاخام الجيش الصهيوني شلومو غورين: "محمد مات خلف بنات"، وقال أيضًا: "يا لثارات خيبر"، وهذه العبارة المسمومة إشارة إلى هزيمة يهود في غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة للهجرة التي انتصر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم على يهود خيبر الذين هزموا شر هزيمة بفضل الله جل شأنه.
واليوم يكمل اليهود مشوارهم بمعونة الصليبيين بإعلان القدس عاصمة لهم، ولكن خابوا وخسروا فالقدس عاصمة لفلسطين بل للمسلمين.
2- ماذا يعني أن القدس عاصمة لليهود؟
أيها الإخوة المسلمون: تبدو في المقدمة مجموعة من المعاني والآثار والنتائج المباشرة المترتبة على الاعتراف بالقدس المقدسة عاصمة لليهود، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: هذا الاعتراف تجسيد وتكريس للقانون الإسرائيلي القائل بأن القدس -بشطريها الغربي والشرقي- موحدة بصفتها عاصمة أبدية لإسرائيل.
ثانيا: تسهيل ممارسة السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة، والإبقاء على الوضع الراهن القائم على الاحتلال، وتوحيد المدينة تحت السيادة الإسرائيلية، تنفيذًا لقرار ضم المدينة الصادر عن الكنيست الإسرائيلي.
ثالثا: نقل السفارة الأمريكية يشرّع ما أقامته إسرائيل من استعمار استيطاني في القدس، وخاصة أن هناك مباحثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن اتفاقية إيجار بين الطرفين تتعلق بالسفارة الأمريكية.
رابعا: قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لليهود يفتح الباب أمام دول العالم المساندة لإسرائيل باتخاذ قرارات مماثلة لما اتخذته الولايات المتحدة.
خامسا: إخراج ملف القدس من أي عملية تفاوض مستقبلية، في ظل تأكيد ترامب أنه ماض في السعي نحو إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
سادسا: عمليًّا، تصبح إدارة كافة المقدسات الإسلامية بالمدينة خاضعة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
سابعا: القرار الأمريكي يدعم وبقوة سياسات الاحتلال في تهويد المدينة المقدسة، وتهجير سكانها، ومصادرة المزيد من الأراضي، وتوسيع حدة الاستيطان.
باختصار: إن القرار يكمل ترسيخ واقع مؤلم، لكن الفرق هنا أنه أصبح مشرعنا دوليا وعالميا. 
ونحن نقول: إنه ليس هناك دولة اسمها اسرائيل فضلاً أن يكون لها عاصمة، إنما هم شرذمة من أراذل البشر اغتصبوا حقاً أصيلاً وسيرجع الحق لأهله بوعد ربنا ووعد نبينا صلى الله عليه وسلم، وسيشهد الحجر والشجر بذلك.
3- كيف نسترد القدس؟
إخوة الإسلام: إنه من المعلوم أن نصرة القدس وفلسطين لا تكون عبر ردود إعلامية وشعارات ومظاهرات فقط! بل تكون بتربية الأجيال على أن قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء وأنها أرض محتلة من اليهود الصهاينة بدعم أمريكي وغربي وتعاون من بعض حكام العرب الخونة.
وهنا سنجمل بعض الخطوات التي هي من أسباب استراد القدس: 
إن استرداد المسجد القدس وكل المقدسات يكون بأمرين اثنين: بالصلاح وبالسلاح. 
فهذه الأمة لا تحتاج إلى كثرة عدد فعددها كثير، وإن كثرة العدد والعُدد لا تغني عن أهلها شيئاً إذا خوت القلوب من الإيمان وحمل قضايا المسلمين.
ولا أدلَّ على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا)، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ) قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) أحمد/22397
بل أنتم يومئذ كثير، ولكن كثرتنا لم تغن عنا شيئاً، فرسول الله يرسخ فينا مفهوم أن القوة بثبات القلب وقوة إيمانه وارتباطه بالله، حتى ولو كان العدد قليلاً، ومنذ متى والمسلمون ينتصرون على أعدادهم بكثرة العدد؟!
بل إن كثرة العدد كادت أن تودي بالمسلمين يوم حنين حينما أعجبوا بكثرتهم!
حبُّ الدنيا وكراهية الموت، هو الذي جرَّأ أعداءنا علينا..
حب الدنيا والعمل لها ونسيان الدار الآخرة والقبر والحساب..
حب الدنيا وجعلها معبودا وإلها هو سبب كل رذيلة وكل بلية حلَّت بنا..
وإذا أردت مثالا عمليا على ذلك يتكرر كل يوم خمس مرات، فدونك صلاة الفجر التي خوت منها مساجدنا، لا يكاد يكتمل الصف أو نصفه، وبعض المساجد ثلاثة أو أربعة مع الإمام والمؤذن في مشهد يبكي القلب الحي ويندى له جبين الصادقين من المسلمين، ثم بعد ساعة أو أقل لا تكاد تجد لنفسك أو لسيارتك مكاناً من شدة الازدحام فقد حان وقت الدوام!!
فهذا مشهد مرئي يكرس معنى العمل للدنيا والعمل للآخرة، يتكرر كل يوم خمس مرات، وأنت حتماً لك دور قد مثلته في هذا المشهد.
بعض الإخوة الذين في قلوبهم حرقة لما يحدث قد رفع شعار المسجد الأقصى والقدس ويقول المسجد الأقصى لنا رغم أنوفكم يا يهود، ولو رآه اليهود لقالوا له: فليعرفك مسجد حارتك أولاً..
لذا.. 
لا بـد من صنــــــع الرجــال            ومثله صنـــــع الســـلاح
وصناعـــــــة الأبطـال علـم             قد دراه أولوا الصــــلاح
لا يصنـــــــع الأبطـــال إلا             في مســـاجدنـا الفســـاح
فـي روضـــــة القـرآن فـي             ظل الأحاديـث الصحـاح
شعـــبٌ بـغيـــر عقيـــــــدةٍ              ورق يذريــــه الريـــاح
من خان حي على الصـلاة             يخـون حي علـى الفلاح
إن الذي يرفع شعار الأقصى اليوم ولم يقم شعائر الإسلام في نفسه ولا أسرته سيتبخر في جنبات الطريق الطويل كما تبخر أصحاب طالوت، فلن يحمل القضية اليوم إلا أهل الصلاح والإصلاح.
ولكم أن تعلموا أن جيش صلاح الدين الذي حرر القدس كان فيه عشرة آلاف حافظ بل حامل لكتاب الله تعالى.
أيها المسلمون: إن فلسطين وديعة محمد صلى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون.
أيها العرب: إن قضية فلسطين محنة، امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها، وليست تنال بالهوينا والضعف، وليست تنال بالشعريات والخطابيّات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة.
إن الصهيونية وأنصارَها مصممون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن به.
وكونوا حائطاً لا صدع فيه، وصفّاً لا يُرقَّعُ بالكسالى.
يا بخس فلسطين أيبيعها من لا يملكها، ويشتريها مَن لا يستحقها؟ 
يا هوان فلسطين يقولون: إن فلسطين منسك للأديان السماوية الثلاثة، وإنها قبلة لأهل تلك الأديان جميعاً، فإن كان ما يقولون حقاً -وهو حق في ذاته- فإن أحق الناس بالائتمان عليها العرب؛ لأنهم مسلمون، والإسلام يوجب احترام الكتب والكتابيين، ويوجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، ويضمن إقامة الشعائر لليهود والمسيحيين، لا اليهود الذين كذّبوا الأنبياء وقتلوهم، وصلبوا -بزعمهم- المسيح الصادق، وشرّدوا حواريِّيه من فلسطين، وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما جاءهم بالبينات.
ووالله -يميناً برَّة- لو أن القوى -روحيَّها وماديَّها- انطلقتْ من عُقُلها وتظافرت، وتوافتْ على فلسطين وتوافرت، لدفنت صهيون ومطامعه وأحلامَه إلى الأبد، ولأزعجتْ أنصارَه المصوتين إزعاجاً يطيّر صوابَهم، ويُحبط ثوابهم، ويطيل حماتهم، ويكبت أصواتهم، ولأحدثت في العالم الغربي تفسيراً جديداً لكلمة (عربي) .
إخوة الإيمان: هل من الصحيح أن التفجيع والتوجّعَ والتظلّم والتألّم والأقوال تتعالى، والاحتجاجات تتوالى، هي كل ما لفلسطين علينا من حقّ؟ وهل من المعقول أن التفجّع وما عطف عليه -مجتمعات في زَمن، مقترِنات في قرن- تنفع حيفاً، أو تفلّ لظلم سيفاً، أو ترُدّ عادية عاد، أو تسفّه حلم صهيون في أرض الميعاد؟! لا ... والذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
إن الواجب على العرب لفلسطين يتألّف من جزأين: المال والرجال، وإن حظوظهم من هذا الواجب متفاوتة بتفاوتهم في القرب والبعد، ودرجات الإمكان وحدود الاستطاعة ووجود المقتضيات وانتفاء الموانع، وإن الذي يستطيعه الشرق العربي هو الواجب كاملاً بجزأيْه؛ لقرب الصريخ، وتيسُّر الإمداد، فبين فلسطين ومصر غلوة رام، وبينها وبين أجزاء الجزيرة خطوط وهمية خطَّتها يدُ الاستعمار، وإذا لم تمحُها الجامعة فليس للجامعة معنى؟ وإذا لم تهتبلْ لمحوها هنا اليوم فيوشك أن لا يجود الزمان عليها بيوم مثله.
الواجب الشرعي مع يهود الجهاد في سبيل الله تعالى، وما عداه من حلول (احتجاجات، مظاهرات) لا تنكأ عدواً ما بين القوسين من كلام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله.
وأنتم اليوم يا أهل سوريا قد ذقتم كثيرا من ألوان التعذيب والتهجير وويلات الحروب التي لم يذقها من قبلكم، فلن يخيفكم بعد اليوم يهود ولا سلاح يهود، بل إنهم اليوم يخشونكم ويهابونكم ويخافون أن تقوم قائمتكم، فأصلحوا شأنكم ورتبوا بيتكم ورصوا صفكم وتجاوزوا خلافاتكم فالعقبى بإذن الله لكم.

http://shamkhotaba.org