مقدمة:
إنّ إحاطة عدوّنا بنا، ووصولنا إلى مرحلة الشّتات والفُرقة، ودخول أمّتنا مرحلة (القصعة)؛ كلّ ذلك دليلٌ على وجود خللٍ في النّاحية القيميّة والبنية الفكريّة والطّروحات العقيديّة الّتي أثمرته، مهما كانت دعاوانا عريضةٌ، وأصواتنا مرتفعةٌ بالادّعاء أنّنا على النّهج السليم.
1- الأسباب والأعراض
إنّ العاملين في ميدان إحياء الأمّة لا بدّ لهم من التّمييز بين أسباب مرض أمّتنا وأعراض هذا المرض، فالأسباب في الحقيقة فكريّةٌ أساسها المعتقدات والقيم والأفكار، أمّا الأعراض فهي سياسيّةٌ واقتصاديّةٌ واجتماعيّةٌ..
وقد أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن تلك الأعراض، وبيّن تلك الأسباب في حديث ثوبان رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائلٌ: ومن قلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثيرٌ، ولكنّكم غثاءٌ كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدّوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائلٌ: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حبّ الدّنيا، وكراهية الموت).
2- النّظرة القاصرة للدّين
في أيام تخلّف المسلمين، فَهِم المسلمون الإسلام الأركان الخمسة فقط، فإذا صلّى وصام وحجّ، فهو مسلمٌ، ولا عليه أن يغشّ المسلمين بعد ذلك، ولا عليه أن يأكل أموالهم بالباطل، ولا عليه أن يكذب، ولا عليه أن ينافق، ولا عليه أن يدجِّل، إذاً: الإسلام بني على خمسٍ، وكفى.
ولكنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صحّح هذا الفهم، وبيّن أنّ هذا الإسلام لا بدّ أن يُترجم إلى سلوكٍ وأخلاقٍ تضمن سلامة المجتمع، فلمّا سُئل أيّ الإسلام أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه، ويده).
وبيّن أنّ هناك بعض الصّفات الّتي إن وُجدت في أشخاصٍ فهذا دليلٌ على وجود خللٍ في إيمانهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
3- الإسلام دين القيم
إنّ الإسلام العظيم مدرسةٌ للعالَم الّذين تاهوا في دروب الحياة، وإنّ أعرف النّاس بنعمة الإسلام حقّاً هم مَن عرف الجاهلية حقّاً علماً نظريّاً أو عملاً واقعيّاً.
وتعالوا بنا نسمع اعترافاً يلخّص لنا ما الدّاعي للالتزام بالإسلام؟ وكيف كان النّاس قبل الإسلام؟
أمّا السّائل: فهو ملك الحبشة النّجاشيّ، قال: "ما هذا الدّينُ الّذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحدٍ من هذه الأمم؟".
وأمّا المُجيب: فهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له: "أيّها الملك، كنّا قوماً أهلَ جاهليّةٍ، نعبدُ الأصنام، ونأكل المَيْتَة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكلُ القوِيُّ منَّا الضعيفَ، فكنَّا على ذلك حتّى بعث الله إلينَا رِسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقَه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله، لنوحّدَه ونعبده ونخلعَ ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارمِ والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدَّد عليه أمورَ الإسلام، فصدَّقناه وآمنَّا، واتّبعناه على ما جاء به".
هل هناك أوضح من هذا؟!
إسلامنا قيم، إسلامنا مبادئ، وإسلامنا استقامة، وإسلامنا غضُّ بصر، وإسلامنا عفَّة، وإسلامنا حياء، وإسلامنا أنْ يأمنك أخوك على ماله، ويأمنك على أهله، ويأمنك على دمه.
4- المعركة الفكريّة
هناك فكرة قد تجعل إنساناً ينحني ويسجد لصنمٍ من الحجر، وفكرةٌ أخرى تجعل إنساناً آخر يحمل الفأس ليكسر ذلك الصّنم!! ولأنّ الأفكار بهذا القدر من الأهمّيّة، فإنّه ومنذ أن تقرّر في أوكار الصّهيونية تدمير الخلافة الإسلاميّة، وأعداء الأمّة الإسلاميّة يحرصون على تخريب الفكر الإسلاميّ وتشويه العقل المسلم من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى يقومون برصد الأفكار الفعّالة الّتي تحاول إحياء الأمّة، لكي يقضوا عليها في مهدها أو يحتووها قبل أن تصل إلى جماهير الأمّة فتصحّح وجهتها أو تعدّل انحرافات أفرادها، ولتبقى الجماهير إذا اجتمعت تجتمع على أساس العاطفة وتحت سلطانها، وليس على أساس (الفكرة والمبدأ)، ومن هنا كانت مخطّطات أعداء الإسلام لاحتواء وتدمير الأمّة الإسلامية تهدف دائماً إلى هزيمة الأمة فكريًا، لأنّ هزيمة الأمّة في أفكارها تجرّدها من الحصانة وتتركها فريسةً لأيّ مرضٍ أو وباءٍ فيسهل بعد ذلك احتواؤها وتفكيك معتقداتها.
إذن فالمعركة بين الأمّة الإسلاميّة وأعدائها ليست معركةً واحدةً في ميدان الحرب، بل هي معركةٌ في ميدانين: ميدان الحرب، وميدان الفكر، والأعداء حريصون في ميدان الفكر على احتلال عالم الأفكار في أمّتنا، وحريصون في نفس الوقت على توزيع نفاياتهم الفكريّة إلى أمّتنا، لأنّهم يعلمون أنّ الأمّة التي تنتشر فيها هذه الأفكار الفاسدة تصبح غثاء تدور به الدّوّامات السّياسيّة العالميّة، ولا يملك نفسه عن الدوران ولا يختار حتّى المكان الّذي يدور فيه، وهذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذّر منه: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائلٌ: ومن قلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثيرٌ، ولكنّكم غثاءٌ كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدّوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائلٌ: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حبّ الدّنيا، وكراهية الموت).
وختاماً: فإنّ بناء الأمم والحضارات القويّة يتطلّب جهوداً وتضحياتٍ عظيمةً.
"وإنّ كلّ نظامٍ وضعه الإسلام بالقرآن والسّنّة النّبويّة الأساس فيه يقوم على التّوجيه الدّينيّ الّذي يغذّي نفوس الآحاد لتجتمع، ونفوس الجماعات لتأتلف، ونفوس الحكّام ليعدلوا في دولتهم وليعدلوا مع غيرهم".
لذلك فإن أي فكرة مستوردة دخلت إلى أمتنا من أي طريق لابد وأن نعرضها على إسلامنا المتمثل بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن وافقتهما فإنا نتبناها ونطورها ونخدم بها ديننا وأمتنا حتى ولو جاءتنا من عدو، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها،
وإن خالفت تلك الأفكار ديننا ونهجنا طرحناها عرض الحائط ونحن معتزون بديننا وشرعنا، واثقون بما أنزل الله لنا في قرآنه وما نقله لنا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي).
قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الانبياء:10].
http://shamkhotaba.org