المال الحرام رأس البلاء
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الخميس 8 فبراير 2018 م
عدد الزيارات : 4506
مقدمة:
معاشر المسلمين: في الحقيقة إن أمتنا أمست اليوم معطوبة مشلولة مكسورة الجناح، فكم من أيد إلى السماء ترفع، ولا دعوة تُستجاب وتسمع، قلت البركات من السماء، والنصر لا يتحقق على الأعداء، حتى لقد أصبحت الأمة الإسلامية اليوم أمة أرضية، قليلة العلاقة بالحياة الربانية، وانتشر الفساد أيما انتشار.
يا خالقَ الكونِ، حالُ الأمّةِ انقلبا        فأصبح اللَّهوُ في ميزانها أَدَبا
تقلَّبتْ في معاصيها، وما علمتْ        أنَّ المعاصيَ نارٌ تُحدِثُ العَطَبا
والسؤال من أتيت الأمة، من أين دخل الخلل على جسد الأمة؟ من أين جاء العطب على جسد هذه الأمة؟ 
والجواب باختصار: إنه من أكل مال الحرام نعم إنه من أكل مال الحرام ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ المؤْمنينَ بِمَا أمرَ بِهِ المرسَلينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمَلوا صَالحا}، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
هذا هو الداء باختصار هذا هو الداء بدون مجاملة، هذا هو الداء الذي قد عم واستشرى، حتى لقد دخل الحرام على الشقي والتقي، ودخل الحرام على الصالح وعلى الطالح، فقَلَّ أن تجد إنساناً يتحرى اللقمة الحلال، من أجل ذلك حلّ بنا ما نرى، والأمر أشدّ، وما يأتي من الله أشد، إذا سألت عن سبب خلل وضعف وتدهور وتقهقر وانهزام الأمة، فاسمع إلى بيان الحق من الحق إذ يقول: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
ويقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
بل إن الحق تبارك وتعالى قد ضرب لنا مثلاً وبالمثال يتضح المقال كما يقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
استبدلت الحلال بالحرام، استبدلت الطيب بالخبيث، استبدلت الصالح بالطالح.
نعم معشر الأخوة: إن العطب والخلل والفساد الذي حل بأمتنا اليوم، راجع إلى استحلال أكل الناس أموال بعضهم بعضاً بالباطل، خداعاً وزوراً وظلماً وجوراً، بل إنك ترى أمثالاً من الناس -وللأسف- قد تكالبوا على الدنيا خشية الفقر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُم) مسلم/2961
تكالب إلى الدنيا، وركن إلى الدنيا، وكأنها الحياة الباقية.
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت      آن السلامة فيها ترك ما فيها
وما في الناسِ أجهلُ من غبيٍ          يدومُ له إِلى الدنيا ركونُ
معشر الأخوة: إن التكالب إلى الدنيا والسعي في زيادة الأرصدة، وتضخيم الثروة، وعبادة الدرهم وعبادة الدينار، من دون العزيز الغفار، خُلُقٌ قد تخلق به فئام كثير من الناس، بل لقد فتن كثير من الناس بلمعان الذهب وبريق الفضة، حتى عبدوا المال من دون العزيز الجبار، حتى أصبح شعارهم: المال ثم المال، المال حتى المآل، المال من الحرام أو من الحلال، بطريقة شرعية أو بالاحتيال، المال يا رجال بالسلاح والقتال. أليس هذا قد استشرى؟ إن لم نقله بالألسن فهو ظاهر بالأعمال والفعال.
من أجل ذلك معشر الأحبة جاء النذير الشديد والوعيد الأكيد من الله ورسوله، على أولئك الذين يسعون لأكل المال من الحرام، اسمع إلى هذا الوعيد الشديد، لصنف من أولئك الذين يسعون لأكل أموال الناس بالباطل، إنهم أَكَلة أموال اليتامى ظلماً وجوراً قال الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10].
وجاءت الأحاديث لتبين هول وخطر الراكنين إلى الدينار والدرهم، إلى الذين يرفعون الدينار والدرهم فوق الرؤوس، إلى الذين يقتلون النفوس ويزهقون الأرواح من أجل المال، قال النبي العدنان عليه الصلاة والسلام: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) البخاري/2886
فَتَعْسًا: كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللَّهُ، طُوبَى: فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ.
هل رأيتم رجلاً أو امرأة صغيراً أو كبيراً يعبد الدينار والدرهم، لا معشر الأحبة، ولكن مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك الذين يقدمون الدينار والدرهم على الأوامر والنواهي الشرعية، الذين يقدمون الدينار والدرهم على قول الله وقول رسول الله، بل اسمع إلى هذه النبوءة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكأنه يتحدث عن زماننا: (إن رجال من أمتي يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) البخاري/3118
أيها الأخوة: إن ظهور المال الحرام في المجتمع نذير شؤم، وبداية إلى الهلاك، وبوابة إلى الهاوية، وطريق إلى النهاية المشئومة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن مجتمعات بكاملها، حرقت وأغرقت ودمرت، وكان مصيرها إلى النار: (إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) المستدرك/2261
إن انتشار المال الحرام في المجتمع، علامة على قلة الإيمان، ودليل واضح على خيانة الأوطان، وبرهان ساطع على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، نعم إنه علامة واضحة ظاهرة بينة على قلة الإيمان، من أجل ذلك جاء تحريم أكل أموال الناس بالباطل، في كل رسالة سماوية، وعلى لسان ويد كل رسول ونبي وداعية، كل شعارهم: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
أيها الأخوة: إن أكل مال الناس بالحرام دليل وبرهان على خيانة البلاد والعباد، تقول لي كيف؟ أقول لك لقد كثرت الآيات والأحاديث التي تحرم السطو على المال العام وعلى المال الخاص، تجد كثير من الناس اليوم إن رزقهم الله مالاً، سخره في الحرام، فتح أبواباً للفساد، تجد كثيراً ممن أنعم الله عليه بالمال يسارع إلى فتح الملاهي التي تعج بالفساد، وفتح المقاهي التي تمتلئ بالفجور والفسوق والخمور والمخدرات، سعى جاهد من أجل أن ينشر عبر المجلات وعبر الدعايات صور للنساء العاريات، أليس ذلك اعتداء على مال العامة والله عز وجل يقول: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].
ومن أنواع أكل المال العام بالباطل ما انتشر اليوم من الربا ولقد توعد الله عز وجل في كتابه العظيم حرباً مرعبة مخيفة على آكلي الربا وعلى موكلي الربا وعلى شاهدي الربا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278-279].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم معلناً خطر الربا وأكله: (الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه) المعجم الأوسط /7151
ولك أن تتساءل، كم من أرصدتنا اليوم محولة إلى معاملات ربوية؟ لك أن تتساءل اليوم كم من أموالنا تؤخذ بفائدة وترد بفائدة؟ أسأل الله العظيم أن يرفع عن هذه الأمة من شرقها وغربها هذا البلاء الخطير.
وهناك نوع آخر داء عضال، مرض قتال، قد استشرى في الأمة، وسرى فيها سريان النار في الهشيم، لم يستثن هذا الداء صغيراً ولا كبيراً، بل أصبح معروفاً بعد أن كان منكراً إنه الرشوة، الرشوة التي حرمها الله في كتابه وحرمها رسول الله فقال: (لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ) أحمد/9021 الرشوة إثم وجرم وحرام.
ومن أنواع الحرام التي اعتادها التجار والصناعيون والحرفيون وكثير من الناس استئجار العمال ثم ظلمهم بعدم إعطائهم حقوقهم، أليس عادة سارية جارية في مجتمعنا معشر الأخوة؟
واسمع إلى هذا الوعيد من النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن قال عن مشهد من مشاهد يوم القيامة: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ) البخاري/2227
ظلم العمال حرام، ومن أنواع الظلم المالي الذي استشرى أيضاً في مجتمعنا أكل الميراث، أكل حق اليتيم القاصر، وأكل مال وإرث البنات والنساء، الرجال يأخذون الميراث أما النساء فلا إرث لهم، والله تعالى قد قال: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:7].
ثم ختم آيات الميراث بوعيد شديد فقال رب العالمين: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء:14].
أيها الأخوة: إن مظاهر أكل المال الحرام كثيرة، وفي كل يوم يطالعنا مظهر جديد، ومن أشنع الأنواع اليوم الغنائم، نعم إنها الأموال التي تؤكل ظلماً وزوراً باسم الغنائم، إن ما أوصل جهادنا إلى الفساد وثورتنا إلى الثروة والانتصارات إلى هزائم ونكبات هو السطو على المال العام باسم غنائم الحرب والقتال وهذا والله ما جاء التحذير فيه أشد التحذير فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:161].
واسمعوا إلى هذه القصة المخيفة المرعبة، عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فُلاَنٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: (كَلاَّ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ، فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ)، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: (يا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: "أَلاَ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ". مسلم/114
أما النوع الدنيء الخسيس فالسرقة وياللأسف فقد صارت ظاهرة واضحة، بل إن هناك صنف من البشر يتجرؤون على السرقة من مال المنظمات ومن مال التبرعات، بل وهناك شر منهم وأخبث أولئك الذين يسرقون من البيوت المنكوبة والأشلاء الممزقة ينتظرون وقوع بلاء في أسرة فيهرعون لسرقة ممتلكاتهم وأموالهم فيا بؤس وخساسة ما يصنعون ويستحقون لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ). البخاري/ 6799 ومسلم/1314
فالله الله، حذار من المال الحرام، فأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به.
لا تَـجْـعَـلِ الـمـالَ هَـمَّ الـقَـلْـبِ تُـفْـسِدُهُ       مَـهْـمـا اجْـتَـهَدْتَّ سَتَجْني الرِّزْقَ أوْفاهُ
يا مَنْ جَمَعْتَ مِـنَ الأمْـوالِ ما حَرُمَتْ       حِـلٌّ جَــمَــعْـتَ حَــرامُ الــمـالِ أفْـنــاهُ
الـمـالُ للهِ فَــلْــتُــحْــسِــنْ رِعــايَــتَـــهُ       لا بـارَكَ اللهُ فـي مَـنْ ضَــلَّ مَـسْـعــاهُ
فـي أوْجُـهِ الـخَـيْـرِ والإحْـسانِ طَوِّعهُ       يَـبْـقـى رَصِـيْـداً بِـيَـوْمِ الـجَـمْـعِ جـازاهُ
مَـهْـمـا جَـمَـعْـتَ مِـنَ الأمْوالِ أرصِدَةً       تَـغْـدو إلـى اللَّـحْـدِ دونَ الـمـالِ عُـقْباهُ
غـــادَرْتَ دُنْــيــاكَ لا مـالٌ وَلا وَلَـــدٌ        إلآ بِــمــا كَــسَــبَــتْ أيْــديــكَ تَـلْـقــاهُ
اقْـنَـعْ بِـرِزقِـكَ لا تَـغْـدو عَـلـى طَمَعٍ         مَـنْ يَـعْـبُـدِ المالَ ربُّ العَـرْشِ أشْقاهُ
فاتقوا الله عباد الله: اتقوا سخط الجبار، ودعوا المال الحرام، فإنه أعظم الأسباب الداعية إلى الشقاق والشقاء والدمار، واعلموا: (إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بُورِكَ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِي مَالِ اللهِ وَمَالِ رَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ يَلْقَى اللهَ) أحمد/298
إن المال الحرام حطام، وحبل يقود صاحبه إلى النار وبئس القرار، إن المال الحرام جواز سفر وعبور إلى النار.
والسؤال الآن أيها الاخوة: ما هو الطريق لغسل أموالنا من الحرام؟ 
ما هو السبيل لتنقيه ممتلكاتنا من الحرام؟ 
إن الثروة بحد ذاتها ليس ممنوعة في الإسلام، فنعم المال الصالح للعبد الصالح، لكن الحرمة في الإسلام أن يعتدى على المال العام، أو على المال الخاص بالإثم والعدوان، فكيف نغسل أموالنا وممتلكاتنا من المال الحرام؟ 
أولاً: أن تكون المعاملات المالية والاقتصادية التي نديرها فيما بيننا قائمة على أصول شرعية وعلى قواعد دينية، على أصل عام مفهومه ومضمونه: التعادل في التبادل، أي بمقدار ما تبذل تأخذ، وإلا تقع في الوعيد والويل {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين 1-6].
إذن: الأخذ والعطاء بالتعادل بلا جور ولا عدوان.
الأمر الثاني: تطهير المال بالزكاة والصدقات قال الحق تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].
والمال الذي لا يزكى صار فيه جمرة من نار؛ لهذا قال الله مهدداً من لا يزكي {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة 34-35].
فاتقوا الله عباد الله وأنفقوا في سبيل الله للمجاهدين والفقراء والمحتاجين.
إنَّ التـَصَدُّقَ إسعادٌ لِمَنْ حُـرِموا     أهلُ السَّخاءِ إذا ما احْتـَجْتهُمْ بـانوا
داوي عَليْلـَكَ بالمِسْكين ِتـُطـْعِمُهُ      البَـذلُ يُنـْجيـكَ مِـنْ سُـقـْم ٍ وَنِيرانُ
يا مُنـْفِقاًخـَلـَفاً أُعْطِيتَ مَنـْزِلـَةً        يا مُمْسِكـَاً تـَلـَفــاً تـَلـْقى وَخُسْـرانُ
الأمر الثالث: رد الحقوق إلى أصحابها وإرجاع الأموال لأهلها، واسمع إلى هذه القصة الغريبة عن أبي سعيد الخدري، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلَّا قَضَيْتَنِي. فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: وَيْحَكَ! تَدْرِي مَنْ تُكَلِّمُ؟ قَالَ: إِنِّي أَطْلُبُ حَقِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَّا مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ)، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهَا: (إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرُنَا فَنَقْضِيَكِ)، فَقَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَضَتْهُ. فَقَضَى الْأَعْرَابِيَّ وَأَطْعَمَهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ: (أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ، إِنَّهُ لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ). ابن ماجه/ 2426
واعلموا يا اهل الشام الكرام أن الصحابة أصابهم من الفقر والقلة أكثر مما اصابنا وما أكلوا الحرام قط، فعَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: "إِنِّي لَأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ البَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ" البخاري/3728
وأخيراً أيها الأخوة المؤمنون: الدواء الناجع لترك الحرام والأخذ من الحلال أن نعلم أن الله يراقبنا ومطلعه على أعمالنا، وإن صلاح الأمة ونصرها يكون بأمرين عظيمين: صلاح القلوب وصلاح الجيوب.
فدع الحرص عن الدنيا    وفي العيش فلا تطمع
ولا تجمــــع من المال     فلا تدري لمن تجمــع
فإن الرزق مقســـوم     وسوء الظن لا ينفـــــع
فقير كل ذي حـــرص     غني كل من يقنــــــع
 

http://shamkhotaba.org