العدل والإنصاف
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 11 أبريل 2018 م
عدد الزيارات : 2490
1- العدل نظام الوجود
العدلُ مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته والثناء على أهله ومحبتهم، والظلمُ مما اتفقوا على بغضه وذمّه وتقبيحه، وذم أهله وبغضهم.
وقد أمر الله بالعدل والإحسان، وجعله دستوراً عاماً وقيمةً كبرى، قال تعـالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
"جاء بالعدل الذي يكفَلُ لكلِّ فردٍ ولكلِّ جماعةٍ ولكلِّ قومٍ قاعدةً ثابتةً للتعامل، لا تميلُ مع الهوى، ولا تتأثَّرُ بالودِّ والبغض، ولا تتبدلُ مجاراةً للصهر والنسب، والغنى والفقر، والقوة والضعف. إنما تمضي في طريقها تكيلُ بمكيالٍ واحدٍ للجميع، وتزِنُ بميزانٍ واحدٍ للجميع". في ظلال القرآن 4/2191
روى ابن جرير عن ابن مسعـود: "إنّ أجمـعَ آيـةٍ في القرآن لخيرٍ وشرٍّ، هذه الآية".
فإنه لا يُتصورُ قيامُ جماعةٍ صغيرة كانت أو كبيرة تقوم على الظلم ومجافاة العدل والإنصاف، فإنّ العدل ليس مجردَ ترفٍ في الأخلاق، بل هو نظامُ الوجود، وهو في الشريعة بين حرام وحلال وليس ما يثاب فاعله ويلام تاركه فحسب!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأمورُ الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثرَ مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إنّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمةَ وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس ذنبٌ أسرعَ عقوبةً من البغي وقطيعةِ الرحمفالباغي يُصرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أنّ العدلَ نظامُ كلِّ شيء؛ فإذا أُقيمَ أمرُ الدنيا بعدلٍ قامتْ وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة مِن خَلاق، ومتى لم تقُم بعدلٍ لم تقمْ وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة". مجموع الفتاوى:28/146
2- غياب العدل وأمراض مجتمعاتنا
وعندما نتكلمُ عن العدل والإنصاف ربما أولُّ ما يتبادر إلى الذهن ظلمُ الدول وعدمُ العدل في القضاء، وهذا اختزالٌ لمفهوم العدل، فالعدلُ أوسعُ من ذلك، فهو بين الناس بين بعضهم البعض، هو بين المرء وزميله، بين الرجل وزوجته، بين أفراد المؤسسة الواحدة، بين أفراد الجماعات، بل حتى مع البهائم هناك عدلٌ في شريعتنا!
وهذا المرضٌ اليومَ سرى فيما بيننا سريانَ النارِ في الهشيم، حتى بين الأفاضل! وآثارُهُ السلبيةُ بادية فينا، فنرى الكيل بمكيالين والتطفيف في الحكم، وإذا كان الشخص أو الجماعة ممن يوافقنا أو يتفق معنا في التوجه، رأينا أخطاءه حسنات، ورحنا نبرر كل فعل وقول؛ وإن كان ممن نختلف معه أو لا يوافقنا في التوجه أو الفكر، رحنا نتصيد الزلات والعثرات، وتكون زلاته فاكهة المجالس!!
وإن كان هذا المرض بين فصائل عسكرية، كما هو الحال اليوم في سوريا، فإنه يصل الأمر إلى الاقتتال واستباحة الدماء والحرمات! 
كل ذلك لغياب العدل والإنصاف، وقد علمنا كيف أن الله جعل العدل نظام الوجود، فكيف لمن هذه حالهم أن يكتب لهم التوفيق في عمل، أو التمكين في أرض!؟
لقد آن للعقلاء أن يفتحوا أعينهم على هذا المرض الذي نعاني وبدت آثاره الكارثية في واقعنا السوري اليوم، لقد آن للعقلاء أن يقوموا بمراجعة شاملة عميقة جريئة، لهدف إلى تعزيز العدل فيما بيننا، إنها ثقافةٌ ومبدأٌ عظيمٌ وركنٌ لا يمكن قيامُ عملٍ بدونه؛ والتأملُ في حوادث اليوم وصفحات التاريخ، بل والتأملُ في نصوص شريعنا ووحينا يُظهِرُ ذلك جلياً.
3- العدل مع المخالف
لقد أمرنا الله بالعدل حتى مع الكفار والمحاربين لنا، فما بالُنا نخرِم هذا المبدأَ العظيمَ فيما بيننا.
قـال تعـالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغضٌ مأمورٌ به، فإذا كان البغضُ الذي أمر الله به قد نـُهي صاحبُه أن يَظلم مَن أبغضه، فكيف في بغضِ مسلمٍ بتأويلٍ وشبهةٍ أو بـهوى نفسٍ؟ فهو أحقُّ أن لا يَظلم، بل يَعدل عليه". منهاج السنة النبوية 5/127
ولَطالما حَكَمَ القضاةُ للنصارى واليهود، وأعادوا لهم حقَّهم المغتصبَ، ومن بين الشواهد الدالة على عدل المسلمين وإنصافهم للذميين ما ورد عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في كتابه إلى عدي بن أرطأة -واليه على البصرة- يقول: "أما بعد، فإن الله سبحانه إنما أَمر أن تُؤخذ الجزيةُ ممن رغب عن الإسلام، واختار الكفرَ عنتاً وخسراناً مبيناً، فضعِ الجزيةَ على مَن أطاق حملَها، وخلِّ بينهم وبين عمارة الأرض، فإنّ في ذلك صلاحاً لمعاشر المسلمين وقوةً على عدوهم، ثم انظرْ مَن قِبَلَكَ من أهلِ الذمة، قد كبُرَتْ سنُّهُ وضعُفتْ قوتُهُ، وولَّتْ عنه المكاسبُ، فأجْرِ عليه مِن بيت مالِ المسلمين ما يُصلحُه، فلو أنّ رجلاً من المسلمين كان له مملوكٌ كبُرت سِنُّه، وضعُفت قوتُهُ، وولَّت عنه المكاسبُ كان من الحقِّ عليه أنْ يقوته حتى يفرِّق بينهما موتٌ أو عِتقٌ. وذلك أنه بلغني أنّ أميرَ المؤمنين عمرَ مرَّ بشيخٍ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك، أنْ كنا أخذنا منك الجزيةَ في شبيبتك ثم ضيّعناك في كِبَرِكَ، قال: ثم أجرى عليه مِن بيت المال ما يُصلِحُهُ". الأموال للقاسم بن سلام، كتاب سنن الفيء - باب اجتباء الجزية والخراج
ولشيوع ذلك لدى المسلمين فقد شهد به لأعداؤهم، فمن ذلك مثلا:
ماقاله أرنولد وهو يتحدث عن المذاهب الدينية بين الطوائف المسيحية: "ولكن مبادئ التسامح الإسلامي حرمت مثل هذه الأعمال التي تنطوي على الظلم، بل كان المسلمون على خلاف غيرهم إذ يظهر لنا أنـهم لم يألوا جهداً في أن يعاملوا كل رعاياهم من المسيحيين بالعدل والقسطاس مثال ذلك: أنه بعـد فتـح مصر استغـل اليعاقبـة فرصـة إقصاء السلطـات البيزنطية ليسلبوا الأرثوذكس كنائسهم، ولكن المسلمين أعادوها أخيراً إلى أصحابـها الشرعيين بعد أن دلل الأرثوذكس على ملكهم لها". الدعوة إلى الإسلام ص 87-88
ويقول غوستاف لوبون: "إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم". سماحة الإسلام/ عمر عبد العزيز قريشي: ص 150
وتأملوا أيضاً ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجاشي: (فإنّ بـها ملكاً لا يُظلم عنده أحد). البخاري 3659
ولم يكن النجاشي قد أسلم، ووصف أرضه بأنـها أرض صدق، لم يضف رسول الله إلى ما قاله عن النجاشي [ولكن] ثم يذكر بعدها مساوِئَه وأخطاءه، ولو كان مثل هذا الأمر لازماً وواجباً لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا توجيهٌ لقاعدة عظيمة في الإنصاف في التعامل مع المخالفين.
ولما كان مجافاة العدل والإنصاف سببه الهوى، وإن كان البعض يحاول إلباسه لبوس التبرير بالشريعة! فإنّ الله أوضح عن السبب الخفي لهذا المرض العضال فقال سبحانه وتعالى: {فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْ} [النساء:135].
والعدلُ له صورٌ كثيرةٌ ذكرها القرآن صراحةً:
منها: الصدقُ والإنصافُ في القول كله: قال تعالى: {وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُواْ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُواْۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام:152].
وقـال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ..} [النساء:135].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على الرافضة الذين يظلمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفترون عليهم: "ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم؛ فإنّ العدلَ واجبٌ لكلِّ أحدٍ على كلِّ أحدٍ في كل حال، والظلمُ محرّمٌ مطلقاً، لا يباح قط بحال". منهاج السنة 6/375
ومن العدل: الوفـاءُ بالعقـود، وعـدمُ بخسِ النـاسِ حقوقَهـم: قال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} [هود: 84-85]. 
وقـال: {وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} [الشعراء:183]. 
وقال أيضاً: {وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} [الأعراف:85].
ومما يجدُرُ ذكرُهُ أنّ عدلَ الإسلامِ شمَلَ الحيوانات، فلا يجوز ظلمُها ولا منعُ الطعامِ والشرابِ عنها. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عذبت امرأة في هرة: حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض). صحيح مسلم 2242
ولقد تجسدت معاني العدل كلُّها في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان يعطي كلَّ صاحبِ حقٍّ حقَّهُ لا يحابي في ذلك قريباً ولا عزيزاً، وكان لا يقبل الشفاعةَ في حدٍ مِن حدود الله.
4- نماذج مضيئة من عدلهم وإنصافهم
لقد سطَّرَ أئمةُ سلفنا صوراً رائعة مثاليةً في التزام العدل والإنصاف، كانوا يُنْـزِلُون الناس منازلهم، فلا يظلمون أقرانـهم بسبب اختلاف الاجتهادات، ولا يحابون أقرب الناس إليهم فيعطونـهم مالا يستحقونه. 
ولقد كانت هذه حالهم مع المبتدعين، أو حتى مع الكفار امتثالاً لقولـه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ..}.
وهذه نماذج من عدلهم:
سئل أحمد بن حنبل عن الشافعي، فقال: "لقد منَّ الله علينا به، لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلمُ من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير".
وقال يونس الصَّدَفيُّ رحمه الله: "ما رأيت أعقلَ من الشافعي، ناظرتُه يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفقْ في مسألة".
قال الذهبي: "هذا يدلُّ على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون".
واليومَ ينبغي أن نتأمل في واقع أنفسنا، وعلاقاتنا مع غيرنا لنرى إلى أيِّ حدٍ نحن نتصفُ بالعدل، أم هو مجردُ تنظيرٍ له بألسنتنا تُنكرهُ سلوكياتُنا وتخذله مواقفُنا!!
قال محمد بن سيرين: "ظلمٌ لأخيك أنْ تذكرَ منه أسوأ ما تعلم، وتكتمَ خيره".
هذا إذا ذكرتَ أسوأَ ما فيه ولم تذكرْ أحسنَ ما فيه، فكيف إذا أشعتَ عنه مقالـةَ السـوءِ دون تمحيـصٍ ولا توثيقٍ! وغفَلْـَت عن حديـث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبُ امرئٍ من الكذب أن يحدّث بكلِّ ما سمع).
وقال سعيد بن المسيب: "ليس مِن شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا وفيه عيبُ، ولكنْ مِن الناس مَن لا ينبغي أنْ تذكرَ عيوبَهُ، فما كان فضلُهُ أكثرَ مِن نقصِهِ وُهِبَ نقصُهُ لفضله".
وأنت يا مَن أَكَـلَ بعضُ إخوانِـكَ لحمَـَك، وتمادَوا في ظلمـك، لا تقابلِ السيئـةَ بمثـلهـا، قـال تعـالى: {وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} [آل عمران:134].
وإياك والاستدراجَ إلى مهاوي الفتن، واتركْ مجالاً لظالميك ليحاسبوا أنفسهم، وتمثّل قولَ الشاعر:
وإنّ الـذي بـيـنـي وبـيــن بـنـي أبي     وبيــن بـنـي عـمي لمـختـلـِـفٌ جِـدّا
فإنْ أكـلـوا لحـمـي وفَّرْتُ لحــومَهم     وإنْ هـدمـوا مجدي بـنيتُ لهم مجداً
ولا أَحْمِـــلُ الحقـدَ القديمَ علـيـهـمو     وليس رئيسُ القومِ مَن يحملُ الحقداً
لهـم جُــلُّ مـالي إنْ تتــابَعَ لي غِنىً     وإنْ قَـــلَّ مـالي لم أُكــلـّفْـهمُ رِفْــدَاً
واعلموا أنّ مِن العدلِ المسارعةَ إلى الاعتذار ممن تبين الخطأ في حقه، كما أنه من العدل قبولُ الحقِّ من المخالف، وإنْ كان هذا المخالفُ جماعةً، والحقُّ أقوى من الجماعات ومن الرجال مهما بلغ شدة الإعجاب بـهم أو الموافقة لهم، فلنرفع شعار العدل في جميع أمورنا، لنجعله شعارنا، ولنرفعه عالياً  إلى مكانته السامقة قيمةً عليا قررها قرآننا، وتمثّلها رسولُنا، وسار بها سلفُنا، وشهد به أعداؤنا، لنري الإنسانية هذه القيمة العليا لشريعتنا، لنمارس ذلك في أنسنا وبيننا، ولنعلم قبل ذلك كله أنه سببٌ عظيمٌ لاستمرار قوام أعمالنا ونجاهها.
وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قولتَهُ المشهورةَ الذائعةَ: "وأمورُ الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثرَ مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إنّ الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمةَ وإن كانت مسلمة".

http://shamkhotaba.org