مقدمة:
شهر رمضان عطيَّةٌ من الله لأهل الإيمان؛ ينّزل عليهم بها الرِّضا والرّضوان، ويكتبُ لهم بالصِّيام دخول الجنّة من باب الرّيَّان، فالبشرى لمن أحسن صيامه وأخلصه لله المنَّان، والشّقاء لمن لم يُغفر له بشهر رمضان كلُّ الذّنوب والآثام.
1- الإفلاس في حياة المسلم
أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يصحّح لنا أحد المفاهيم الخاطئة في حياتنا من خلال هذا السّؤال: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟! عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ)، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).
عندما يتيقّظ المسلم لهذا البيان الخطير، فإنّه يراجع نفسه عند كلّ تقصير، ويتزوّد ويبارد قبل الرّحيل، ويغتنم كلّ منحةٍ يمنّ بها الجليل.
2- المفلس في رمضان
إنّ المفلس في رمضان هو من خرج منه بخفيّ حنين، رغم أنّه قد أتعب الجسم وأسهر العين.
مفلسٌ في رمضان من لم يحقّق غاية الصّيام الّتي بينّها ربّنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
والّتي إن لم توجد أسبابها فلا فائدة للصّائم إلّا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ربّ صائمٍ حظّه من الصّيام الجوع والعطش).
مفلسٌ في رمضان من كثرت خصوماته وتعدّدت نزواته وضاقت أخلاقه، في الوقت الّذي قد كُبّل فيه الشّيطان وشدّت أوتاده، كما أخبر رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدتِ الشّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ..).
مفلسٌ في رمضان من لم يحظَ بأجر تفطير الصّائمين، وهو على ذلك من القادرين، والله تعالى يحبّ المحسنين، عن زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (من فطَّر صائماً، كان له مثل أجره، غير أنّه لا ينقص من أجر الصّائم شيء).
مفلسٌ في رمضان من أكثر النّفقات، على الطّعام والشّهوات، وفاته ثواب أفضل الصّدقات، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أفضل الصَّدَقة صدقةٌ في رمضان).
مفلسٌ في رمضان من أضاع ليله بالحُطام، وفوّت القيام؛ الّذي هو ماحٍ للآثام، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه).
مفلسٌ في رمضان من هجر القرآن، الّذي يشفع لقارئه بين يدي الرّحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الصيامُ والقرآن يشفعان للعبد يومَ القيامة، يقول الصّيام: أَيْ ربِّ، منعتُه الطّعام والشّهوات بالنّهار؛ فشَفِّعني فيه، ويقول القرآنُ: ربِّ، منعتُه النّومَ بالليل؛ فشَفِّعني فيه؛ فيشفعان).
مفلسٌ في رمضان من قصّر في العشر الأواخر، وقضاها في الأسواق والمتاجر، وفاتته ليلة القدر، الّتي هي أعظم ليالي العمر، بل هي خيرٌ من ألف شهر، عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر".
عن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ هذا الشّهر قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِم الخير كلّه، ولا يُحْرَم خيرَها إلّا محرومٌ).
مفلسٌ في رمضان من كان رمضان حُجّةً عليه؛ لتقصيره وغفلته وعدم تعرّضه لنفحات هذا الشهر، فيكون -والعياذ بالله- ممّن أصابته دعوةٌ يذوب لها القلوب كمداً، الداعِ فيها هو عظيم الملائكة، والمؤمّن عليها عظيم البشر، عن جابر بن عبد الله: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رقى المنبر، فلمّا رقى الدّرجة الأولى، قال: (آمين)، ثمّ رقى الثّانية، فقال: (آمين)، ثمّ رقى الثّالثة، فقال: (آمين)، فقالوا: يا رسول الله، سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لمّا رقيت الدّرجة الأولى جاءني جبريل صلّى الله عليه وسلّم، فقال: شقي عبدٌ أدرك رمضان، فانسلخ منه ولم يُغفر له، فقلت: آمين...).
3- الأعمال بالخواتيم
أيّها الصّائم: أفسِد كلَّ محاولة تحاول أن تفسِد عليك الأيّام الأخيرة من رمضانَ أو تسرقها منك.
اختم شهرك بالتّوبة والاستغفار والدّعاء، فإنّ ربّك رحيم، والأعمال بالخواتيم..
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، الأعمال بالخواتيم).
وفي رواية للإمام أحمد في المسند: (وإنما الأعمال بالخواتيم).
فإنّ الخسارة والشّقاء أن تخرج من هذا الشّهر الكريم، وأنت في عداد المفلسين.
http://shamkhotaba.org