مقدمة:
إن من الفضائل العظيمة للجمعة أن الله شرّع لعباده فيه خطبتها، التي تُعلّم الجاهل وتُذكّر الناسي، وتُقوّم المعوج، بما يلقيه أئمة الدعوة الإصلاحية وأصحاب المنهج الواضح من وعظٍ وتذكيرٍ، واهتمامٍ بأمر العقيدة وتعظيم لفكر القرآن، وإرشادٍ للعامة لمحاربة البدع وأهلها.
ولتحقيق هذا فإنه ينبغي على الخطيب المعتدل أن يعتمد في خطابه على جملة من النقاط التي تسهم بشكل أو بآخر في تأكيد الفكر الصحيح وتوضيحيه للأفهام، وزعزعة الفكر المنحرف وحماية المجتمع المسلم منه، ومن هذه النقاط:
1- تأصيل الانتماء الفكري: إن من أهم ما يمكن أن يستفيد منه الخطيب في مكافحة الخلل الفكري هو التأكيد على الهوية الفكرية الإسلامية وانتمائها إلى الإسلام نفسه، وهذا له أهمية بالغة في التوجيه السليم للفكر العام، إذ يقوّم الجانب الإيماني والاعتقادي في نفوس المسلمين، ويقودهم إلى الانحراف بعيداً عن التيارات الإلحادية نحو تثبيت الروابط الإيمانية وترسيخ أركان العقيدة، لكونه يربطهم انتماءهم بالأمة الإسلامية مباشرة، بربط جزئيات الحياة وكلياتها بمصدري الحياة (الكتاب والسنة).
ولو تأملت في خطاب الرسل لوجدت أن اهتماماً واضحاً في التأكيد على الانتماء الفكري للإسلام، ونبذ ما سواه، وهذا واضح في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى في المدينة والتي جاء فيها: (خُذُوا بِحَظِّكُمْ، وَلا تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَكُمُ اللَّهُ كِتَابَهُ، وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيلَهُ، لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، ويحيا من حي عن بينه).
وقد مرت بك مفصلة قبلُ، وواضح في قوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132-133]
2- التثقيف العام: لا يخفى دور الخطبة المتكاملة في زيادة الجانب الثقافي عند المستمعين بصورة شاملة، وبخاصة إذا كانت تتناسب وطبيعة المرحلة التي يعيشها أبناء المجتمع، إذ سيكون لها إسهام إيجابي وكبير في العملية التعليمية للمجتمع كله، فتكون خير مرشد وأحسن موجه نحو تحقيق الأهداف المنشودة، عبر تثقيف بالفكر الناضج.
3- التعريف الصحيح بالإسلام وأركانه: تعتبر خطبة الجمعة أهم وسيلة إعلامية لتعريف الناس بدينهم الحق، من خلال اجتماع المسلمين علماء ومفكرين وعامة أمام خطبة واحدة تقوم لهم أي اعوجاج فكري يشوب عقولهم.
ليس هذا وحسب، فهي تعمّق المفاهيم الإسلامية في النفوس، وترسّخ المبادئ الدينية في القلوب، كل ذلك في ضوء الكتاب والسنة، فتربط الفؤاد بالدين دفاعاً وحركة.
4- تقديم الحلول للمشكلات كافة: التي تواجه الأمة عبر تبادل الأفكار وتناقل الطروح وتقييم الأعمال وتصحيح المفاهيم للوصول بالمستمع إلى أعلى درجات المآثر الإسلامية، ومن صورة ذلك استفادة الخطيب مما ذكره الله في سورة نوح عليه السلام ودعوته لقومه.
5- الرد على الأكاذيب والافتراءات: التي تستهدف الإسلام وتسيء له، وذلك بمقاومة الدعاوى الفكرية الهادفة لهدم ركائز العقيدة الإسلامية والقيم الفاضلة في المجتمع عبر تبيينها وتوضيح مثالبها وسبل علاجها بما في الدين من وسائل.
http://shamkhotaba.org