إلى أبطال جنوب سوريا..
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 4 يوليو 2018 م
عدد الزيارات : 1818
1- ضرورة الاجتماع على رأي واحد وتجاوز المكاسب الشخصية
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 – 46].
ما حصل البلاء في أمة، وما نزلت المشاكل في بلد من بلدان الدنيا إلا حينما تنازعوا واختلفوا، ونزغ الشيطان بينهم، وحلت الأهواء بينهم، فنزل البلاء بهم.
يقول جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62 – 63].
يأتي هذا مؤكداً لمبدأ أن النصر إنما يكون مع وحدة الصف واتفاق الكلمة.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة). سنن الترمذي- الفتن (2165)
ونحن في هذا اليوم وفي الأيام السابقة نشهد تطوراً خطيراً في جنوب سوريا، حيث اجتمع الجيش المجرم الروسي مع الميليشيات التي استعان بها نظام الحقد الطائفي من المرتزقة التي أتى بها من أصقاع الدنيا، يجتمعون جميعاً بقرار واحد على الجنوب السوري، والواجبُ اليومَ على الجنوب السوري في محافظتي درعا والقنيطرة أن يجتمعوا جماعةً واحدةً، وقراراً واحداً؛ فالمصيرُ واحدٌ. وإنّ هذا هو الذي يُبنى عليه النصر، هذا في قوانين الدنيا وسنن الكون، فلا يمكنك أن تنتصر على عدوٍ مهما كانت قوتك إن كنت تعاني من تمزقٍ في صفك الداخلي، واختلافٍ في الرأي، وبحثٍ عن مصالحَ خاصةٍ، وأمجادٍ فرديةٍ!!
فاليومَ نوجه نداءً إلى قادة الجبهة الجنوبية وثوارها، أن يجتمعوا على قلب رجل واحد، فيكون القرار واحداً في الحرب والسلم والموت.
إنكم اليومَ أمام اختبارٍ عظيمٍ وتمحيصٍ كبيرٍ، إما أن تصمدوا وتجتمعوا على كلمة واحدة أو دونكم الذلُ والعارُ والخيبةُ والهزيمةُ.
والتاريخ مليءٌ بالعبر، وأعظمُها ما كان من أمر نبيكم وقدوتكم صلى الله عليه وسلم يوم أحد، كيف لاح النصرُ على بارقة سيوفهم، ولم يعد يشكُّ في ثمرة النصر أحدٌ منهم، فانفردوا عن أمر نبيهم في الثبات على الجبل، فتحول النصرُ في لحظات إلى هزيمةٍ ومقتلةٍ!!
هذا وهم خيرُ الناسِ يومئذ على وجه الأرض، بل وقائدُهم هو خيرُ ولدِ آدمَ، لكنْ حصل هذا الذي علمتم! 
والله إنه درسٌ بليغٌ عظيمٌ إلى قيام الساعة، فهل نعتبر من هذا وأنتم اليوم قد اجتمع على تخومكم جيوشُ الإجرامِ، تسانده قوى الشر العالمية، فماذا أنتم فاعلون!؟ 
كونوا كلمةً واحدةً، وقيادةً واحدةً، ارجعوا إلى الناس والتحموا معهم، وانصروا ضعيفهم، فستنصرون برحمتكم بهم، وثباتكم.
لقد كان أولَ ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة لإقامة الدولة أن آخى بين المهاجرين والأنصار؛ لأن المسلمين بجماعتهم مسؤولون عن حماية الحق ودرء الفتنة وإقامة المثل والأخلاق، متكاتفون يدلون على الخير، ويحاربون السوء، أصل عظيم يجب أن يكون نصب أعين شخص، يجب أن نكون يدًا واحدةً.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
ولا تغرَّنَّكم حشودُ البغي والشر، رصوا صفكم، وأجمعوا أمركم، واطردوا الهوان والأهواء الشخصية، والمكاسب المزعومة، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173- 175]. 
2- التحذير من الخيانات وأصحاب المصالح الخاصة

 

قال عليه الصلاة والسلام: (اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضَّجيع، ومن الخيانة؛ فإنَّها بئست البطانة). أخرجه أبو داود (1547) والنسائي في السنن الصغرى (5468)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكلِّ غادرٍ لواء عند استِه يوم القيامة). 
وفي رواية: (لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدره، ألَا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامَّة). رواه البخاري (6607) ومسلم (3273)
ومما يشُقُّ صفَّكم اليوم وجودُ الخيانات والمصالحات المنفردة، والأدهى من ذلك أن تكون على مستوى من كانوا يؤتمنون على البلاد والأعراض والدماء! 
إن البحث عن مصالح خاصة، وأمجاد شخصية، هو أساس الخيانة وعنوانها، هو تقديم للأهواء على مصلحة الأمة والبلد، ويأتي الشيطان هنا من شياطين الإنس أو الجن ليزيّنها بحجج واهية لتروج على العامة، والله يعلمة خائنة الأعين وماتخفي الصدور.
يا أهلنا في الجنوب السوري، ياقادة الجنوب السوري: إن قيام كل بلدة أو منطقة بالانفراد بالتفاوض مع العدو، لهو خيانة، وبحث عن المصالح الخاص، وهو من التفرق المذموم في الكلمة، يجب أن يكون المصير واحدا، اتقوا الله أن تخونوا دماء شهدائكم، وتخونوا أعراض أهلكم.
واعلموا أن التاريخ يسجل اليوم، وليكتب كلٌّ ما يريد أن تقرأه الأجيال..
فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً فَما نَيـلُ الخُلـودِ بِمُستَطـاعِ
وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَـوبِ عِـزٍّ فَيُطوى عَن أَخي الخَنعِ اليُراعُ
سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُـلِّ حَـيٍّ فَداعِيَهُ لِأَهـلِ الأَرضِ داعـي
وَمَن لا يُعتَبَط يَسـأَم وَيَهـرَم وَتُسلِمهُ المَنونُ إِلـى اِنقِطـاعِ
وَما لِلمَرءِ خَيـرٌ فـي حَيـاةٍ إِذا ما عُدَّ مِن سَقَـطِ المَتـاعِ
3- التضحية والثبات عند المدلهمات سيد الموقف
التضحية عنوان الموقف عند قوع المدلهمات، وفي أوقات التحدي، وهنا تظهر معادن الناس، لذا كان من أعظم الجرم الفرار من الزحف أمام العدو، وكان أعظمَ الأجر الثبات. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15].
أمر الله سبحانه عباده بالثبات حين اللقاء فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواوَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وَقَالَ: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ). البخاري (2833) ومسلم (1744)
ومن كان الله معه فلن يُغلب؛ فالمسلمون يستمدون قوتهم من الله، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ} [هود: 66]. 
والأعداء يستمدون قوتهم من الشيطان، {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
والله سبحانه وتعالى قَرَنَ الثباتَ في الحرب بكثرة ذكره: {فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}
فهذا يؤكد على ضرورة التعلق بالله في مثل هذه المحن، وذلك بعد إعداد العدة، ووضع الخطط، وتقوية الصف، وتوحيد الكلمة.
قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 250 – 251].
ولا شك أن الدعاء والتوجه إلى الله تعالى في مثل هذه الحال مما يزيد المؤمنَ المجاهدَ قوةً وعزيمةً ومصابرةً للشدائدِ.
وخاصة إن كان العددُ قليلاً، كما كان حزب الإيمان من أصحاب طالوت في هذه الآية.
وهذا ما أرشد الله إليه المسلمين في غزوة أحد وقد أصابهم ما أصابهم، فضرب لهم مثل الأنبياء السابقين ومن قاتل معهم، وكيف صبروا على ما أصابهم في سبيل الله وماذا كان قولُهم؟ 
قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران 146 – 148].
فكأن الله يقول لهم: فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصرَ والظفرَ والغنيمةَ في الدنيا، والمغفرةَ في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه، الثابتين عند لقاء عدوه بوعدِه الحق، وقولِه الصدق: {والله يحب الصابرين} يعني الصابرين على الجهاد.
فَمُوتُوا كِرَامًا أَوْ أَمِيتُوا عَدُوَّكُمْ      وَدِبُّوا لِنَارِ الْحَرْبِ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ
وَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَغْضَبُوا بَعْدَ هَذِهِ      فَكُونُوا نِسَاءً لاَ يُعَبْنَ مِنَ الْكُحْلِ
4- لا تغتروا بالباطل
إن الباطل مهما علا ولجلج فإنه زاهقٌ، والحقَّ مهما ضَعُفَ فإنه منتصرٌ، كيف لا والله من وراء الحق، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30].
ودولةُ الباطلِ ساعة، ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ الساعة؛ لذلك قال الله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196 – 197].
فالمؤمنون مهما رأوا من تَحَشُّدِ الأعداءِ ضدَّهم لا يزيدهم ذلك إلا إيماناً وثباتاً، كما قال الله جل في علاه: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
فرجعوا منتصرينَ غالبينَ غانمينَ، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174].
واسمعواإلى خطاب الأحرار قبلكم، وهم أحرار الجزائر في وقوفهم أمام جبروت المستعمر الفرنسي، فسطروا هذه الأبيات من الشعر تخّلد بطولتهم وعنفوانهم، وماأشبه الليلة بالبارحة:
نحن ثرنا فحياةٌ أو مماتٌ
نحن جندٌ في سبيل الحق ثُرنا
وإلى استقلالنا بالحرب قُمنا
لم يكن يصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنّة البارود وزنا
وعزفنا نغمةَ الرشاشِ لحناً
فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا
نحن من أبطالنا ندفعُ جندا
وعلى أشلائنا نصنعُ مجدا
وعلى أرواحنا نصعدُ خلدا
وعلى هاماتنا نرفعُ بندا
فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا
صرخة الأوطان من ساح الفدا
اسمعوها واستجيبوا للندا
واكتبوها بدماء الشهدا
واقرأوها لبني الجيل غدا
قد مددنا لك يا مجدُ يدا
فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا

http://shamkhotaba.org