احذر أن يؤتى الدين من قِبَلِك
الكاتب : رابطة خطباء الشام
الأربعاء 25 يوليو 2018 م
عدد الزيارات : 5364
مقدمة:
لا يؤتى الإسلام من قبلك.. كلمة تهز كيان المسلم كلما سمعها، وتحرك مشاعره كلما فكر فيها، كلمة لو اتخذناها شعارا في حياتنا لعادت لهذه الأمة أمجادها، ولو وضعها كل شاب وفتاة أمامهما لأصبحت أمتنا -والله- أفضل الأمم.
1- الإسلام دين المسؤولية
إن صدق انتمائنا لديننا ووطننا، ينبثق من التحلي بروح المسؤولية، التي يتحقق من خلالها غاية وجود الإنسان على الأرض، حيث قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
ذلك أن هدف الاستخلاف هو تحقيق عبادة الله التي تتحقق من خلال بناء الوطن وعمارة الأرض، قال سبحانه: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].   
ولقد جاء في الحديث الذي رواه أبوسعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون). رواه مسلم
إنها مسؤولية الجميع، وأمانة منوطة في أعناق كل فرد، فقضية العمل للدين قضية كل مسلم، حتى يصبح قضية ساخنة في حياة المسلمين تواجهك في كل لفتة، إنها قضية استنفار الطاقات المعطلة، لتقدم لدينها ما تستطيع، إنها قضية إحياء الإيجابية في نفوس المسلمين، بعد أن عشعشت السلبية على مواقع كثير من المسلمين، فأخذوا دينهم بضعف، في حين أن الله أمرنا أن نحمله ونأخذه بقوة، قال تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63].
إنها قضية رفع مستوى العامة من الناس الذين ظنوا أنهم لا علاقة لهم بحماية الإسلام، قضية رفع مستواهم للإحساس بأن الأمة في أزمة، أزمة ضعف الإيمان وتدهوره من قبل أبنائه.
2- الدفاع عن الإسلام واجب شرعي
إن الإسلام واسع في تشريعاته ومقاصده، في إقامة الدين ونشره، وحفظه من التغيير والتحريف والتأويل الفاسد، والسبل في ذلك متعددة: كالدعوة إلى الله تعالى والجهاد بالسيف ونحوه، وغير ذلك من السبل، وكل فرد يساهم من جهته في الدفاع عن هذا الدين، فإذا قام بشيء من ذلك فهو خادم للدين والمسلمين، وإذا تخلى عن مهمته الجزئية، فقد تخلى عن كل المسلمين، ولقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بحدود الدولة التي يرابط فيها الجنود لحمايتها من جهاتها الأربعة، فلا تستغني جهة عن الأخرى، حيث أن جميعهم يحمي بعضهم بعضا، فلو تراجعت فئة سيدخل العدو من جهتها ويستبيح بذلك الجميع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك). السنة للمروزي 1/13- 28
وهذا ليس مقتصرا على ذلك الصحابي فحسب، بل هو خطاب موجه لكل فرد من المسلمين يقوم بعمل ما، فكأنه يخاطب العالِم في محرابه، والطبيب في عيادته، والمعلم في صفه، والقائد في معسكره، والعامل في عمله، بأن يؤدي كل واحد من هؤلاء عمله على الوجه الأكمل، ليعطي أفضل صورة عن الإسلام وأخلاقه، من خلال عمله الذي يقوم به فيكون داعية إلى الإسلام بحاله قبل مقاله.
ولذلك فإن هناك حقاَ إسلامياَ وواجباَ شرعياَ، ضيعه الكثيرون وفرط فيه المفرطون، حتى عاد حالنا في المنتديات وفي الأسواق والمجالس وفي كل مكان حال خزي وعار، وصار أمر الإسلام في أعين من يدعيه أمراَ هيناَ، حيث يتخاذل عن الدفاع عن الإسلام، ومهاجمة أعدائه، رغم كثرة ما يسمع من الشبه التي تلقى في المجالس، والاتهامات الباطلة لدين الله عز وجل، ورغم كل ذلك لا تتحرك فيهم الحمية لدين الله، ولا يقومون بالذب عن هذه الشريعة الغراء، وإن هذا لتقصير كبير وإثم عظيم.
3- أنت على ثغر من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك
الثغرة موطن الضعف من الحدود، أو الثلمة في الشيء، أو الفتحة في الثوب، فإياك أن تكون أنت سببا في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
إن الناس لا يحبون الإسلام لأنه دين سماوي ينسجم مع الفطرة والعقل بقدر ما يحبونه لأنه مطبق في الحياة اليومية مجسد في سلوك المسلمين، والناس لا يتعلمون بآذانهم، بل يتعلون بعيونهم، ولا ننس أن الإسلام قد انتشر في جنوب آسيا وشرقها، وفي غرب إفريقيا وشمالها، عن طريق المعاملة الحسنة، والسلوك القويم، فالتجار المسلمون ضربوا لهذه الشعوب مثلا أعلى في النزاهة والاستقامة والأمانة.
والناس أيها الإخوة لا ينفِّرُهم من الدين والإسلام شيء مثل أن يروا المسلم يكثر من الصلاة والصيام والأدعية والأوراد ويسيء إلى الناس بمعاملته وبيعه وشرائه وقضائه.
أخي المسلم أنت حينما تسيء إلى الناس -وأنزهك عن ذلك- لا تسيء إلى نفسك فحسب بل إلى الإسلام والمسلمين.
والناس يرون من أهل الكفر والفجور ما لا يحتمل من الإساءة والانحراف والغواية، ومع ذلك لا يكترثون، ولكن حينما يسيء إليهم المسلم إساءة طفيفة عن غير قصد منه، يقومون ويقعدون ويدعون بالويل والثبور، وينددون بجميع المسلمين، بل إن بعضهم ليصل في تنديده إلى الدين نفسه.
إن سلوك المؤمن وتصرفاته موضوعة تحت العدسات المكبرة، والأضواء مسلطة على حركاته وسكناته، ولا يحلو للناس شيء كتفحص سلوك غيرهم، ومراقبة أعمالهم، ومحاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة، فهل تحب يا أخي أن تسيء إلى دينك وإسلامك وإلى نبيك وأصحابه؟!
إذا كنت لا تحب ذلك فتذكر قول نبيك: (كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لا يؤتى الإسلام من قبلك). 
ورضي الله عن سيدنا عمر، عندما كان يريد أن يسن قانوناَ، أو يحظر أمراَ، يجمع أهله أولاَ ويقول لهم: "إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هِبْتم هابوا، وإني والله لا أوتي برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر".
وفي عام الرفادة أمر بنحر جزور وتوزيع لحمه وقام المختصون بإنجاز المهمة بيد أنهم استبقوا لأمير المؤمنين أطيب أجزاء الذبيحة ولما وضع أمامه على المائدة سنام الجزور وكبده وهما أطيب ما فيه قال: "من أين هذا؟"، قيل من الجزور الذي ذبح اليوم فقال وهو يزيح المائدة بيده الأمينة: "بخٍ بخٍ.. بئس الوالي أنا إن طعمت طيبها، وتركت للناس كراديسها -يعني عظامها- ثم قال ارفعوا هذه الجفنة وأتوني بخبز وزيت". 
هكذا كان عمر يحبب الناس بالإسلام عن طريق تطبيقه على نفسه أولاَ، وعلى من يلوذ به ثانياَ، وكان رضي الله عنه يقول: "كيف يعنيني شأن الناس إذا لم يصبني ما أصابهم". 
وفي الختام أذكرك أخي المسلم بأنك حينما تسيء إلى الناس، تسيء لهدم الدين من حيث لا تشعر، لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن توزن عليك.
4- فبهداهم اقتده
عن سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى)، ثم قال: (من يحرسنا الليلة؟)، قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: (فاركب)، فركب فرساً له، فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: (هل أحسستم فارسكم؟)، قالوا : يا رسول الله ما أحسسناه، فثُوِّب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: (أبشروا فقد جاءكم فارسكم)؛ فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت، فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل نزلت الليلة؟)، قال: لا إلا مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها).
أوجبت: أي وجبت لك الجنة.
فالله الله أيها المسلم، إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك، فكن حارسه الأمين، وجنديه المخلص.
 

http://shamkhotaba.org